أخبار الساعة، أدب وفنون

حوار مع الكاتبة المغربية الزهرة رميج

حاورتها: الطالبة شيماء المرابط

1- ماذا تعني الكتابة بالنسبة للزهرة رميج؟

سبق أن أجبت عن هذا السؤال بكون الكتابة رئة ثانية أتنفس بها هواء نقيا في ظل التلوث الذي نعيشه على كل المستويات. بالكتابة أتحرر من الهموم والأحزان التي يتسبب فيها الواقع المأزوم، ويجعلها تضغط على أنفاسي وتكاد تخنقني. وبالكتابة أرفع صوتي ضد مظاهر الفساد والرداءة والردة التي يعيشها المجتمع، فكرا ودينا ومجتمعا.

فالكتابة هي وسيلتي الأساسية للتعبير عن فلسفتي في الحياة، ومواقفي من كل ما يحدث في مجتمعي ونظرتي للعالم من حولي. ولذلك، فإن الكتابة بالنسبة لي هي الوجود، إنها تأكيد على الحياة، وانتصار على الموت في كل تجلياته المادية والروحية والفكرية.

2- كيف ترى الزهرة رميج مسؤولية المبدع في صنع المستقبل؟ وكيف تفسر علاقته بالسلطة السياسية؟

مسؤولية المبدع في صنع المستقبل مهمة جدا. لأن المبدع في جوهرة ، ينتمي للنخبة الواعية الرافضة للواقع والحالمة بعالم أفضل. ولذلك، على المبدع في مجتمعنا العربي ما يزال يتخبط في براثين التخلف والأمية والفساد وما إلى ذلك من الظواهر السلبية، أن يساهم بإبداعه في بث روح الوعي في المجتمع ، والارتقاء بذوقه وفكره، ويعلي من شأن القيم الإنسانية العليا : قيم الحب والخير والجمال .

وهذه المهمة تتعارض مع أهداف السلطة السياسية في مجتمعاتنا العربية التي تحارب كل أشكال التنوير، وتعلي من شأن التفاهة والرداءة وتجعل منها قدوة للشباب سعيا منها إلى تبخيس قيمة العلم والمعرفة باعتبارهما لا يحققان للفرد أي امتياز مادي واجتماعي في ظل مجتمع استهلاكي تطغى فيه المظاهر الزائفة وتطمس فيه كل القيم النبيلة .

ولذلك، لا يمكن في ظل الأوضاع السياسية التي نعيشها حاليا، إلا أن تكون علاقة المبدع بالسلطة علاقة متوترة إن لم نقل عدائية، إذ ليس من مصلحة السلطة السياسية وجود مبدع حر ينشر الوعي داخل المجتمع ويحارب مظاهر الجهل والتخلف التي تقتات منها هذه السلطة منها مشروعية استمراريتها.

3- كيف تقرأ الزهرة رميج تأثير الربيع العربي على المشهد الثقافي والإبداعي في السنوات القادمة؟

رغم أن الربيع العربي لم تكن نتائجه وردا وياسمين، ولم يحقق أحلام الشعوب العربية في سيادة الديمقراطية والأمن والعيش الكريم، وأنه انحرف عن طريقه إلى نقيضه وأفرز ظواهر غريبة من التطرف متمثلا في داعش التي كتبت بالدم أسوأ صفحات تاريخنا العربي الإسلامي، وأضعفت دولا ذات حضارات عريقة.

إلا أنه مع ذلك، حقق أمرا أساسيا وهو تكسيره حاجز الخوف الذي كان يلجم الألسنة، ويشل إرادة الشعوب ويجعلها خائرة ومستسلمة للمصير الذي ترسمه لها الأنظمة الديكتاتورية، وما يحدث اليوم في الجزائر والسودان دليل على أن جذوة الربيع العربي لم تمت رغم مآسيه، وأن وعي الشعوب في تزايد مستمر.

وهذا الوعي ينعكس على كل المستويات ومنها المستوى الثقافي. لقد أصبح المبدعون وخاصة منهم الشباب، أكثر جرأة في تناول المواضيع الحساسة، وفي إبداء الرأي. وأكثر إقبال على الإبداع.

والإبداع اليوم، متأثر بطريقة أو بأخرى، بهذا الواقع الذي أفرزه الربيع العربي. إننا نعيش مرحلة مخاض ستظهر نتائجها الإيجابية مستقبلا بدون شك. فما دام الإبداع قد تحرر من هاجس الخوف، فأكيد أنه سيطرق عوالم لم يطرقها من قبل.

4- هل نعاني من أزمة الكتابة؟

بالمقارنة مع النصف الثاني من القرن العشرين، تعرف الألفية الثالثة زخما كثيرا من مجال الكتابة. فقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والأنترنت إمكانية النشر، والتفاعل مع المنشورات مما دفع الكثير من الشباب وغير الشباب إلى الإقبال على الكتابة بدليل أن الكثير منهم انطلق من النشر في هذه المواقع الالكترونية ليتحول بعد ذلك، إلى النشر الورقي.

كما أن حرية الكتابة وغياب الرقابة ولجان تقييم المنشورات كل ذلك ساهم في هذا الزخم من الكتابة، الذي تعرفه الساحة الثقافية اليوم. كما أن الجوائز الأدبية وخاصة في مجال الرواية جعلت الكتاب سواء منهم الشباب المبتدئ أو الكتاب المكرسين في مجالات أخرى، يقبلون على كتاب الرواية. وهذا، ما جعل الكتابة الإبداعية تعرف حركة غير مسبوقة، وبالتالي لا تعاني على مستوى الكم.

لكن السؤال الذي يطرح أمام هذا الكم هو سؤال “الكيف”. فمواقع التواصل الاجتماعي بقدر ما حررت الأقلام ودفعت الكثيرين إلى الكتابة، إلا أنها في نفس الوقت، ساهمت في التسرع في الكتابة وعدم الاختلاء إليها ومنحها ما تستحقه من وقت وجهد وعزلة لتخرج أكثر عمقا.

5- كيف كانت البدايات؟ ومن هم الأشخاص الذين شكلوا مرجعيتك، وساهموا في بناء تصوراتك للواقع؟

لم تكن لي بداية واحدة كما هو حال معظم الكتاب، بل بدايتان. البداية الأولى كانت في مرحلة المراهقة، وتحديدا في السن الرابعة عشرة، عندما انخرطت في كتابة الشعر. وكان ذلك نتيجة قراءتي للشعر العربي، وتأثري بأخي الأكبر الذي كان ينظم قصائد في الحب والغزل، وكان يسمح لي بدخول محرابه الشعري، ومعايشة لحظات المخاض والولادة . فقد كانت أول قصيدة كتبتها تعبيرا عن إحساسي لأول مرة بمشاعر الحب.

أما البداية الثانية،فجاءت بعد عشرين سنة من انقطاعي عن الكتابة عندما انتقلت إلى المرحلة الجامعية، وانخرطت في حركة اليسار. فهذه التجربة المهمة التي عشتها خلال عقد من الزمن، ساهمت بدورها في تكوين شخصيتي وفي نظرتي الشمولية للواقع، وإيماني الراسخ بقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وهي القيم التي أدافع عنها في كل كتاباتي.

لذلك، يمكنني القول بأن كل من ينحاز إلى هذه القيم الإنسانية –وتحت أي اسم- سواء كان من الأدباء أو من المفكرين قد يكون ساهم بطريقة أو بأخرى في تشكيل نظرتي للحياة وتصوري للواقع.

6- في مجمل أعمالك الروائية تسعين إلى تعرية الواقع وما يتبطن داخله من فساد. هل الرواية بالنسبة لك وسيلة من وسائل النقد؟ وهل تعتقدين بأنها الجنس الأدبي الأكثر قدرة على مسايرة التحولات التي يشهدها العالم بصفة عامة؟

بما أن مرجعيتي الفكرية هي اليسار الذي يؤمن بالقيم الإنسانية العليا وبالديمقراطية الحقيقية، وحقوق الإنسان ويسعى لتحقيق مجتمع تسوده الحرية والعدالة والمساواة، ويتمتع فيه الفرد بحقوقه كاملة في التعليم الجيد، والعلاج الجيد، والعمل المناسب، والسكن اللائق، والأمن والأمان، فإن كتابتي بالضرورة انعكاس لأفكاري وأحلامي في وجود وطن يتسع لكل أبنائه ويقسم ثرواته عليهم جميعا بالقسطاس، ولا يكدسها في أيد قليلة ويحرم الأغلبية الساحقة من حقها المشروع.

وقد سبق لي أن قلت بأن الكتابة هي الحزب الذي أنتمي إليه ومن خلالها أستمر في النضال من أجل تحقيق هذا الحلم المستعصي، حلم المدينة الفاضلة التي ينعم فيها الفرد بكافة حقوقه وبالسعادة التي يستحقها في هذا العالم الذي قذف إليه دون إرادته.

وبما أن الرواية صورة مصغرة للحياة، فإنها بالتأكيد، الأكثر قدرة على نقل الواقع في تجلياته العديدة وفي تحولاته المستمرة.

7- كيف ترين التجربة النسائية المغربية في الكتابة؟ وهل توافقين على تعبير الأدب النسوي؟

رغم أن مصطلح الكتابة النسائية فرض نفسه على مستوى النقد والبحوث الجامعية الأكاديمية، إلا أني لا أستسيغه، لأن الإبداع لا جنس له. فهو تعبير عن النفس البشرية وما يعتريها من مشاعر إنسانية كالمعاناة والألم والثورة والغضب وما إلى ذلك….

وهي مشاعر لا يمكن تأنيثها أو تذكيرها. عندما تنطلق الكاتبة من هذا المفهوم للإبداع، وتتناول قضايا تهم الإنسان ككل، وتهم المجتمع بنسائه ورجاله، فإن هذا المصطلح لا مبرر له لكنه قد يجد تبريره عندما تحصر الكاتبة قلمها في التعبير عن قضية المرأة والتنديد بالفكر الذكوري، والاحتفاء بالجسد.

والواقع أن كتابة المرأة بغض النظر عن التسمية، عرفت قفزة نوعية خلال الألفية الثالثة حققت خلالها تراكما مهما، إذ تضاعف عدد الكاتبات بشكل كبير، وأصبحت الكاتبة أكثر جرأة وأكثر ثقة بالنفس، ومن ثم أكثر استمرارية في الكتابة، وأكثر تراكمية، يشجعها على ذلك تفاعل القارئ في مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، واحتفاء النقد بالكتابة النسائية وتشجيع دور النشر للكتابات النسائية الجريئة وخاصة منها تلك التي تحتفي بالجسد.

8- لقد انتقلت من العمل القصصي إلى العمل الروائي كيف تفسرين هذا الانتقال؟

مثلما كانت بدايتي مختلفة، كذلك الأمر بالنسبة لإصداراتي. ذلك أني قبل نشر أول عمل إبداعي مجسدا في المجموعة القصصية “أنين الماء” سنة 2003 ، كنت قد راكمت خلال أكثر من عشر سنوات، عدة أعمال في مجالات إبداعية مختلفة: الشعر، القصة القصيرة، القصة القصيرة جدا والرواية. وكوني أصدرت مجموعتين قصصيتين قبل إصدار رواية، لا يعني أني انتقلت من القصة إلى الرواية.

ذلك أن رواية “أخاديد الأسوار” التي نشرت سنة 2007 كانت ضمن الأعمال المكتوبة قبل النشر، ورواية “عزوزة” التي صدرت سنة 2010 جزء كبير منها كتب أواخر التسعينيات من القرن الماضي.

ومع ذلك، يمكنني القول، بأن قلمي كان دائما سيالا. وكنت أجد صعوبة في الحد من جموحه أثناء كتابة القصة القصيرة، وفي إخضاعه لشروطها الفنية الصارمة.. ومع تجربتي الأولى في كتابة الرواية التي انطلقت مع”عزوزة”، وليست مع”أخاديد الأسوار ” باعتبارها أول رواية نشرتها، أدركت أن قلمي بطبيعته منذور
للمسافات الطويلة.

وتجدر الإشارة إلى أن أول نص سردي كتبته في بدايتي الأولى المرتبطة بمرحلة المراهقة كان رواية وليس قصة قصيرة لأن معظم قراءاتي آنذاك، كانت في مجال الرواية.

ومن هنا، يمكنني القول بأن الرواية قد تكون في حقيقة الأمر، هي الفن الأسبق. وأنها كانت تترك أثرها على الكتابة القصصية. فالكثير من القراء والنقاد يرون في قصصي القصيرة مشاريع روائية.

9- في معظم أعمالك تنطلقين من تجربتك الخاصة، فهل يمكن أن نقول بأن رواياتك هي عبارة عن سيرة ذاتية مقسمة إلى أجزاء؟

في كتاب “رسائل إلى روائي ناشئ” ينصح الروائي العالمي ماريو فارغاس يوسا الروائي الناشئ بأن ينهل من تجاربه الخاصة، وأن يكتب عما يعرفه ويعيشه، وأن يكون كالغول الذي يلتهم نفسه. وقد استعرت منه هذه الجملة لتكون عنوان روايتي التي تتناول موضوع الكتابة الروائية، وتجيب عن سؤال”: من أين يستمد الروائي مواضيعه؟ ” فهذه هي قناعتي الشخصية.

أن أكتب عما أعيشه وأعايشه، وعن القضايا التي تشغل تفكيري وأطرح الأسئلة التي تؤرقني. ولذلك فإن كتابتي تجسيد لتفاعلي مع الواقع الذي أعيش فيه.

ومادامت أعمالي تنطلق من تجاربي، وتعكس فلسفتي في الحياة ونظرتي للعالم، وتعبر عن مبادئي وقيمي، فيمكنك اعتبارها كما تشائين سيرة ذاتية أو سيرة فكرية… فسير الكتاب مبثوثة في كتبهم شاءوا أم أبوا، بوعي منهم أو بغير وعي. لأن الكتابة الأصيلة تنطلق دوما من حاجة داخلية للكاتب، ولأن السيرة الذاتية اليوم، لم تعد ملتزمة بصرامة التجنيس وبميثاق الشرف كما حدده فيليب لوجون.

كما يمكنك اعتبارها مترابطة ومتكاملة مادامت تنطلق من نفس البؤرة وهي الذات المبدعة الواحدة التي تنعكس في عدة مرايا.

10- ماذا عن رواية “قاعة الانتظار” حدثينا عن أجواء الرواية وما يميزها عن غيرها؟ كيف تفسرين العلاقة بين فدوى بطلة رواية “قاعة الانتظار” والزهرة رميج مؤلفة الرواية؟

تتميز رواية “قاعة الانتظار” بكونها تتناول موضوعا مختلفا عن المواضيع التي تناولتها رواياتي السابقة، وهو موضوع السرطان. وموضوع المرض عموما ومرض السرطان خصوصا ليس من المواضيع التي تغري الرواية المغربية ولا الرواية العربية عموما. كما أن الرواية تتخذ من هذا المرض/ الآفة وسيلة لكشف السرطانات التي تنخر المجتمع على كل المستويات.

وتتخذ من قاعة الانتظار في مصحة، صورة للمجتمع بكل ما يعتمل فيه من مظاهر الفساد الاجتماعي والسياسي، والاستغلال في المجال الصحي، والتخلف الفكري والديني. ومن ثم يمكن اعتبار “قاعة الانتظار” صورة مصغرة للوطن بأكمله، إذ يلتقي فيها المرضى من كل أنحاء المغرب، ومن كل الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية. أما عن علاقة شخصية فدوى بالكاتبة، فأكيد أنها علاقة وثيقة مادامت شخصية محورية في الرواية.

فهي العين الثاقبة التي تلتقط أدق تفاصيل ما يجري في قاعة الانتظار، والضمير الحي الذي يتفاعل مع ما يحدث حوله، ويكشف السرطانات التي تنخر جسد المجتمع سواء على مستوى القطاع الصحي من خلال شخصية البروفيسور حجاج الذي يتعامل مع المرض كوسيلة لتحقيق أرباح خيالية، ويعتبر المرض ىمجرد فئران تجارب متجردا من كل إحساس إنساني.

أو من خلال الشخصيات المتعددة التي تظهر في قاعة الانتظار وتجسد كل منها قضية معينة، كقضية الريف ومعاناة سكانه من السرطان ومن التهميش، وقضية الدعارة المقنعة (الراقية)، وقضية التخلف الفكري وعودة المجتمع إلى عصور الانحطاط وفهم الدين فهما سطحيا، وقضية الفساد السياسي ونهب المال العام، وما إلى ذلك من القضايا.
فهذه الشخصية هي التي تشكل الجزء الأكبر من أنا الكاتبة، لكونها تنوب عنها في التعبير عن أفكارها ومواقفها مما يحدث في المجتمع، علما أن شخصيات أخرى في الرواية تقوم بهذا الدور مثل ميرة وحمادة.

11- القارئ لأعمالك يلاحظ أن هناك ترابطا فيما بينها، فمثلا في رواية الناجون تطرقت إلى موضوع السرطان بشكل ضمني من خلال شخصية حسناء، وهي عضو في جمعية خيرية تهتم بمرض السرطان، في مقابل ذلك أبهرت القارئ مؤخرا بروايتك الجديدة “قاعة الانتظار” التي تطرقت فيها إلى نفس الموضوع، فما سر هذا الترابط والتمازج والتسلسل؟

موضوع السرطان كان يشغل تفكيري منذ كتابة روايتي “أخاديد الأسوار” التي لمحت فيها إلى موت البطل بمرض مستعص. وهذا الانشغال هو بدون شك، ما دفعني إلى جعل شخصية حسناء تنتمي إلى جمعية خيرية تهتم بمرض السرطان. مع مرور الزمن لم تخب جذوة الرغبة في الكتابة عن هذا الموضوع، بل ازدادت حدة إلى أن كانت هذه الرواية.

هذا الترابط –أو ما يسميه النقاد بالتناص الداخلي- يبدو لي منطقيا، من جهة لأن هناك علاقة جدلية بين كل القضايا التي تطرحها كتابتي، ومن جهة أخرى لأن هذه الكتابة صادرة عن نفس الذات الكاتبة كما أشرت سابقا، ونابعة من نفس نظرتي للعالم.

كما أني قبل أن أنخرط في كتابة أي رواية، يكون تفكيري منشغلا بعدة مشاريع روائية، وأكيد أن شظايا من هذه المشاريع تتسرب إلى الكتابة بدون وعي مني في غالب الأحيان.

وأنا أتأمل حاليا، رواية “قاعة الانتظار”، وجدتها بدورها تحمل شظايا من بعض المشاريع الروائية المؤجلة. وكأني بتلك المشاريع تصاب بالغيرة عندما أختار إخراج أحدها إلى الوجود، فتبعث إشاراتها لتذكرني بوجودها قائلة: “مازلت أنتظر ! فمتى يأتي دوري؟”

12- ماذا تعني لك “عزوزة” وخصوصا أن هذه الرواية شهدت احتفاء كبيرا من جمهورا لقراء؟

رواية “عزوزة” هي جواز سفري إلى قلوب القراء: هي التي خلقت لي قاعدة عريضة منهم. هي التي أعادت لي الثقة في أن الروايات الكبيرة وذات المواضيع الدسمة لا تحول دون القراءة إذا كانت تتوفر فيها شروط الإبداع الحقيقي. هي التي دحضت الفكرة التي كانت سائدة في مطلع الألفية الثالثة والقائلة بأن هذا الزمن، زمن الرواية القصيرة والخفيفة، وأن القارئ ما عاد قادرا على قراءة الأعمال الطويلة، وما عادت تغريه المواضيع العميقة.

هي التي خلقت لي العديد من الصداقات الرائعة، وجعلت الكثير من القراء والنقاد يتعرفون على تجربتي الإبداعية ويواكبونها باستمرار. هي التي خلقت بادرة إهداء الأحبة رواية لأحبتهم قبل أن تولد ظاهرة إهداء الروايات مع حملة شبكة القراء. هي التي جعلتني أعرف أن القراءة لا تقاس بعدد النسخ التي تطبع والتي تباع، وأن القارئ موجود لكنه يعتمد على الإعارة أكثر مما يعتمد على اقتناء الكتاب.

فمعدل قراء كل نسخة منها يتجاوز الخمسة. هي التي أسعدني أن تكون الرواية التي يراها أفرادا لعائلة الواحدة ويجتمعون حولها كما لو حول مسلسل تلفزيوني. هي التي برهنت لي على جدوى لكتابة وقدرتها على التغيير، إذ غيرت نظرة الكثير من القراء للمرأة، والكثير من القارئات للرجل. هي التي شجعت الكثير من القراء العازفين على قراءة الرواية المغربية، وشجعت الكثير من القراء المفرنسين على قراءة الأدب المكتوب باللغة العربية. هي التي صنعت مجدها بنفسها. هي التي ما تزال حكايات القراء معها تسعدني، وتمدني بطاقة الكتابة..

ويكفيني أن اسمي ارتبط بها، وأن ا لقراء أصبحوا ينادوني ب “عزوزة” بدل الزهرة، وأنها بعد مرور تسع سنوات على صدورها ما تزال حاضرة بقوة، وما يزال الاحتفاء بها مستمرا سواء من طرف القراء العادين أو على المستوى النقدي أو البحث الجامعي. هي الرواية التي وقع حولها الإجماع من طرف القراء بمختلف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية.

إنها بكل بساطة، الأيقونة التي أعتز بها، وأشكر الحياة التي منحتني من التجارب ما جعلني أكتب بصدق وأن تصل كتاباتي إلى كل القلوب.

13- هل تشعرين من خلال روايتك “قاعة الانتظار” أنك استطعت أن تردي الاعتبار إلى مرضى السرطان بصفة عامة، وإلى أهل الريف الذين يعانون من التهميش بصفة خاصة؟

قد يكون الأمر كذلك بالنظر إلى أن رواية “قاعة الانتظار” أتاحت الفرصة لمرضى السرطان لكي يتحدثوا عن معاناتهم، ويكشفوا واقع الطب في المغرب الذي اكتسى الطابع التجاري، وتجرد من الإنسانية. وتكشف أن مرضى السرطان في نهاية المطاف، يعانون نفس المعاناة كيفما كانت أوضاعهم المادية.

فالفقراء منهم يتعرضون للإهمال لعدم توفر المستشفيات في كل مناطق المغرب، وعدم توفر العلاج المجاني في المستشفيات الموجودة. والميسورون منهم يتعرضون للاستغلال داخل المصحات الخاصة التي تعتبر مشاريع تجارية أكثر منها مراكز صحية. وفي الحالتين يكون مصير مريض السرطان هو الموت.

لقد أتاحت لي رواية “قاعة الانتظار” التعبير عن غضبي من تردي واقع الصحة في المغرب، وارتباط ذلكبتخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه المواطنين، وتشجيعها على الخصخصة التي يحكمها بالأساس، قانون الربح.

كما أتاحت لي فرصة التعبير عن موقفي من قضية الريف من خلال الشخصيات الريفية التي عبرت عن معاناة أهل الريف من مرض السرطان، وعن حقهم المشروع في وجود مستشفيات خاصة بالسرطان وبكل الأمراض المستعصية في مدنهم، وكذلك الأمر بكل النسبة لباقي المناطق المهشمة.

14- ما هي الرسائل التي تودين إيصالها للقارئ من خلال أعمالك الروائية؟

رسالتي الأساسية في الكتابة هي طرح القضايا التي تهم الإنسان المغربي وتؤرقه، والتطرق إلى المسكوت عنه مما يتداوله الناس دون أن يجرؤوا على التنديد به.

لذلك، فإن كتابتي عموما دعوة لمقاومة الواقع المتردي وعدم الاستسلام للظروف القاهرة، وللخوف الذي يلجم الألسنة. إنها دعوة إلى الوعي بسلبيات الواقع الذي نعيشه، ومقاومة مظاهر الفساد والرداءة المستشرية فيه. لأن الوعي وحده من يستطيع تغيير الواقع، ولأننا بسكوتنا عن مظاهر الفساد والاستغلال نساهم في تكريس هذا الوضع الذي نعاني منه.

15- رواية “الناجون” هي رواية تحتفي بجيل السبعينات وبنضالاته ضد سياسة القمع والجور في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ المغرب، إلى أي حد استطاعت الزهرة رميج تمثيل الذاكرة السياسية في روايتها؟

يمكن اعتبار رواية “الناجون” جزء من الذاكرة السياسية في مرحلة معينة من تاريخ المغرب، ا دامت تستلهم واقع سنوات الجمر والرصاص. ولكنها بالنسبة لي، مجرد تعبير عن وجهة نظر وتقييم خاص لتلك المرحلة التي عشت صراعاتها، وتفاعلت مع أفكارها وقيمها، وانخرطت في حركتها المتمردة ضد سياسة القمع الشرس الذي سادها.

فقد كانت غايتي من كتابة الرواية، نقل صورة عن تلك المرحلة وتحديدا عن الحركة الطلابية وما كانت تسودها من أحداث، وأفكار ونقاشات،و مواقف، وصراعات، وتقريب تلك الصورة بسلبياتها وإيجابياتها من الأجيال التي جاءت بعدها، والتي لا تعرفها إلا من خلال شهادات المعتقلين السياسيين التي ينحصر معظمها في الحديث عن المعتقلات السرية، وأنواع التعذيب الذي تعرضوا له فيها على أيدي الجلادين.

16- كلمة في حق الزهرة رميج.

الزهرة رميج قبل أن تكون كاتبة، هي إنسانة محبة للإنسانية ومؤمنة أشدا الإيمان بأن مهمة الإنسان في الحياة أن يعمل قدر مستطاعه وفي مجاله، من أجل تحقيق السعادة البشرية. ذلك أنها من طينة البشر الذين لا يشعرون بالسعادة في عالم يسوده البؤس المادي والمعنوي. هي تعرف أن هذه الطينة منذورة للألم،

لأن العالم يحكمه الصراع بين الخير والشر . ومع ذلك، تستمر في الحلم بعالم أفضل، وتقاوم اليأس بالأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *