مجتمع

هل تضع أزمة الماء استقرار المغرب على كف عفريت؟

إذا كانت أبرز حِكم المقيم العام الفرنسي ليوطي خلال فترة الحماية هي قوله: “في المغرب تدبير الحكم هو أن تمطر – au Maroc gouverner c’est pleuvoir”، فإن الواقع اليوم يكرس هذه المقولة والتي تقصد تأثير المطر على الموسم الفلاحي الذي يوفر الأمن الغذائي للبلاد.

بل إن واقع اليوم يكرس هذه المقولة أكثر حيث يتجاوز الأمر الأمن الغذائي المرتبط بالفلاحة إلى الحق في الحياة الذي يعتبر العطش أكبر مهدد لها، كما يعتبره أيضا مهددا لإحدى أهم عناصر العيش الكريم بمقومات عصرنا اليوم والمتمثلة في التوفر على الماء الصالح للشرب بجودة ومعايير صحية.

وفي هذا السياق، فقد أضحت عدد من المناطق بالمغرب تشهد موجة عطش منذ بداية فصل الصيف، بسبب الانقطاعات المتكررة للماء، برزت بشكل كبير في عيد الأضحى، وهو ما أدى إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات، اعتبرها متتبعون شرارة قد تشعل احتقانا اجتماعيا جديدا يضع استقرار البلاد على كف عفريت.

وقبل سنتين اندلع ما كان يعرف إعلاميا بـ”انتفاضة العطش” بزاكورة، حيث خرج المئات من ساكنة هذا الإقليم “العطشان” إلى الشارع أملا في قطرة ماء تعفيهم عناء التنقل لمسافات طويلة للتزود بالقليل من هذا المادة الحيوية، غير أن مطلبهم البسيط هذا سرعان ما تحول إلى مطالب بإطلاق سراح المعتقلين، بعد أن قاد هذا الحراك بعدد من الشبان إلى السجن.

تقارير تحذر

كشف تقرير صادر عن معهد الموارد العالمية “وورلد ريسورسز”، أن المغرب من ضمن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المهددة بالجفاف بسبب ندرة المياه الشديدة. وصنف التقرير، المغرب ضمن المرتبة 22 من أصل 164 دولة مهددة بالجفاف، مشيرا إلى أن المملكة ضمن الدول التي فيها الطلب على الماء أكبر من الكمية المتوفرة.

وشهر دجنبر 2018، كشف التقرير السنوي الثاني لمنتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية، حول “الاتجار في العطش”، عن اتجاه المغرب نحو أزمة مائية غير مسبوقة في المستقبل، ما لم تتراجع الدولة عن سياستها المائية الحالية التي ترتكز على تشجيع القطاع الخاص.

وأشار التقرير إلى أن الخوصصة والتدبير المفوض لتوزيع المياه يشكلان خطرا على الحق في الماء، ويجعلان المغاربة تحت رحمة الشركات الكبرى، ويتسببان في بروز ظاهرة الاتجار في العطش.

ولاحظ التقرير أن من الحقوق التي تواجه تهديدا متزايدا يوما بعد يوم، حق السكان في الثروة المائية، مشيرا إلى وجود دراسات وتقارير تشير إلى أن متوسط الحصة السنوية للمواطن المغربي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجديد تتجه نحو الانخفاض المستمر.

وأوضح التقرير ذاته أنه بعد أن كانت تفوق ثلاثة آلاف متر مكعب خلال الستينيات من القرن الماضي، تقدر في الوقت الحاضر بـ750 متر مكعب، كما يتوقع انخفاض تلك النسبة إلى 500 متر مكعب في أفق 2020.

وفي العام 2013، أصدرت مندوبية المياه والغابات، تقريرا يبرز أن توزيع حصة المياه بالمغرب ليس متساويا في كافة أنحاء المغرب؛ فحصة الفرد في المناطق الشمالية يمكن أن تتجاوز في السنة 2000 متر مكعب، بينما لا تتجاوز في المناطق الجنوبية، 150 مترا مكعبا للفرد الواحد سنويا.

وأشار التقرير ذاته، إلى أن 70 بالمائة من الموارد المائية الحالية للمغرب تتوزع على 27 بالمائة من مجموع التراب الوطني وحسب، مما يفيد أن ما يربو عن 13 مليون شخص بالمغرب، سيعاني من ندرة المياه مع حلول سنة 2020.

ارتفاع حدة الاحتجاجات

اعتبر المحلل السياسي، حفيظ الزهري، في حديث مع جريدة “العمق”، أن موضوع الماء ونذرته أصبح من أهم المطالب الاجتماعية الملحة التي فرضت نفسها مؤخرا، مشيرا إلى أن ذلك راجع لعدة عوامل منها طبيعية ومناخية ومنها ما هو راجع للعنصر البشري، أو لنوع السياسة المتبعة في هذا المجال.

وشدد الزهري، على أن “أزمة الماء في المغرب تعرف تطورات كبيرة رغم حجم السدود التي تتوفر عليها المملكة حيث يلاحظ ارتفاع حدة الاحتجاجات في العديد من المناطق خاصة خلال العطلة الصيفية وهذا يتطلب إعادة النظر في نوع السياسات العمومية المتبعة في هذا المجال”.

ويرى المتحدث ذاته، أنه “يجب التفكير في إيجاد حلول دائمة عوض الحلول الترقيعية وإلا ستجد الحكومة نفسها أمام احتجاجات قوية قد تؤثر بشكل كبير على السلم الاجتماعي وقد يساهم في توسع المجال الحضري على حساب المجال القروي الذي يعاني من نذرة المياه رغم أن أغلب هذه المناطق تعتبر منبعا لهذه المادة الحيوية خصوصا المناطق الجبلية”.

واستحضر الزهري العديد من التقارير الدولية التي تؤكد على أن الصراعات والحروب القادمة سيكون محورها مادة الماء، مبرزا “أننا أمام جيل جديد من مواضيع الاحتجاج باعتبار أن المياه حق طبيعي وضروري وليس مطلبا تكميليا، وما تعرفه البوادي وهوامش المدن وبعض المدن الصغرى من احتجاجات قد تنتقل إلى المدن الكبرى إن لم تكن هناك ردة فعل حكومية للتخفيف من حدة هذه الأزمة”.

حروب الماء

الناشط الحقوقي بالجنوب الشرقي، إبراهيم رزقو، شدد هو الآخر على ضرورة أن يكون الماء من أولويات الدولة، لأنه شيء مقدس، في ظل معاناة ساكنة عدد من المناطق من نقص كبير في هذه المادة الحيوية، مضيفا أن من حق المواطن المغربي أينما كان أن يتزود بالماء الشروب.

وفي هذا الإطار، طالب رزقو في تصريح لجريدة “العمق”، بوضع مخطط استراتيجي كبير على المستوى الوطني للتضامن بين الجهات فيما يخص الماء، موضحا أن ندرة الماء أدت إلى هجرة الساكنة من مناطق الجنوب الشرقي نحو الشمال بعد أن لم يجدوا قطرة ماء ليروا ظمأهم.

وتحدث رزقو، عن الاحتقان الاجتماعي الذي عرفته زاكورة بسبب أزمة العطش، والتي أدت إلى اعتقال عدد من الشبان ومحاكمتهم، مطالبا بإطلاق سراح كافة معتقلي “انتفاضة العطش” كونهم طالبوا فقط بحقهم في التزود بالماء.

واعتبر العضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان بزاكورة، أن كافة المجهودات التي بدلتها السلطات والمكتب الوطني للماء الشروب، والوزارة الوصية إلا أنها ضعيفة بالمقارنة مع حجم المشكل في الواقع، مبرزا أن هذا المشكل قد ينذر بحروب في المستقبل.

بدوره استغرب الناشط الحقوقي ورئيس مرصد دادس للحكامة، كريم إسكلا، أن تعاني منابع أطول الأنهار وحاضنة مياه ثلوج الأطلس المتوسط من العطش، حسب قوله.

وأضاف أنه في غياب حلول استعجالية مهيكلة بعيدة المدى ستتزايد الحركات الاحتجاجية للسكان الذين لا يجدون أي حلول سوى الاحتجاج في ظل عجز الإجابات الحالية على المتطلبات المتجددة للمواطنين، وأيضا في ظل تراجع أدوار مؤسسات الوساطة الاجتماعية.

تحرك ملكي

دخل الملك محمد السادس على خط أزمة الماء التي عرفتها عدد من المناطق سنة 2017، حيث أعطى أمره لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني من أجل ترؤس لجنة تنكب على دراسة مشكل خصاص الماء الصالح للشرب ولمياه الرعي في المناطق القروية والجبلية قصد إيجاد الحلول الملائمة خلال الأشهر القادمة.

تعليمات الملك، جاءت على هامش المجلس الوزاري الذي انعقد آنذاك بالرباط، والذي أثار فيه الملك محمد السادس الانتباه لمشكل خصاص الماء الصالح للشرب ولمياه الرعي في المناطق القروية والجبلية.

وأعطى الملك تعليماته من أجل تشييد عدة سدود بسعة مختلفة في أقرب الآجال وبمناطق مختلفة من المملكة وسدود مختلفة السعة (كبيرة متوسطة وصغيرة) وكذا سدود تلية، علاوة على احتمال إقامة محطات لتحلية المياه مع السهر على مواصلة برنامج اقتصاد الماء في المجال الفلاحي، بعد أن أخذ علما بالخلاصات الأولية للجنة التي يترأسها رئيس الحكومة.

وشهر أبريل الماضي، ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لإشكالية الماء، بحضور العثماني و4 وزراء، حيث أكد الملك على مسألة التزود بالماء في المناطق التي تغطي شمال وشمال شرق المملكة، والتي تمتد من وجدة إلى طنجة.

وأفاد بلاغ للديوان الملكي، أن حاجيات هذه المناطق من الماء تتزايد خلال فصل الصيف بأكثر من الضعف، وحاليا طوال السنة، “نظرا لتطور السياحة وللدينامية الملحوظة الناجمة عن المشاريع الصناعية المهمة القائمة أو المشاريع ومناصب الشغل التي تم إحداثها من طرف هذه القطاعات”.

مجلس أعلى للماء

وأفرجت الأمانة العامة للحكومة، شهر يوليوز الماضي، عن مرسوم إحداث المجلس الأعلى للماء والمناخ، بهدف الإسراع في إرسال هياكل المجلس وبيان اختصاصاته التفصيلية، في ظل أزمة الماء المتنامية في مناطق عديدة بالمغرب، وكذا مواجهة تهديدات التغييرات المناخية، ونشر الوعي تجاهها.

وحسب المرسوم المنشور بالجريدة الرسمية، يختص المجلس بدراسة القضايا المعروضة والمحالة عليه، والقيام بناء على الدراسة المذكورة بإعداد كل اقتراح يمكن المجلس من إبداء رأيه، وكذا البت في طلبات عرض أو موضوع يتعلق بالماء والمناخ على أنظار المجلس.

ويتكون المجلس من 13 وزيرا، والمندوب السامي للتخطيط، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومديرو وكالات الأحواض المائية، علاوة على 12 رئيسا للجهات، و4 خبراء، و14 ممثلا للجمعيات العاملة في مجال الماء والمناخ، ورؤساء مجالس الأحواض المائية، و12 جامعيا، ورؤساء جمعيات مستعملي المياه، وممثلين قطاعات وزارية.

وينص المرسوم على أنه “يتخذ المجلس آرائه بأغلبية الأعضاء الحاضرين، وفي حالة تساوي الأصوات، يرجح الجانب الذي يصوت لصالحه الرئيس”، مضيفا أن “اللجنة الدائمة تتخذ قرارها بتوافق أعضائها الحاضرين، وفي حالة عدم التوصل إلى توافق يتم اللجوء إلى التصويت وتتخذ اللجنة في هذه الحالة قراراتها بأغلبية أصوات الحاضرين، وفي حالة تساوي الأصوات، يرجح الجانب الذي يصوت لصالحه الرئيس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *