أخبار الساعة، سياسة

الطغرائي تكشف موقفها من المشهد السياسي المغربي

حاورها: عبد الله مشنون

حوار خاص مع الفاعلة الحقوقية والسياسية وفاء الطغرائي، عضوة اللجنة المركزية سابقا لحزب التقدم والإشتراكية، والتي تشغل حاليا عضوة في المكتب الوطني لتيار “قادمون”، وهذا نص الحوار :

من هي وفاء الطغرائي؟

بتواضع المناضل الواجب صفة و قناعة أنا فقط خريجة بيت عريق في الكفاح و المقاومة ضد المستعمر. بيت كان يعتبر أحد معاقل النضال السياسي في بعده الوطني، حيث كانت النشأة و العقيدة في ركنها الأساسي تعني أن الوطن حقيقة مجردة لا تقبل النقض أو الإبرام و بأن الوطنية هي إنتماء و انخراط تام غير مجزئ من أجل مصالح الوطن العليا. لقد تربيت في مدرسة سياسية تلقن درسا و يقينا بأن السعي دون مواربة أو مساومة إلى تحصين الوطن و تمنيعه ضد كل آثم أو ناقم هو جهاد أكبر و نضال وجودي تتوارثه الأجيال بقدر ما تتوارث عزتها و كرامتها و بقدر ما تسعى إلى ضمان كينونتها و استمراريتها.

ما الذي طبع على الخصوص مسارك النضالي إلى الآن؟

هو ببساطة كل ماسبق ذكره و هو أيضا مفهومي الخاص لمشروع المناضل مبدأ و فكرا ثم ممارسة و التزاما حرا غير قابل للتسويق أو التأويل. كما أن صفة المناضل لا يمكن أن تمنح فقط للتزكية أو عبثا لكل من ليست له القناعة الصادقة بأن النضال في العمق هو واجب و مسؤولية و ثبات على المواقف و ليس انحرافا أو إنجرافا نحو المصالح الذاتية، و هذا ما أصبح عليه واقع الحال في يومنا. أما في ما يهم سيرتي الذاتية على مستوى العمل التطوعي المباشر منذ أزيد من عشرين سنة ، إنطلاقا من التزاماتي المدنية و الحقوقية أو حتى إرتباطا بالمجال السياسي ، فلا أنكر بأنني إستطعت تحقيق تراكم مهم و هو ما مكنني من تحقيق ذاتي و تعميق تجربتي الشخصية أولا ثم الانخراط الفعلي في تجارب إنسانية و إجتماعية كان لها حسن الأثر في شخصيتي و في حياة من تعاملت معهم إلى اليوم. علي الإعتراف أيضا بأنني و من خلال مساري النضالي المتواضع لم أكن في البداية أسعى إلى الوصول لأهداف معينة بقدر ما كنت أبحث عما يمكنني من إغناء تجربتي المهنية كمدرسة همها الأساسي هو حمل رسالة تربوية، فكرية و تأطيرية، ثم البحث عن توازن منطقي و أخلاقي بين الممارسة و السعي إلى خدمة الصالح العام من خلال المواطن بصفة عامة أو الشباب و الطفولة بصفة خاصة . و بخصوص هذه الفئة تحديدا أؤكد لكم بأنني كنت دائما و ما زلت قريبة منها ليس فقط بحكم واجبي المهني بل بعلاقة مع قناعاتي الشخصية . إذ لا يمكن بنظري الحصول على تذكرة الولوج الآمن إلى مستقبل وطن حر و قوي دون تثمين تاريخه و حاضره و دون الإهتمام و الإعتناء بأجياله الناشئة و بشبابه . فالأمر في الأول و في الأخير مرتبط بمنطق كوني و ليس باعتبارات جزافية غير مدروسة.

كيف تقرأين السياق الحالي بالنسبة للوضع الداخلي؟

بالنسبة للوضع الداخلي علينا الإعتراف أولا بأن مجمل القرارات التي إتخدت على مدى العشرين سنة الماضية بخصوص توجهات المغرب الكبرى إجتماعيا و إقتصاديا و حتى على مستوى أدوار بعض المؤسسات التدبيرية، بالإضافة إلى القرارات التي همت دور المغرب إقليميا أو دوليا و قاريا، قلت علينا الإعتراف بأن هذه القرارات و حتى بعض الإجراءات المصاحبة ، مكنت المغرب من خلق مسافة بينه و بين تحدي اللاستقرار السياسي و الأمن الداخلي ، كما مكنته من تقديم نموذج تنموي ذا خصوصية . فلا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال هذا العنصر الذي جعل من المغرب نقطة إستثناء حقيقية في محيطه الإقليمي و الدولي بالرغم من تصاعد وثيرة الحراكات الإجتماعية في العديد من المناطق خلال السنوات الأخيرة بسبب فساد المنظومة الإجتماعية و الإقتصادية و بسبب غياب الحكامة و أيضا سوء التدبير لدى المؤسسات ذات الصلاحية و لدى السلطة التنفيدية ، فبالرغم من هذه المعطيات السلبية مازال المغرب قادرا على إنتاج شروط الإستقرار العام و المؤسساتي من ذاته إذا ما توفرت النية الصادقة و الإرادة السياسية، و إذا ما تظافرت جهوذ الأطراف المعنية. لكن و حتى نكون موضوعيين في تشخيصنا للوضع الراهن و لعوامل الإنتكاسة التي تطبع المرحلة الحالية في بلادنا يجب الإقرار أيضا بأن السياق الداخلي تحكمه من جهة رهانات متعددة و تحديات معقدة و كذا تجاذبات ضرورية لاكتساب مزيد من المناعة . في المقابل هناك تراخي غير محسوب العواقب في المسؤولية من طرف من هم في مهمة التدبير، بل يمكن الحديث اليوم عن تواطؤ شبه جماعي من عدة أطراف من خلال البحث عن المصالح عوض البحث عن البدائل و الحلول ، و من خلال إضعاف المنظومة الأخلاقية مقابل منظومة ريعية متجدرة أصبحت مع الأسف هي السمة الغالبة في كل تدبير عمومي أو شبه عمومي . إن المغرب ليس في منحى عن ما هو خارجي و دولي و لا يعيش في سياق معزول عن محيط عالمي أسس بالسلطة و النفوذ المادي و الإقتصادي ، و في واقع إرادة مسحوبة لدى عدد من البلدان، لعولمة القرار الأحادي المتسلط و لعولمة القرار بناء فقط على منطق المصالح و القوة و ليس بناء على مبدأ التدافع في إتجاه العدالة و التوازن المنطقي. و لربما هذا ما يكرس حتى داخليا لنوع من الأزمة الخانقة إجتماعيا بل واﻷزمة القارة في غياب الحلول الواقعية ، و هي في نفس الوقت أزمة لا يمكن تجاوزها بمؤسسات معطوبة و منغلقة و تعيش عطب إعادة إنتاج شروط الفشل. كما لا يمكن تحقيق المصالحة المؤسساتية و المصالحة مع المواطن على أساس و منطق المفاوضة بشرط الإبتزاز و ضمان مزيد من الإمتيازات الغير المستحقة من أي طرف كان .

إلى ماذا تعوزين فشل الأحزاب في ترجمة مضامين الدستور وفي بناء جسر الثقة مع المواطن بعد 2011 ؟

علينا الإعتراف أولا بأن الأحزاب الحالية لم تعد قادرة على إقناع المواطن أو تقديم حلول سياسية صريحة لتحديات المرحلة و هنا مكمن الخطر . فإذا كنا نعيش في مشهد و واقع حزبي متردي بل و موبوء و تحكمه النعرات المصلحية و الثغرات القانونية ، فكيف يمكن الحديث عن ” الأحزاب المؤسسات ” التي من المفروض أن تبني أدوارها و شرعيتها على خدمة الوطن و الصالح العام . ثم كيف يمكن الحديث اليوم عن مشروعية هذه الأحزاب أكانت في حكومة ملغومة أو في معارضة صورية ، إذا كانت هي نفسها العامل المباشر الذي يدفع المواطن اليوم إلى النفور من الإنخراط المنتج في المشروع المجتمعي و في المؤسسات بما فيها التنظيمات الحزبية . فهذه الأخيرة و من خلال ممارساتها هي من تزكي عند المواطن منطق الإتكالية و المطالبة و ليس التدافع الإيجابي و المشاركة الفعلية . لقد أصبح المواطن اليوم في ظل هذه التجمعات الشبه الهجينة أو في غيرها مجرد عابر سبيل تقتصر آماله على المطالبة بضمانات فقط لحقوقه في معادلات صعبة إجتماعيا و إقتصاديا . بصراحة كنا نأمل كمواطنين في أن نحقق خطوة نوعية نحو تكريس دور المؤسسات التي من شأنها تقوية النسيج المجتمعي و كذا البناء الديمقراطي و هي مؤسسات متعددة أفرز لها دستور 2011 مجالا مهما و خاصا في الهندسة المؤسساتية تحقيقا لمبدأ التشاركية و أيضا لمعادلة التنمية والعدالة الإجتماعية، لكن ما حدث و ما أفرز ته هذه الأحزاب في وضعنا السياسي و الإجتماعي و غيرهما على الأقل منذ 2011 هو فقط مزيد من التطاحن الحزبي الفارغ . بالإضافة إلى مسلسل من المحاولات اليائسة و البئيسة لضمان المصالح و التوازنات الريعية داخلها . من جهة أخرى أصبح الجميع في هذه المنظومة الحزبية العقيمة ينادي بالعدالة الإجتماعية و بالكرامة و الديمقراطية كما لو كانت هذه الأهذاف الاستراتيجية تأتي من ذاتها و ليس بالفعل السياسي الناضج الذي من المفروض أن تكون الأحزاب مصدره و ليس من يطالب به عبثا أو من باب تمويه المواطن . إنها الأحزاب نفسها التي أضحت تختزل مطالب المواطن في أحسن الحالات فقط في مستويات دنيا لا تتعدى التدبير الأدنى و الترقيعي . الغريب في الأمر أن الأحزاب الحالية أصبحت أيضا صورة طبق الأصل عن بعضها البعض بل و تنهج جميعها منطقا مزدوجا بين المعارضة و اللامعارضة سواء من داخل النسق الحكومي أو من خارجه ، حتى وصل بها الأمر إلى التلويح بين الحين و الآخر بضرورة اللجوء إلى تعديل بعض فصول الدستور ضمانا لمزيد من الإمتيازات ، كما لو كان العيب في الوثيقة و ليس في هذه التنظيمات العاجزة . إذا يمكن الجزم بأنه و منذ 2011 بقي الدستور في حالة العذرية و لم يلق كما كان متوقعا التجسيد الحقيقي في أرض الواقع. لكل ما سبق أرجع فشل الأحزاب كنتيجة حتمية لمنطق الإنتهازية الذي أصبح يحكمها و يؤطر مشاريعها الإنتخابوية .

إذن في رأيك فالأحزاب الحالية لم تعد قادرة أيضا على بناء آليات الوساطة التي يحتاج إليها المواطن للتعبير عن حقوقه المشروعة ؟

في سؤالكم المشروع يكمن الجواب المنطقي . فإذا كنا ومن خلال التشخيص الذي خلصت إليه سابقا نتحدث عن أحزاب فقدت جاذبيتها و مشروعيتها و أدوارها و أصبحت تنتج من رحمها عوامل فشلها ، و إذا أضحت و لكل الأسباب التي ذكرت هي القاطرة المعطلة للمسيرة التنموية و للديمقراطية ، و هي نفسها التي قوضت كل الجهوذ التي بذلت على الأقل منذ 2011 و هي جهوذ كان مصدرها الأساسي هو المؤسسة الملكية و توجهاتها الإستراتيجية داخليا و خارجيا و ديبلوماسيا ، إذا كان الحال هو ماسلفنا ذكره فكيف يمكن إذن الحديث عن مؤسسات للوساطة الفعلية و الفاعلة ؟ أليس ما وقع في الحسيمة و في جرادة و مناطق أخرى خير دليل على ما نقول ؟ كما أضيف إذا سمحتم بأن الخلاف الحاصل بين الأحزاب، حيث لا يمكن الحديث عن إختلاف في المرجعية السياسية أو في الرؤيا الإستراتيجية ، قلت ولهزالة الموقف إذا كان الخلاف اليوم بين هذه التنظيمات لا يعدو أن يكون صراعا مجانيا حول التموقعات و حول القيادة الشكلية ليس إلا من خلال هذا الإئتلاف أو ذاك ، فكيف يمكن الإقرار بأن هذه الأحزاب قادرة على إعادة بناء الذات في مستوى اللحظة السياسية و في مستوى تطلعات الشعب المغربي.

ماهو في تصورك دور المؤسسات اليوم في بناء منظومة الإصلاح و التنمية و في تكريس أسس حقيقية للديمقراطية في بلادنا؟

المؤسسات هي الضمانة الجوهرية و الوحيدة لتكريس مبدأ دولة الحق والقانون والعدالة. و هي من عليها الإنكباب على مشروع الإصلاح و التنمية و بإرادة سياسية و شعبية. فالمؤسسات هي القادرة على تحقيق المقاربات المندمجة و تحقيق معادلة الإستقرار و التقدم و تطوير الموارد في ظل سيادة القانون و تكافؤ الفرص و في ظل الإستقلالية و السيادة الوطنية . السؤال الواجب طرحه الآن في سياقنا و واقعنا الحالي هو إلى أي مدى إستطعنا فعلا إنجاح مبدأ التوازن بين دور المؤسسات كعماد للدولة الحديثة و القوية من جهة و دور الأحزاب السياسية و المواطن من جهة ثانية ? إن دولة الأجهزة بمفهوم إيجابي ، الدولة بمقوماتها الأساسية و بصلاحياتها الدستورية في المسائلة و المحاسبة، و بمفهوم المؤسسات المواطنة التي تصنع المواطن القادر على الإستثمار في إمكانياته الذاتية، هذا المعيار للمؤسسات هو ما نحتاجه فعلا اليوم . فالمثلث الحتمي في بناء أسس دولة المؤسسات يبقى رهينا اليوم بالعلاقة المنطقية و التشاركية بين ثلاث مكونات قارة ألا و هي المؤسسات بما فيها التنظيمات الحزبية و المجتمع المدني كقوة اقتراحية و بصلاحيات موسعة ثم المواطن بأدوار واضحة لتقوية هذا الهرم.

فيما يكمن بنظرك دور الجالية و مغاربة العالم لتعزيز ثقافة المواطنة و تحصين الوطن؟

أظن أن مسؤولية المهاجر لا تكمن فقط في ضرورة إبراز تاريخ و حضارة و ثقافة بلده الأم بل أيضا في العمل على تحصينها و تقديمها للعالم كنقطة ضوء مشرقة و مشرفة . لأن دور المهاجر لا يكمن فقط في البحث عن تحسين وضعيته و ظروف حياته. فهو بمثابة السفير المعتمد لمهمة خاصة و دقيقة و هي رفع راية الوطن في كل المحافل الدولية و القارية و تقديم بلده على أنه وطن منتج للخبرات و ليس فقط مصدر لها. كما يجب أن يكون دوره دورا متجددا لأن العالم يتحرك بصورة غير مسبوقة و القرار العالمي أصبح محكوما بالعولمة الجارفة لثوابت و هويات المجتمعات الأصلية. و أصبح محكوما أيضا بمنطق المصالح واللوبيات النافذة و بمعادلة رابح رابح في أحسن الحالات ، ماليا و إقتصاديا و سياسيا . إضافة إلى ماسبق ذكره فإن عنصر الموروث الثقافي و الحضاري للشعوب أضحى محوريا في بناء العلاقة الكونية بين المهاجر و البلد المضيف . نحن اليوم نتكلم عن دور المهاجر الحامل لحقيبة ديبلوماسية موازية تجمع بين ماهو سياسي و علمي و أكاديمي و إبداعي. ديبلوماسية قوية و طلائعية و حاسمة في كل المجالات إلى جانب الديبلوماسية الرسمية و ليس مناقضة لها. كما أن تحقيق هذف و معادلة الإندماج في ديار المهجر مع تنويع و تمنيع الشراكات الحيوية يشكل أحد أدوار المهاجر المغربي . إلى جانب ذلك يكمن دوره أيضا في ضرورة البحث المستدام عن مكامن الخلل في أدوار المؤسسات الرسمية و المختصة ، و في التسويق ، عن دراية و عن دراسة و ليس بشعبوية ، للقضية الوطنية كقاسم مشترك لمغاربة العالم أين ما حلوا و ارتحلوا. إن دور المهاجر بارتباطه مع القضية الوطنية يجب أن يؤسس على تقديم الحجج الثابتة تاريخيا و سياسيا و على التسويق لها بشكل علمي و احترافي يتجاوز شعبوية المواقف و ردود الفعل و الجدل العقيم الغير المفلح بخصوص مغربية الصحراء ، كحقيقة مطلقة بالنسبة للمغاربة قاطبة . و هذا ما أصبح يشكل اليوم زوايا الفشل و ضعف الأداء في المرافعة بالنسبة للأحزاب السياسية نفسها و عند المؤسسات المهتمة و المختصة في شؤون الجالية و مغاربة العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *