ملف

20 عاما من حكم الملك.. علاقة المغرب والخليج “مراجعات بعد تراجعات”

عرفت العلاقات بين المغرب ودول الخليج، خلال عشرين عاما من حكم الملك محمد السادس مدا وجزرا كبيرين، خصوصا مع السعودية والإمارات، بسبب ضعف التنسيق أو تطابق وجهات النظر في كثير من القضايا، الأمر الذي أدى في كثير من المناسبات إلى توتر العلاقات بينهما، أضف إلى ذلك تراجع دول الخليج عن تمويلها للمغرب لتقوية تواجده بإفريقيا، وهو تراجع له ارتباط بموقف المغرب من حصار قطر وكذا الموقف من صراع الفُرقاء الليبيين.

رهان أساسي
وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية، خالد يايموت، إن الملك محمد السادس كان لديه رهان أساسي في أولى سنوات حكمه، وهو تنويع الشركاء الدوليين، والذي يهدف إلى إخراج المغرب من الصراعات التقليدية الدولية بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي يجد المغرب نفسه فيها دائما إما مع هدا الطرف أو ذاك، أو يوازن بين هذه الأطراف على حساب مصالحه.

وأشار يايموت في حديث مع جريدة “العمق”، إلى خطاب الملك محمد السادس في القمة العربية بالكويت سنة 2003، والذي اعتبره مؤطرا لرؤية الملك للعلاقة مع الخليج، وسماه بـ”الشراكة الإستراتيجية البعيدة المدى”، وطرح فيها أمورا أساسية، منها أن يكون هناك حد أدنى من التنسيق العربي يراعي المصالح الإستراتيجية للدول العربية بشكل معقلن، وشراكة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي.

تطور في العلاقات
وأضاف المتحدث، أن هناك تطورا في العلاقات بين المغرب والسعودية بشكل كبير جدا على ما كانت عليه من قبل، سواء على مستوى التبادل الاقتصادي أو تنسيق مجالس التعاون أو على المستوى الأمني والعسكري، وأيضا في المجال التجاري وبعض الجوانب الاقتصادية.

وتحدث يايموت عن تطوير للعلاقات إلى حد ما مع البحرين، في حين بقي نوع من الجمود في العلاقات وتطور طفيف جدا مع الكويت وظلت العلاقة من 2003، منذ طرح الملك لرؤيته في مؤتمر الكويت تقريبا إلى 2012 مع قطر جد متذبذبة وكانت تعتريها كثير من فترات التوتر ولكن في 2012 تغيرت بشكل كبير.

“الانقلاب”
وأردف، أن العلاقات الإستراتيجية مع الخليج شهدت نوعا من “الانقلاب” بحيث أن الدولة التي عرفت فترة طويلة من الجمود والتوتر في عهد الملك محمد السادس هي قطر، غير أنه في سنة 2014 إلى 2019، شهدت نوعا من الاستقرار وتطورا سريعا ناتج عن رؤية إستراتيجية في الواقع الدولي الذي انخرط فيه المغرب.

وفي هذا السياق، أشار المتحدث، إلى أن الجمود والتوتر إلى حد ما تحول إلى العلاقات مع السعودية، منذ شهرين، ومازال التوتر قائما بشكل كبير مع الإمارات، بسبب تناقض المصالح الإستراتيجية سواء في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وأيضا عودة المغرب إلى التحالف الذي هو ذو بعد استراتيجي مع قطر وهذا التحالف دفع المغرب لإعادة النظر في المنطلقات التي انطلق منها الملك في 2003 و2004.

فشل الرهان
رهانات المغرب على الخليج، بحسب يايموت، فشلت، حيث كان الرهان والاتفاق مع دول الخليج خصوصا الإمارات والبحرين والسعودية على أن يكون هناك تحالف طويل على مستوى إفريقيا وأن يكون هذا التحالف مبني على الأسس التي كانت مطروحة في الرؤية المغربية.

وأبرز أن الذي وقع للمغرب أنه في 2015 هذه الدول الرئيسية، وهي السعودية والبحرين والإمارات تراجعت عن الجانب التمويلي الذي كان المغرب يطمح له، والمشكل بالنسبة المغرب أن علاقته بالخليج لا يمكن أن تنفك عن علاقته بالاتحاد الإفريقي، لأن الملك محمد السادس بنى سياسة العودة وإعادة التموقع وبناء النفوذ في إفريقيا على ما تم الاتفاق عليه مع دول مجلس التعاون الخليجي.

والمغرب، يضيف أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، وجد نفسه في حيرة من أمره لأنه رغم ترسانة من الاتفاقيات الموقعة مع دول الخليج إلا انه وجد نفسه غير قادر على تنزيل عودة حقيقية ونافذة إلى إفريقيا لغياب التمويل، لافتا إلى أن ما تم الاتفاق عليه هو أن يساهم المغرب بخبرته وأطره في إفريقيا وتساهم دول الخليج في تمويل المشاريع.

وزاد، أن عدم التزام الأطراف الخليجية بالاتفاق في إفريقيا أعاق رجوع المملكة القوية إلى إفريقيا، مشيرا إلى أنه رغم عودته إلى إفريقيا إلا أنه لم يعد بالقوة المرغوب فيها، وهو ما شجع المغرب على اتخاذ خطاب جديد مفاده أنه إذا لم تكن الأمور تسري بالشكل التقليدي في العلاقات بين الإمارات والسعودية، فإن المغرب كما سبق لوزير الخارجية ناص بوريطة أن قال “سيبحث عن بدائل”.

تاريخ يغطي على الخلافات
وبدوره، أوضح رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمن، عبد الرحيم منار اسليمي، في حديث مع جريدة “العمق” أن المغرب استطاع خلال العشرين سنة الأخيرة أن يدير علاقته مع الخليج بمنهج ينبني على الكثير من الواقعية، مشيرا إل أن العلاقات بين المغرب ودول الخليج قد مرت بمراحل كبرى خلال العشرين سنة الأخيرة.

المرحلة الأولى، بحسب اسليمي، كانت بعد 1999 مباشرة والتي كان فيها حفاظ على نفس توجهات السياسة الخارجية المغربية القديمة المبنية على التاريخ الذي يغطي على الخلافات الإستراتيجية، وفي المرحلة الثانية وقع هناك تقارب كبير جعل دول مجلس التعاون الخليجي تطلب انضمام المغرب إلى تنظيمها الإقليمي.

المغرب ينبه
أما المرحلة الثالث، فمرتبطة بتنبيه المغرب لدول الخليج إلى المخاطر المحيطة بالخليج والدول العربية وكان ذلك في خطاب الرياض خلال سنة 2016، وصولا إلى مرحلة رابعة انطلقت مع الأزمة بين مكونات دول الخليج، يضيف المنار اسليمي.

وفي السياق ذاته، أشار المحلل السياسي، إلىا أن الإمارات والسعودية رفضتا موقف المغرب الحيادي من الأزمة مع قطر، لذلك وصلت العلاقات مع الإمارات والسعودية إلى أخطر مراحل التوتر خلال سنة 2018 منتصف 2019 مقابل تقارب كبير مع قطر.

عودة للعلاقات
وبحسب المنار اسليمي، فقد عادت العلاقات المغربية الإماراتية والسعودية إلى طبيعتها بعد ذلك، ويبدو أن الخليج بدا يستوعب التوجه الجديد للسياسة الخارجية المغربية التي ترفض الاصطفاف أو التنسيق في قضية واحدة دون كل القضايا المشتركة، وأعتقد أن المغرب اليوم يمكنه لعب دور الوساطة في التقريب بين مكونات أطراف الخليج المتصارعة، فالسياق بات مهيأ أكثر من أي وقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *