منتدى العمق

“جوق العميين” ونقاش الأسرة المغربية

إن التطور الطبيعي، للأخطبوط العلاقاتي العائلي، لا يمكن أبدا إدراكه من خلال التخيل، بل على المرء أحيانا، أن يعود الى عدد من الوسائل، التي تساهم في تشكيل تصور دقيق عن الحياة داخل الأسرة المغربية في القرن السابق، قد تكون هذه الوسائل إما وثائق تاريخية، أو روايات أدبية، أو حتى مقاطع غنائية من التراث، وبكل هذا يمكن للمرء انتاج فيلم أو مسلسل إما درامي أو وثائقي، يؤرخ لحقيقة العائلة المغربية في ما سبق من الزمن .

مناسبة هذا الحديث أنني شاهدت قبل أيام، عرضا لفيلم تبعه لغط كثير، ربما بسبب بعض اللقطات التي قد يراه المتلقي المحافظ مادة خام ليعلق عليها فشله الاجتماعي والثقافي، وهذا نقاش أخر، المهم أن الصدفة التي جعلتي أمام التلفاز أتابع هذا الفيلم هي نفسها التي جعلتني أكتب عنه حالا، ففي غرفة كئيبة مختنقة يسكنها حارس العمارة التي اقطن بها شاهدت فيلم “جوق العميين” وداخل مقصورة قطار متحه نحو الدارالبيضاء بعد هجرانها لسنوات أكتب عن هذا الفيلم .

نشاهد الفيلم ونحلله، بسطحية تامة، أنا وحارس العمارة، السبعيني الذي أخذ حقه من المعاناة والمآسي، وعاصر كل تلك الحقبة التي يتحدث عنها الفيلم، في عز فترة القبض على الجمر، حين لم يكن أحد يستطيع ان يصدح بموقف غير ذلك الذي سلم به الجميع خوفا، أيام سنوات الرصاص والانقلابات والاضرابات والدماء السائلة في سبيل النزاع حول السلطة واستمرار الدولة، مرَّ كل هذا، وها نحن اليوم نشاهد مخلفاته على الأسرة المغربية حينها، عبر فيلم بسيط شخَّصه نجوم كثر، أشهرهم محمد البسطاوي رحمه الله ويونس ميكري وفهد بنشمسي بالاضافة الى منى فتو وفدوى الطالب .

يقوم الفيلم على بساطته، بمزجك داخل عالم لم نعشه نحن أبناء التسعينات ولا حتى أبناء الثمانينات، وربما قد يكون أبناء السبعينات قد استكشفوا ذاوتهم في عزه لكنهم لم يدركوه احساسا وفهما، وكل هذا عبر قصة طفل في مرحلته الابتدائية، يريده أبوه (يونس ميكري) فرنسيا في الطبيعة والمظهر، ويريده عمه (فهد بنشمسي) يساريا شيوعيا مناهضا للظلم، ويريد هو نفسه في كل هذا وأشياء أخرى، فتارة يعجب بعمه، وأخرى تروقه أفعال والده، وأحيانا يجد نفسه يقلد صديق والده (محمد البسطاوي) ظابط الأمن المحب للحياة والنساء في أسلوب عيشه، وبين هؤلاء الثلاثة كان يشكل شخصيته التي يستعرضها على عشيقته المرجوة التي تشتغل خادمة لدى جارتهم فوق السطوح .

الوالد موسيقي، وهو رأس “جوق العميين”، يعزف بالكمان، متزوج و أب لطفلين، يحب أبناءه، ويعيش من أجلهم، كما أن حلمه كان يتمحور حول أبنائه، ان يصبحوا مثل الفرنسيس، وكان يحب زوجته ويطوعها، لكن حياته على ظهورها مثالية، فإن عالمها المخفي كان يظهر فوق السطوح حيث يختلي ميكري بماجدولين الادريسي (فاطمة) ليراودا بعضهما، رغم أنه كان متزوجا وهي على علاقة مع صديقه الظابط، لكن قانون السطوح لا يعترف إلا بالستر في انتظار الفضيحة .

أما العم، وهو فهد بنشمسي، شاب في العشرينات، يعيش في عالم الممانعة بين كتبه، يريد ” اسقاط النظام” وتنحية الظلم واللامساواة، ويحارب الطبقية، وهو شاب متعلم معجب بماركس و لينين والثورة البلشفية، لكنه في سره، لا زال يعيش على اعانات أخيه وعشيقته، مرة يأخذ مصروفه من اخيه الذي ينهاه عن الاهتمام بالسياسة دائما، وتارة يأخذه من عشيقته التي هي شيخة “جوق العميين”، وسينتهي به المطاف مخطوفا دون ان يجدوا له أثرا في اي دائرة امنية في سياق حملة الاختطافات السياسية .

أما حياة النسوة، فكانت كلها حكايات مرتبط بالخيانة والاعجاب والحب والغدر، وأحاسيس اخرى تنمحي جميعها، اذا ما اجتمعوا امام شاشة التلفاز ليشاهدوا “شارلي شابلن” ويضحكوا سويا .. هكذا اكتشفت فيلم “جوق العميين” وربما لم أستطع الوقوف عند مختلف تفاصيله ،لكنني تطرقت لما اهتممت به في زاوية معالجتي للفيلم، وهي ان للأسرة المغربية خصوصية تكتسبها مما يدور حولها من احداث سياسية واجتماعية وثقافية ..

أما “جوق العميين” فهو المجموعة الموسيقية، التي جمعت كل هؤلاء خلف نظارة الحياة داخل بيت واحد، لتكشف لنا عما كان يدور وسط كل بيت مغربي يجمع أكثر من رأسين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *