سياسة

وزان: “إتفاقية الموت” تلاحق البشر بعد وفاتهم .. وإدعمار يرد

أثارت الاتفاقية التي وقعها رئيس المجلس الجماعي لمدينة تطوان محمد ادعمار، جدلا كبيرا وسط ساكنة إقليم وزان، وذلك بالنظر إلى مضامين الاتفاقية التي يقول حقوقيون ونشطاء بالإقليم إنها تسمح لأحد شركات نقل الأموات باحتكار نقل جثث أموات ساكنة الإقليم من مستشفى سانية الرمل الجهوي إلى مختلف المناطق، وهو الشيء الذي من شأنه، حسب هؤلاء، أن يجعل الساكنة أمام شركة واحد “تتلاعب” بهم كيفما تشاء من ناحية أثمنة نقل الأموات.

وفي مقابل ذلك، عبّر محمد إدعمار، رئيس الجماعة الحضرية لتطوان، عن مدى استغرابه حول النقاش المثار داخل إقليم وزان فيما يتعلق بالاتفاقية المذكورة، مشيرا أن الأمر يتعلق بـ “قرار ترابي يخص جماعة تطوان، ولا دخل للجماعات الأخرى في هذا القرار، خاصة المناطق والجماعات التي لا تربطها حدود ترابية ولا مناطق مشتركة مع تراب إقليم تطوان”.

اتفاقية مثيرة للجدل

تكشف الاتفاقية التي أبرمها المجلس الجماعي لتطوان مع شركة خاصة لتدبير نقل الأموات، أن الشركة المذكورة حصلت على تفويض حصري لتدبير نقل الأموات من داخل النفوذ الترابي لـ “الحمامة البيضاء” وخارجها، وهو الشيء الذي لقي استنكارا من لدن عدد من الفعاليات المدنية والحقوقية بجهة الشمال، وخاصة إقليم وزان، معتبرين أنها “ظالمة ومرفوضة من الناحية القانونية والأخلاقية”.

وتعود تفاصيل القضية إلى سنة 2010، حيث قام المجلس الجماعي لتطوان بتوقيع اتفاقية مع الشركة المغربية لنقل الأموات، وذلك في إطار قانون التدبير المفوض الصادر سنة 2006، والذي ينص بأنّ جميع المرافق الجماعية يمكن أن تكون موضوعا للتدبير المفوض، كما هو الشأن للماء والكهرباء وجمع النفايات.

وتؤكد الاتفاقية، التي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منها، على أنه في إطار التعاقد بين الجماعة الحضرية والشركة المغربية للإسعاف ونقل الأموات، يتم “منح بصفة حصرية لشركة خاصة بتطوان تدبير مرفق نقل الأموات من داخل تراب الحضري “للحمامة البيضاء” وخارجها.

الاحتكار المحرّم

اعتبر نور الدين عثمان، الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمدينة العتيقة وزان، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الاتفاقية المشار إليها “ظالمة ومرفوضة من الناحية القانونية والأخلاقية”، مشيرا إلى معاناة المواطن البسيط الذي رماه القدر إلى مستشفى سانية الرمل بتطوان، بعدما رفضته المصحات القريبة منه، ليعود جثة هامدة يتاجر بها هي كذلك”.

“لا أحد كان يتصور أنّ الريع والحكرة ستلاحق البشر بعد وفاتهم فإن العقل يستعصي فهم بنود هذه الاتفاقية الاحتكارية في ظل دستور جديد وفي إطار دولة الحق والقانون”، يقول عثمان، مضيفا “إنني شخصيا عاينت مآسي المواطن البسيط في مدينة تطوان لثلاث عائلات فقيرة فقدت أحبابها”.

وأضاف المصدر ذاته، أنه “وبعد الإحتكار والإهانة والإستهزاء الذي مورس عليهم جراء المتاجرة في مآسيهم، حيث كان المطلوب تسديد مبلغ 3500 درهم للشركة المحتكرة، وذلك إضافة إلى مصاريف الكفن والغزل والتابوت ومصاريف أخرى، حيث وصل المبلغ الإجمالي الذي وجب على العائلة دفعه حوالي 6000 درهم”.

لا تجارة في الموت

من جهته، رفض عبد الصمد الدكالي، الكاتب الإقليمي للفيدرالية الديمقراطية للشغل، والذي يشغل نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، الاعتراف بالاتفاقية، معتبرا أنها “مشؤومة تهم فقط من وقّع عليها كممثل لساكنة تطوان”، في إشارة منه إلى رئيس الجماعي المدينة ذاتها.

وأوضح الدكالي في تصريح مماثل لجريدة “العمق” أنّ “الأسر المعوزة القاصدة لمستشفى تطوان، خاصة المنحدرين من إقليم وزان، تضطر لتأدية فاتورة مكلفة لنقل موتاهم بعدما يتم إرسال المرضى قبل وفاتهم إلى مدينة تطوان، في ظل غياب الأجهزة الطبية والموارد البشرية بمشفى أبي قاسم الزهراوي بدار الضمانة”.

ومن جانبه حمّل عبد الرحيم شنكاو في تصريح آخر، رئيس الفرع المحلي السّابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، مسؤولية تفويت هذه الاتفاقية لمختلف المجالس سواء الجماعية أو الإقليمية، مشيرا إلى أنه ينبغي وضع حد لهذه الاتفاقية لعدة اعتبارات، أهمها حسب شنكاو، الجانب الإنساني.

وأوضح الناشط الحقوقي المذكور، “أنّ الموت يعدّ من الحالات الإنسانية التي تستوجب مراعاة حالة أهل وعائلة الميت، وتسهيل مواراة جثمانه، خصوصا من الناحية المادية”، مشيرا إلى أن “الكلفة المقدرة لنقل الأموات من تطوان إلى وزان، قد تصل إلى حوالي 5000 درهم، مع أن المسافة التي تفصل المدينتين لا تتعدى حوالي 130 كلم”.

قرار ترابي

وتعقيبا حول الموضوع الدائر، عبّر محمد إدعمار رئيس الجماعة الحضرية لتطوان، عن استغرابه حول النقاش المثار داخل إقليم وزان فيما يتعلق بالاتفاقية المذكورة، معتبرا أن القرار يهم فقط النفوذ الترابي لجماعة تطوان، مشددا على أنه “لا دخل للجماعات الأخرى في هذا القرار، خاصة المناطق والجماعات التي لا تربطها حدود ترابية ولا مناطق مشتركة مع تراب إقليم تطوان، حسب تعبيره.

وقال إدعمار، في تصريح لجريدة “العمق”، إنّ نقل الأموات يدخل ضمن الشرطة الإدارية والتي من اختصاص الجماعة الترابية المعنية، أي جماعة تطوان، مضيفا أن خضعت لقانون التدبير المفوض الصادر سنة 2006، والذي ينص على أن “جميع المرافق الجماعية يمكن أن تكون موضوع تدبير مفوض”.

وأكد إدعمار في التصريح ذاته، أنّ “عملية نقل الأموات تعدّ جزءً من التدبير المفوض”، مشيرا إلى أنّ الاتفاقية المبرمة تعود لسنة 2010، وأنه كرئيس لجماعة تطوان ليس عنده أي إشكال للتعاون مع جماعة وزان، ومع المواطنين المتضررين، داعيا الذين عندهم ملفات مطروحة بعينها للاتصال بالجماعة من أجل إيجاد حل لها والبحث عن وسيلة لكيفية علاجها.

ليعود إدعمار في السياق نفسه، ليعبّر عن عدم استساغة وفهم هذه الاحتجاجات والنقاشات الدائرة وسط إقليم “دار الضمانة”، مرجعا ذلك “لكون الإقليم الوزاني بعيد كلّ البعد عن تطوان”.

وأوضح إدعمار، “أنّ المراسلة التي قام بها عبد الحليم علاوي، رئيس المجلس الجماعي لوزان، كان ينبغي أن تتوجه إلى الشركة المكلفة بالتدبير المفوض لنقل الأموات، لأن المرفق المذكور تم تفويضه”، مضيفا أنه ليس هناك إشكال لتدارس جميع الحالات المتضررة.

وأضاف: “نحن مستعدون للجلوس مع جماعة وزان للتدارس والتباحث حول مآلات هذه الاتفاقية، خاصة إذا ما اتضح أنّ هذا التدبير المفوض خلق معاناة ومُشكلا حقيقياً جراء نقل الأموات من مستشفى سانية الرمل نحو الجماعات الترابية التابعة لإقليم وزان”، يورد إدعمار.

تجدر الإشارة إلى أنّ عبد الحليم علاوي، رئيس الجماعة الحضرية لوزان، راسل في وقت سابق زميله في “البيجيدي” محمد إدعمار رئيس الجماعة الحضرية لتطوان، في ملتمس توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، يدعوه من خلاله إلى الموافقة بالسماح لسيارة نقل الأموات التابعة لجماعة وزان بنقل الجثث من تطوان إلى وزان عند الاقتضاء، نظرا لكون مسألة التكاليف المرتفعة التي تفرضها الشركة النائلة لصفقة التدبير المفوض أضحت تثير سخط ساكنة إقليم وزان.