سياسة، مجتمع

التوحيد والإصلاح تقتحم جدل الحريات الفردية بكتاب لمركز الريسوني

تزامنا مع النقاش الدائر في المغرب حول الحريات الفردية، أصدر مركز “المقاصد للدراسات والبحوث” التابع لـ”حركة التوحيد والإصلاح”، كتابا جديدا حول موضوع “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا”.

الكتاب الواقع في 220 صفحة، والذي سينزل للأسواق قريبا من مركز يترأسه الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، ألَّفَهُ الحسين الموس وهو نائب مدير المركز، وحاصل على الدكتوراة في الدراسات الإسلامية، وأستاذ مبرز في الرياضيات.

وينطلق الكتاب من أنه قد “أسيء فهم موقف الإسلام من الحريات الفردية ووُجِّهتْ له الكثير من التهم في هذه الزاوية”، قائلا “مفكرون وفقهاء مسلمون يرفضون فكرة الحريات الفردية جملة وتفصيلا ويظنوها سببا مباشرا في انتشار الموبقات والمحرمات”.

ويهدف الكتاب إلى بيان موقع الحريات الفردية في النسق الإسلامي العام وعلاقة ذلك بقيم المجتمع الإسلامي وآدابه، مركزا على الموضوع من زاوية فقهية محضة، وذلك عبر “تتبع جزئيات الحريات الفردية وأبعادها في التصور الإسلامي في تناغم مع حق الجماعة في الحفاظ على قيمها وآدابها”.

الدين التزام شخصي

ويشدد الكتاب على أن “الحرية مقصد أصيل من مقاصد الشريعة الإسلامية وهي علامة على مبدأ تكريم الإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره”، موضحا أن من أولى مظاهر الحرية، “احترام الإسلام لحرية المعتقد واختيار الفرد للسلوك الذي يراه صوابا وهو حق تؤكده نصوص كثيرة من الشريعة” أوردها الكتاب بالتفصيل.

ويشير المؤلف إلى أنه نظرا لقيمة الحرية في المعتقد فلم يجعل القرآن إكراه الناس على العقيدة حقا حتى للأنبياء الذين هم معصومون حيث تمَنَّى النبي الهداية لعمه أبي طالب ولم يحصل منه على شيء، بل قال الله لنبيه “إنك لا تهدي من أحببت”.

وأضاف أن الإكراه باطل في العقيدة كما هو باطل حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية حيث إنه لا ينشئ زواجا ولا طلاقا ولا بيعا ولا بيعة، فكيف ينشئ عقيدة وإيمانا وإسلاما، قائلا إذا “كان المسلم ملزما بحكم إيمانه بمجموعة من التكاليف والواجبات فإن ذلك شأن بينه وبين ربه، ولا ينبغي أن يتحول إلى إلزام قسري للفرد أو إكراه له على الامتثال”.

لكن الكتاب يناقش ظهور أنواع من الإكراه على الإلتزام بتعاليم الدين في التاريخ الإسلامي كان يقوم به بعض الحكام عن طريق “التشديد على الناس وتتبع سقطاتهم الفردية”، أو من ينوب عن الحكام من رجال الحسبة والقضاء ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأورد الكتاب نماذجا لذلك، ومنها قول بعض الفقهاء بجواز “ردع المقصرين في الواجبات أو الواقعين في الشبهات أو تكسير آلات اللَّهو وإراقة آنية الخمر”. ويرى الكتاب أن استعمال المنع أو التعنيف تجاه المخالفين هو أمر يحتاج إلى مراجعة وتحرير لأنه قد يؤدي إلى تسلط الناس بعضهم على بعض.

الحرية مقابل المسؤولية

في المقابل يدافع الكتاب عن فكرة أن الحرية المطلقة غير ممكنة بأي حال من الأحوال، موضحا أنه لا بد من ربط الحرية الفردية بالمسؤولية، مضيفا أن “أصالة الحرية الفردية في الإسلام لا يوازيها إلا تحميل الإنسان مسؤولية أفعاله وتبعة تصرفاته أمام النفس وأمام الناس وأمام الله”.

وحسب الكاتب فإن مصدر الخلاف هو في كون “البعض يريد أن يتمتع بحريته الفردية غير المسؤولة بارتكاب جرائم في حق المجتمع أو الإنسانية”، موضحا أن أصل الخلاف بين التصور الإسلامي والتصور الغربي حول كثير من قضايا الحريات الفردية يعود إلى المنطلقات الفكرية والتصورية.

ورأى الكاتب أنه، على سبيل المثال، في الوقت الذي تنظر الشريعة إلى حفظ الأسرة باعتباره مقصدا كبيرا، يقوم التصور الغربي على الحرية الفردية ولو أدت إلى تمزيق الأسرة وتوقيف النسل.

أحكام ملتبسة

يحاول المؤلف توضيح بعض الأحكام الملتبسة في الشريعة والتي أسيء فهمها باعتبارها ضد الحريات الفردية، خاصة ما يتعلق بقتل المرتد والعلاقات الجنسية خارج الزواج والإجهاض والإفطار العلني في رمضان والشذوذ الجنسي.

وعن الموقف من حرية تغيير المعتقد يستشهد الكتاب بكثير من العلماء الذين قالوا ببطلان فتوى قتل المرتد، وقالوا إن المقصود بقتل المرتد ليس الذي غير دينه فتلك حريته الشخصية، وإنما الذي ارتد عن الدولة وخرج عليها وغدرها، واصطف مع أعدائها، وهو ما يشبه الخيانة العظمى في قوانين الدول المعاصرة.

وفي قضية الافطار العلني في رمضان، الذي يجرمه القانون المغربي، يرى الكاتب “أنه لو أفطر غير ذي عذر أو صاحب رخصة فله الحرية فيما أقدم عليه والأصل أن يحسن به الظن ويوكل أمره إلى الله”.

أما العلاقات الجنسية خارج الزواج فيرى الكاتب أن الغاية من العقوبة عليها “هو الزجر من الوقوع فيها ومنع إظهارها والإعلان بها أمام الناس”. كما أن “الشارع أحاط تطبيق هذه العقوبة بشروط صارمة من العصب تحققها”.

ومثلها قضية الشذوذ الجنسي الذي على الرغم من “بشاعة الشذوذ الجنسي التي لا ينكرها عاقل فعلاجها ينبغي أن يكون تربويا تعليميا وصحيا بالأساس”. كما أن القانون يمنع المجاهرة بالشذوذ و”ليس من شأن السلطة ولا عامة الناس أن يبحثوا عمن استتر ولم يعلن ذلك أو يظهره”.

وعن الحق في الاجهاض يرى الكاتب أن “هناك بعض الدواعي المشروعة لإباحته لكن لا ينبغي أن يترك أمر تحديدها للأفراد بل لا بد من هيئات أمينة تتولى ذلك”، وتبعا لذلك يرى أن “من واجب الدولة ومن حق الأجنة عليها أن تقيد حرية الأفراد في الاعتداء على حياة الأجنة”.

وخلص الكاتب إلى أن المنظور الديني لا يختلف عن الحرية الفردية كممارسة، موضحا أنه رغم تحريم الدين لكثير من الأمور فإن الالتزام بها يبقى حرية شخصية ولا يجوز التدخل العقابي في حق المخالفين إلا لمن يتعمد استفزاز عموم الناس بمخالفات غير متفق عليها.

وتنظم حركة التوحيد والإصلاح ندوة علمية في موضوع “جدل الحريات الفردية في المجتمعات الإسلامية” من خلال القراءة في كتاب ”الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا” للدكتور الحسين الموس يوم الجمعة 11 أكتوبر 2019، بمقر نادي المحامين بحي المحيط بالرباط.

ويؤطر الندوة العلمية بالإضافة إلى مؤلف الكتاب ثلة من الأساتذة والمتخصصين بمشاركة الأستاذ الجامعي والمحامي المتخصص في القانون الجنائي محمد الباكير، والبرلماني والمفكر الإسلامي المقرئ الإدريسي أبو زيد، والفاعل الحقوقي والجمعوي مصطفى أقبيب، وعضو الهيئة العلمية لمركز المقاصد محمد عوام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *