وجهة نظر

العدالة والتنمية التركي : انشقاق أم تعديل جيني؟

هل كان على المتذمرين والساخطين من إخوان (الخليفة) إردوغان أن يتحينوا كبوة الحزب المدوية بإستنبول وغيرها من المدن التركية الكبيرة ليجهروا علنا بنيتيهم الطلاق البائن مع رئيسهم، ام هي فقط آجال قد بلغت ومقادير قد أزفت فبدأ عهد الأفول والتراجع والانحسار الذي يعقب عادة الحكم الطويل ؟؟

يختلف بالتأكيد تقييم مايقع الآن بتركيا من تململات داخل الحزب الحاكم باختلاف درجة التعاطف أو الحنق الذي يكنه المرء لشخصية إردوغان المأثرة الطاغية على من حولها , وباختلاف حكمنا ايضا على الرجل الذي بقدر ما أنجز طفرة اقتصادية لبلاده لاينكرها أحد ،بقدر مايواجه اليوم نشوب عدة أزمات على واجهات متعددة يراها مؤيدوه في الداخل والخارج ضريبة كان لابد من دفعها بسبب تأييده الواضح لثورات للربيع العربي وللإسلام السياسي من جهة، و سعيه الحثيث من جهة اخرى لإحياء العثمانية التي جرت عليه غضب و توجسات الجيران والحلفاء ، بينما يردها معارضوه الى اندفاعه وخروجه عن روحية الحزب ومنهجه الذي وضعه المؤسسون والذي كان همه في البدايات الانكباب على النفس والنأي عن القلاقل من خلال رفع شعار صفر مشاكل.

يبدو الأمر الآن كما لو أن الأرض بدأت تهتز تحت أقدام الحزب المتماسك الذي أمسك بناصية تركيا منذ 1998 خصوصا مع الخروج الأخير لعلي بابجان المهندس الحقيقي لتلك النهضة الاقتصادية التي صنعت في كل مجد اردوغان السياسي ..بابجان الذي لم يخف رغبته في تأسيس حزب بديل عن العدالة والتنمية من المنتظر أن يشكل حاضنة جديدة إيهاب آخر للتوجه الإسلامي ،وأن يستقطب الى صفوفه عددا من الوجوه التقليدية المعروفة لدى الرأي العام التركي أبرزهم عبد الله غول وداود اوغلو وعددا من النواب مما قد يخلق الظروف حسب مراقبين لانتخابات رئاسية مبكرة قد تعجل برحيل اردوغان.

هذا ما ترشح به بعض التكهنات ، ومايظنه المنفضون عن إردوغان الذي لازال رغم كل هذا جلدا لامباليا محتفظا بثباثه واثقا بقدرة ماكينة الحزب على تجاوز (خيانات) او تخلي رفاق الدرب عنه ، ومع كل هذا الصمود يبدو أن الحزب فعلا مرشح للتطورات ومدعو بالخصوص لاختبار قوة بين جناحين أصبحت لديهما رؤى مختلفة للمستقبل التركي … اختبار قد تكون إحدى نتائجه الانفصال.
هناك عدة أسباب تشرح لماذا وصل الحزب الإسلامي لهذه الشرخ الذي هم الرعيل الأول من المؤسسن ابرزها:

– أن السلطة كما يقول المثل الفرنسي تستهلك واردوغان قد عب من كأسها لحد الثمالة ،والتي ولابد أن تؤدي الى تآكل الشعبية وتراكم الأخطاء وتحالف الحانقين والغاضبين والموتورين .خصوصا وأن تركيا لازالت تعيش تحت وقع آثار الانقلاب وتراجع الليرة والاقتصاد…. آثار يردها بعض أعضاء الحزب لمغامرات إردوغان وجنوحه نحو الانفراد بالرأي في كل التفاصيل التي تهم الحزب والدولة والمجتمع .

– حزب العدالة والتنمية بلغ الطور الثالث من العمر الذي لابد منه .فبعد أوج القوة يأتي الخريف. تلك سنة الله ليس لها تبديلا لابد أن تسري على هذا الحزب ايضا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس خصوصا في البلاد العربية.

– هناك نسبة كبيرة من الناخبين الترك الشباب لم يعرفوا سوى إردوغان حاكما آ مرا ناهيا فيشعرون بالمللل الذي يغريهم بالتغيير ولو لمجرد التغيير.وهي الإشارة التي التقطها الجناح المعارض لاردوغان الذي يريد أن يخلق لهم إطارا سياسيا جديدا في ظاهره وتسميته لكنه في جوهره سيكون استمرارا لنفس التوجه الإسلامي . اي إنهاء عهد إردوغان واستمرار فكرته ومذهبه بمسمى آخر .

– نزوح علي باباجان الى الجهة المناوئة لاردوغان يعني سحب البساط من تحت أقدام الرئيس التركي وتجريده من شرعية المنجز الاقتصادي الذي يظهر الى العلن الان ملاكه وصانعوه الحقيقيون وإظهار مروقه عن الأهداف الأولى التي تبناها الحزب عند التأسيس والتي كانت تتركز على تحقيق الرخاء والتقدم الاقتصادي دون التيه في المشاكل الإقليمية والتجاذبات الدولية.
رغم هذه الأسباب التي تلوح وجيهة الا ان بئر السياسة عميق بتركيا وبراجماتية الحزب الإسلامي لا حدود لها.

فقد يكون كل هذا الحراك مجرد مناورة محبوكة من إردوغان الذي يحل رفاقه من التداعيات الانتخابية لخياراته حتى اذا كان هناك ثمن لها أداه لوحده وصار لوحده قربانا للحزب أو بالأحرى للاتجاه الإسلامي الذي سيخرج سالما.

الايام وحدها ستكشف هل هناك انشقاق حقيقي ام هناك محض توزيع أدوار يتمخض في النهاية عن نسخة معدلة جينيا للعدالة والتنمية لكن بمسمى آخر وبأفق استقطاب جديد.
ان الفيصل في كل هو بغض النظر عن التسمية ان نترقب هل ستركز أولويات الحزب الجنين إن ولد حيا على الرخاء الاقتصادي لتركيا فقط ام ستغوص في معارك الهوية والزعامة الإقليمية كاردوغان؟؟؟ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *