وجهة نظر

سلاح الأمن الوظيفي بين إنفاذ القانون وقيود الاستخدام

هل خرجت المقاربة الأمنية عن وازع الحقوق المكفولة دستوريا للمواطنين مهما اختلفت درجات انضباطهم للقانون واحترامهم له وللقائمين عليه؟

كيف يمكن تحديد المسؤوليات الأمنية وصيانتها من الهدر وهامش التأويل ولي عنق النوازل في ظل التداخل الحاصل بين بنى الأجهزة الوظيفية وتحويلات السلطة والضمير المهني؟ وكذا تداعيات كل ذلك على المجتمع، بما فيه القراءات المتعددة للإعلام وتكريس اختلالاته (في معظمها) على منظومة العدالة الاجتماعية والحقوقية؟

هذه الأسئلة وغيرها أضحت قيدا من قيود استحضارنا للبدهية الأمنية، التي هي جزء لا يتجزأ من السلوكيات المعيشة للمواطنين وبالموازاة للمؤسسات الدستورية الساهرة على حماية الحقوق المدنية وحقوق الانسان واحترام القانون.

الذي حدث في الدار البيضاء الاسبوع الماضي، بخصوص أحداث شريط الفيديو الذي تناقلته العديد من الوسائط الاجتماعية، والذي يوثق عملية استعمال رجل أمن لسلاحه الوظيفي في مواجهة مواطنين أعزلين، يثير أكثر من سؤال حول فعالية المناهج البيداغوجية الأمنية التي تدرس في المدراس المعدة لذلك.

ليس تشكيكا في نزاهة جهاز تدبير التكوين وإعداد خريجي الأسلاك الأمنية. قطعا لا!

لكن حدثا كهذا يثير خوفا كبيرا من احتمالية وجود ارتدادات سيكولوجية وثقافية في قابلية المكونين وتجهيزهم وتأطيرهم لمسؤوليات جسام، لها أبعاد استراتيجية وأمنية وطنية خطيرة.

فالآليات الإدارية الدقيقة التي تضطلع بها الإدارة العامة للأمن الوطني قديرة لا محالة في تشخيص كل الانتظارات والمعالم الدافعة إلى تحميس الأجهزة الأمنية لتكون في مستوى حضورها واستعدادها وتأهيلها ضمن سياقات التحديث والإبداع ومعرفة الجديد.

لكن الحقيقة التي تلتبس أحيانا في خضم تراكم العديد من الوقائع والاشكاليات المعزولة، تدفعنا إلى إعادة صياغة سؤال التدبير اليومي واليقظة الاستثنائية، بعد أن تجددت الاعتبارات الاجتماعية والنفسية في مظاهر تحديد فلتات غير مبررة ضمن حوادث متفرقة، كان أبطالها رجال أمن بمختلف الرتب والمواقع. نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر،

* إصابة شرطي بطلق ناري من طرف زميل عن طريق الخطأ وهو يحاول التدخل لتوقيف ثلاثة أشخاص، خلال تدخل أمنى بأحد أحياء مدينة المحمدية.

* وفاة شخص بمستشفى محمد الخامس بطنجة، مشتبه به كان قد أصيب برصاصة رجل أمنٍ بحي “المرس أشناد”، بمنطقة سيدي ادريس، متأثرا بمضاعفات الرصاصة التي اخترقت جسده.

* تعرض شرطي بمدينة طنجة بحي “موح باكو” في منطقة “بني مكادة”لإصابة بطلق ناري عن طريق الخطأ، أثناء قيامه بتدخل أمني لاعتقال أحد المبحوث عنهم.

* إقدام موظف شرطة برتبة حارس أمن، يعمل في مفوضية الشرطة الخاصة بمطار الرباط سلا، على وضع حد لحياته باستعمال سلاحه الوظيفي، بمنزله الكائن في حي المنزه بالعاصمة.

* إقدام مقدم شرطة تابع للهيئة الحضرية بمراكشعلى إطلاق رصاصتين من مسدسه الوظيفي داخل نقطة الحراسة الثابتة التي كان يعمل بها، لأسباب مجهولة دون أن يعرض نفسه أو غيره لأية إصابة أو تهديد.

* محاولة انتحار رجل امن من سطح مقر ولاية امن مراكش…إلخ.

إن الظروف الأمنية المختلفة المحيطة بأعمال ووظائف رجال الأمن قد تستدعى استخدام أسلحتهم، وقواتهم من أجل المحافظة على الأمن والنظام العام، والتعامل مع الخارجين عن القانون بهدف القبض عليهم أو لرد اعتداء واقع عليهم أو على نفس ومال، وعرض المواطنين.

لذلك فقد منح القانون لرجال الحموشي رخصة استخدام القوة واستخدام السلاح لمواجهة أي نشاط إرهابيأو إجرامي،وقد حدد القانون حالات وضوابط استخدام السلاح، وضمنها يمكن التذكير بالمبادئ الأساسية التي تحكم استعمال السلاح الوظيفي، وحالات الاستخدام المعروفة.

إنما التجاوز، وهو ما يقع أحيانا تحت الضغط النفسي أو الحالات الشخصية غير المفهومة، أو حتى خرق القانون، يكون اللجوء السريع للتحقيق وفتح البحث عن الأسباب والدوافع، ملجأ احتوائيا وتصحيحيا ودرءا للمفاسد التي يمكن أن تنتج عن الإغضاء وعدم الإسراع في اتخاذ القرار الملائم في الوقت الملائم.

لقد سال مداد كثير عن ضوابط استعمال السلاح الوظيفي، ونظام تحقيق القواعد السائرة في مبدئية خدمة المواطنين وضمان أمنهم وسلامة ممتلكاتهم.

وهو ما تعمل فعلا المديرية العامة للأمن الوطني على تأكيده في كل المناسبات، حرصا منها على الرفع من كفاءات عناصر الشرطة في مجال الرماية، وإخضاعهم لتداريب أساسية وتخصصية مكثفة، لضمان الاستخدام السليم لهذه اللوازم الوظيفية كلما توفرت ضرورات الاستعمال، فضلا عن صون أمن وسلامة المواطنين، وذلك بمنأى عن أي تجاوز أو شطط سيرتب المسؤولية التأديبية والجنائية لمرتكبه، حسب منطوق أحد البلاغات التي أصدرتها المديرية المهنية.

لكن البدائل الإضافية المقترحة في ذات الموضوع، لا بد وأن تتماشى وقرينة البراءة في جميع الأعمال والتصرفات التي يقومون بها، لحماية الأمن والنظام، وهو حق أصيل في عمل الشرطة ما دام مرتكزا على القانون والمشروعية.

قد يتحقق التزام هذا الهامش الكبير في العديد من جبهات الصمود والتحدي التي تطوق العمل الأمني الوطني دونما تنبيه إلى مجسدات هذه الرسالة وأهدافها النبيلة، لأنها تعبر عن نفسها ولا تحتاج منا إلى قراءة تأويلية أخرى.

لكن الذي يقع في حالات مثل واقعة قتل شرطي لمواطنين اثنين بالدار البيضاء يسائلنا عن مدى محدودية القطائع التي توجه أحيانا التمثل الأمني للسلطة وحدود تقييم ذلك على واجهة الفعل الممارس، مهما كانت دوافعه ودواعيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *