سياسة

ما مدى مشروعية تخلي الزفزافي ورفاقه عن الجنسية المغربية؟

في تطور غير مسبوق بملف معتقلي حراك الريف، أعلن قائد الحراك ناصر الزفزافي و5 من رفاقه المعتقلين بسجن “راس الما” بفاس، تخليهم عن جنسياتهم المغربية وإسقاط “رابط البيعة”، فهل يمكن للدولة أن تستجيب لمطالبهم؟ وهل يتيح قانون الجنسية المغربية لأفراد الشعب المغربي التخلي عن جنسيتهم لسبب من الأسباب؟ أم أن الأمر يتعلق بجانب نضالي تستعمل فيه جميع آليات الضغط؟

إن الحديث عن إقدام القائد الميداني لحراك الريف ورفاقه عن التخلي عن الجنسية يحيل في المقام الأول على سؤال مشروعية الفعل الاحتجاجي من الناحية القانونية، وإلى مدى إمكانية تحققه من الناحية الواقعية، باعتبار أن أية جهة مكفول لها حق التجاوب مع مثل هذه الطلبات لابد أن تسند على أساس قانوني كي لا يكون فعلها تعسفا وشططا.

“حق طبيعي”

ورأى أستاذ القانون الدولي الخاص عبد الرحيم زضاكي أن مبدأ أحقية الدولة في منح الجنسية هو مبدأ أقرته المادة الأولى من اتفاقية لاهاي الموقعة في 12 أبريل 1930، بشأن بعض المسائل المتعلقة بتنازع القوانين حول الجنسية، لكنه أكد في إحدى محاضراته بجامعة ابن زهر بأكادير أن الجنسية حق طبعي للفرد لا يحق للدولة أن تجرد مواطنيها منها، ذاكرا بعض الاستثناءات.

وتنص اتفاقية لاهاي لعام 1930 على “أن يكون لكل دولة أن تحدد من هم وطنييها بتشريع خاص بهـا مـع مراعاة ما هو مستقر عليه في الاتفاقيات الدولية والعرف الدولي والمبادئ العامة في
القانون الدولي”.

بالعودة إلى قانون الجنسية المغربية نجد أنه لم يتعرض بأي شكل من الأشكال لإمكانية طلب المغربي التخلي عن جنسيته طواعية أو احتجاجا على المس بأي حق من حقوقه، بل إن القانون حمى المواطنين من التعسف كما يحدث في بعض الدول من نزع جنسيتها آو عدم منحها أصلا لطائفة من الطوائف أو لمعارض سياسي.

“حالات الفقدان”

وبالرجوع إلى قانون الجنسية المغربية كذلك نلاحظ أنه يتيح التخلي عن الجنسية في حالات معدودة، وينص الفصل 19 على أنه “يفقد الجنسية المغربية: أولا- المغربي الرشيد الذي اكتسب عن طواعية في الخارج جنسية أجنبية والمأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية”، وهذا الأمر لا ينسحب على وضعية الزفزافي ورفاقه.

أما الحالة الثانية فهي المغربي- ولو كان قاصرا- الذي له جنسية أجنبية أصلية والمأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية، وتتعلق الحالة الثالثة بالمرأة المغربية التي تتزوج من رجل أجنبي وتكتسب بحكم زواجها جنسية زوجها والمأذون لها بموجب مرسوم قبل عقد هذا الزواج بالتخلي عن الجنسية المغربية.

الحالة الرابعة تتعلق بـ”المغربي الذي يعلن عن تخليه عن الجنسية المغربية في الحالة المنصوص عليها في الفصل 18 من هذا القانون، وبالرجوع لهذا الفصل نجده يتحدث عن أبناء المجنسين، بالتنصيص على أن “الأولاد القاصرين الذين كانوا يبلغون 16 سنة على الأقل في تاريخ تجنيسهم يجوز لهم أن يتخلوا عن الجنسية المغربية بين السنة الثامنة عشر والحادية والعشرين من عمرهم”.

أما الحالة الخامسة فتتعلق بـ”المغربي الذي يؤدي أو يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي إذا كان شغل هذه المهمة أو الوظيفة يتعارض مع المصلحة الوطنية، ويحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعد ما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها”. ويظهر أن كل هذه الحالات بالإضافة إلى حالة سادسة منصوص عليها في الفصل 24 من قانون الجنسية لا تنسحب كذلك على وضعية القائد الميداني لحراك الريف ورفاقه.

“دولة البدون”

إن الملاحظ من كل ما سبق أن المشرع المغربي قد تشدد في قضية التخلي أو التجريد من الجنسية بالمغربي حتى لا تستعمل كسلاح تعسفي ينتج دولة المواطنين مقابل دولة “البدون”، معددا حالات استثنائية للجوء إلى التجريد أو التخلي عن الجلسة لأسباب تتعلق بالأمن الداخي والخارجي للبلاد.

وما ذهب إليه المشرع المغربي يتسق تمام مع اعتبار مفوضية المم المتحدة لحقوق الإنسان أن “الحق في الجنسية حق من حقوق الإنسان الأساسية. وهو يعني حق كل فرد في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *