سياسة

منيب تشارك مقالا ينعت الجماعة بـ”التخلف” و عدم الإيمان بالديمقراطية

شاركت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، مقالا على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ينعت فيه صاحبه جماعة العدل والإحسان بـ”التيار الأصولي والصوفي المتخلف، ولا يعترف بالشرعية الدينية للنظام لكونه يتوفر على سند شعبي”.

وفي مايلي نص المقال:

في سياق التوضيح الذي تفضل به الرفيق كمال السعيدي لماجاء في تصريح لعمر بلافريج حول مستقبل العلاقة مع النهج الديمقراطي، أود أن أساهم بهذه التوضيحات:(إبراهيم ياسين)

كانت بداية العمل المشترك مع النهج الديمقراطي يوم 6 يونيو 2004، بإعلان تأسيس تجمع يساري تحت اسم “تجمع اليسار الديمقراطي”، كإحدى النتائج غير المباشرة للدينامية التوحيدية التي عرفتها صفوف اليسار الجذري عقب تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد. وقد جاء ذلك بعد سلسلة من المشاورات واللقاءات بين خمسة أطراف هي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي واليسار الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي والوفاء للديمقراطية والنهج الديمقراطي. وقام هذا التجمع على قاعدة واقعية تقر العمل المشترك في كل ما هو متفق عليه خصوصا في ميادين العمل النضالي الاجتماعي والحقوقي والقطاعي، مع ترك الحرية لكل طرف في تدبير القضايا الأربع المختلف حولها وهي: الانتخابات، والصحراء، والملكية، والعلاقة مع الأحزاب الوطنية. على أن تكون هذه القضايا الأربع مواضيع للحوار المنظم والهادئ لتقريب وجهات النظر قدر الإمكان دون تقيد بآجال محددة، ودون أن تشكل تلك الخلافات عرقلة للعمل المشترك في القضايا المتفق حولها. وقد سًطر كل ذلك في الوثائق التأسيسية وبرامج العمل. والحقيقة أن هذه المعادلة المعقدة اقتضتها أساسا الرغبة في إيجاد أرضية مشتركة للعمل مع النهج الديمقراطي على وجه الخصوص، مع أن حزب الطليعة كان ما يزال في ذلك الوقت متحفظا من المشاركة في الانتخابات.

ولدى مباشرة عمل هيئات “التجمع” الجديد وفق هذا النظام، ظهر أن قيادة النهج لم يكن بين أعضائها إجماع على القواعد والخطة التي قام عليها هذا التحالف اليساري؛ فمنذ بداية اجتماعات الهيأة التنفيذية المشكلة بالتساوي، كان ممثلو النهج فيها يصرون ـ خلافا للقواعد المقررة ـ على إقحام مناقشات حادة حول القضايا الخلافية، الأمر الذي كان يبدد أغلب الجهد والوقت على حساب تفعيل القضايا المتفق حولها. وقد تسلح الأعضاء الأربعة الآخرون بكثير من الصبر في التعامل مع هذا السلوك المستغرب الذي استمر بعناد حتى صارت اجتماعات الهيأة التنفيذية للتجمع تتحول في أعين شركاء النهج في التجمع إلى مضيعة للوقت. ورغم الدعم الكامل من قبل “تجمع اليسار الديمقراطي” لحزب النهج حتى حصل على الاعتراف القانوني به خلال السنة الثانية بعد تأسيس “التجمع”، فإنه لم يغير خطته التي جعلت اجتماعات التجمع تمر في أجواء متوترة.

والحقيقة أن الخلاف مع النهج لم يكن شكليا ولا عابرا، بل كان يتعلق بخلاف عميق ـ وقع استصغاره ـ في التقدير السياسي للوضع العام في المغرب وأولويات العمل النضالي الممكنة. فقد كان تنظيم النهج الديمقراطي ينطلق في تحليله للوضع العام في المغرب من أطروحة مفادها أن ميزان القوى غير ملائم للتغيير، ولذلك كان يرى أن من غير المجدي العمل من أجل تحقيق أهداف سياسة مرحلية لأن ذلك سيؤدي فقط إلى الاحتواء من قبل النظام والتخلي عن الأهداف. وكان يرى أن الممكن من الناحية العملية هو الاكتفاء بالتعريف بالأفكار والتوجهات العامة والأهداف الكبرى ونقد الأوضاع القائمة لكسب المزيد من الأنصار وتقوية الذات وبناء أدوات التغيير والحفاظ على وحدة الإطار وانسجامه مع التركيز على العمل النقابي والحقوقي والجمعوي ودعم النضالات الملموسة من أجل الحريات والحقوق الاجتماعية.

أما بقية أطراف التجمع ـ مع بعض التفاوتات التي كانت في طريقها إلى الذوبان ـ فكانت تنطلق من ضرورة العمل لتحقيق أهداف سياسية مرحلية من شأنها تمهيد الطريق لتحقيق الأهداف الكبرى. أما مقاومة خطط المخزن المعروفة للاحتواء فكانت هذه الأطراف ترى أنها لا يمكن أن تتم إلا في ميدان الصراع السياسي وليس بالانغلاق على الذات. واعتبرت كذلك أن تجاهل الحلقة الوسطى وهي البرنامج النضالي المرحلي تجعل العمل النقابي والجمعوي والتنظيمي دون مردود سياسي.
لقد ورث النهج الديمقراطي تشدده عن منظمة إلى الأمام في السبعينات، هذا التشدد خاصة في موضوع الموقف من شكل النظام السياسي، أي الملكية، هو الذي دفع بتنظيم إلى الأمام سابقا إلى التقرب من جبهة البوليساريو بعد منتصف السبعينات لمعاكسة استغلال النظام المغربي بطريقة انتهازية لقضية الصحراء في حساباته السياسية الداخلية، دون التفات ذلك التنظيم للبعد الوطني للقضية. ونفس العقيدة هي التي تدفع اليوم بالنهج الديمقراطي إلى التحالف مع تيار أصولي صوفي متخلف، لمجرد أنه لا يعترف بالشرعية الدينية للنظام ولأنه يتوفر على سند شعبي. هذا هو القاسم المشترك الأساسي مع هذا التيار، وسبب إعجاب النهج به وتطوعه اليوم كوكيل له لتسويق فكرة التحالف مع العدل والإحسان في سوق اليسار. لقد كان موقف إلى الأمام من قضية الصحراء المغربية يُنعت بالعدمية الوطنية، فماذا يمكن أن نسمي تحالفه اليوم مع الأصولية التي لا تؤمن بفلسفة الديمقراطية كحد أدني؟ هل هي العدمية الديمقراطية أو العدمية الحداثية؟.
ومع ذلك كان المأمول أن يستمر الحوار بشكل هادئ ومنظم حول القضايا المختلف حولها بموازاة مع استمرار تفعيل العمل المشترك للقضايا المتفق حولها. لكن هذا الأمل لم يتحقق للأسف؛ بل زاد تشدد النهج في طرح القضايا الخلافية خاصة بعد أن تحقق الاندماج بين اليسار الموحد والوفاء للديمقراطية. واستمر على هذا النهج حتى توقفت اجتماعات “التجمع” من تلقاء ذاتها بالتدريج، خاصة مع اقتراب انتخابات 2007.
ولما حان موعد انتخابات 2007، قرر حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي دخولها لأول مرة، وكان ذلك بصورة مشتركة مع المؤتمر الوطني الاتحادي والاشتراكي الموحد، فبدأت هذه التنظيمات الثلاثة تعقد اجتماعات لتنسيق مواقفها في هذا الموضوع وغيره. ومن أجل ذلك شكلت ما عرف “بتحالف اليسار الديمقراطي” تمييزا له عن “تجمع اليسار الديمقراطي”. ولم يكن في ذلك أي خرق من جهتها لميثاق “التجمع” الذي يعطي الحرية لمكوناته للتصرف بحرية في قضية الانتخابات وباقي القضايا المختلف حولها مع تنظيم النهج. غير أنه من الناحية الواقعية أدى سلوك النهج المذكور داخل “التجمع”، والتنسيق الانتخابي بين باقي الأعضاء إلى تجميد واقعي لتجمع اليسار بعد ما يقرب من سنتين من إعلانه. وقد شارك التحالف الجديد في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 بلوائح مشتركة كذلك، ولوحظ أن حملات مقاطعة الانتخابات التي كان يقودها تنظيم النهج كانت موجهة أساسا إلى الجمهور المتعاطف مع تحالف اليسار الديمقراطي، مما زاد من التباعد مع هذا التنظيم.
وفي سياق المناخ الذي خلقته حركة 20 فبراير والثورات التونسية والمصرية ضد الاستبداد والفساد ترسخ العمل المشترك بين مكونات تحالف اليسار الديمقراطي خاصة في موضوع الدستور، رغم عدم الاتفاق مع حزب المؤتمر حول الموقف من انتخابات 2011 التي قاطعها كل من الاشتراكي الموحد والطليعة. وفي مارس 2014 تم الاتفاق على ترقية هذا التحالف إلى مستوى فيدرالية اليسار الديمقراطي كخطوة على طريق الاندماج مستقبلا. وشكلت هيأة تقريرية وهيأة تنفيذية بنسب متساوية بين أحزاب الطليعة والمؤتمر الاتحادي والاشتراكي الموحد، فزادت المسافة بين هذه الأحزاب وحزب النهج الديمقراطي الذي وجد في العدل والإحسان بديلا “مباركا”.