وجهة نظر

تنزيل الجهوية المتقدمة لم يعد يحتمل التأجيل

أحمد بلمختار منيرة

كثر الكلام ببلدنا عن الجهوية المتقدمةفي وسائل الإعلام ومدرجات الجامعات والندوات الثقافية، في حين أن للمواطن المغربي رأي آخر.
فهو يرى أنه لا يوجد أثر ملموس لهذه الجهوية على أرض الواقع. وقد عبر، ومازال يعبر عن انتظاراته الاقتصادية والاجتماعية من خلال وسائط الاتصال الاجتماعيوالمنابر الالكترونية، في غياب قيام الأحزاب السياسية بالدور الدستوري المنوط بها، من وساطة وتأطير وتعبئة وتكوين سياسي.

بداية، إن القول بأن تنزيل الجهوية المتقدمة لم يعد يحتمل التأجيل، يفرض البرهنة عليه وتقديم ما يفيد بذلك، حتى لا نقف عند ” ويل للمصلين”. وانطلاقا من هذا الاقتناع،فلا يمكن أولا تجاوز مجموعة من المعطيات والحقائق.

لقد حدد الخطابان الملكيان المؤرخان على التوالي في السادس من نونبر 2008 والثالث من يناير 2010، مرتكزات الجهوية المتقدمة بالمغرب، وهي أربعة: الوحدة والتضامن والتوازن وعدم التمركز. كما حدد دستور 2011 في بابه التاسع المبادئ الكبرى للجهوية المتقدمة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مبدأ التدبير الحر الذي يعد ثورة في التدبير الجهوي والانتخاب المباشر لأعضاء المجالس الجهوية.

وإذا كان الخطاب الملكي للثالث من يناير 2010 يعد الخطاب التأسيسي للجهوية المتقدمة بالمغرب، حيث شكل مناسبة لتنصيب ” اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة” وهو إعلان رسمي لبداية هذا الورش المفتوح، فإن الخطاب الملكي السابق لنونبر 2008 حدد لها أيضا بوضوح الأهداف الاستراتيجية.وجرىالتأكيد المباشر أو الضمني في خطابات موالية على هدف استراتيجي آخر بالغ الأهمية هو: تطوير وتحديث هياكل الدولة.

وتعد الحكامة الترابية والمقاربة التشاركية والمراقبة الإدارية، آليات ذات أبعاد استراتيجية لتنزيل الجهوية المتقدمة. وينص الدستور على آليتين مهمتين: صندوق التأهيل الاجتماعي الذي ينبغي أن يحدث لفترة معينة لفائدة الجهات، وهو يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتيةالأساسية والتجهيزات، وصندوق التضامن بين الجهات وهو يهدف إلى تحقيق التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بينها.

إنما تقدم، وغيره كثير، يستفز الباحث والإعلامي وكل ذو حس وطني. فإذا كنا نتوفر على ترسانة قانونية مهمة أسماها الدستور وخطب ملكية منذ 2008 أوضحت بجلاء فلسفة الجهوية المتقدمة ومبادءها ومرتكزاتها وأهدافها وغايتها،فلماذا يتعثر التنزيل لحد الآن؟

لقد أسهم بشكل كبير تأخر إصدار المراسيم التي نص عليها القانون التنظيمي للجهات (رقم 111.14)في تأخر انطلاقة ورش الجهوية المتقدمة.ولكنبالرغم من إصدار هذه المراسيم، وبالرغم من الجهود المبذولة بهذه الجهة أو تلك، فما زالت دار لقمان على حالها لحد الآن برأي العديد من المواطنين والمواطنات.

لذلك، نعتقدأن تنزيل الجهوية المتقدمةيحتاج إلى رفع ثلاثة تحديات هيكلية:

أولها، تغيير عقلية التدبير الجهوي: وهو أمر ليس بالهين. يتطلب استعداد مسؤولي الجهات (مجالس جهوية وسلطات) لاستشارة المختصين في مختلف العلوم.ويحتاج إلى تبني عقلية التدبير المعاصر الذي يجمع بين أساليب تدبير القطاعين الخاص والعام.ولا بد من إشراك أطر وكفاءات القطاع الخاص في التدريس بالجامعات والمعاهد والمدارس العليا للرفع من مردودية الإدارة الجهوية.

وثانيها، تنزيل الميثاق الجديد لعدم التمركز: ولا شك أن ما ينتظر ممثلي المركز على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، تحديات جسيمة على المديين القريب والمتوسط:

– ففي ضوء التصور الجديد للمشرع لسياسة اللاتمركز الإداري، فإن الأهداف المتوخاة تتمثل في التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال تنظيم مصالحها على الصعيدين الجهوي والإقليمي، وتحديد المهام الموكولة إلى هذه المصالح.

– التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها.

– مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته.

– إرساء دعائم راسخة ودائمة لتعزيز التكامل في الوظائف والمهام بين المصالح اللاممركزة للدولة والهيئات اللامركزية، ولا سيما منها الجماعات الترابية.

وقد حدد هذا الميثاق الجديد لعدم التمركز (المصادق على مرسومه رقم 2.17.618 بالمجلس الحكومي بتاريخ 25 أكتوبر 2018) آليات عملية لحكامة منظومة اللاتمركز الإداري. وحدد آليات التقييم لضمان شروط النجاعة والفعالية في التنفيذ. ولا يمكن إنكار المجهودات الرسمية التي يتم بذلها في هذا الاتجاه من أجل التسريع بعملية تنزيله.

وثالثها،العدالة الاقتصادية والاجتماعية: إن دراسة المشاريع والتقييم والتقويم وربط المسؤولية بالمحاسبة، إجراءات من بين أخرى ينبغي اتخاذها بحزم، لإرساء قواعد العدالة الاقتصادية والاجتماعية من خلال الحد من التفاوتات الصارخةبين الجهات.وبالتالي الحد من الغضب الاجتماعي الذي يتم التعبير عنه من حين لآخر، بطرق ووسائل عنيفة في هذه الجهة أو تلك من الجهات المتضررة فعلا بوطننا.

مجملا، نعتقدأن التسريع بتنزيل الجهوية المتقدمة أصبح ضرورة مجتمعية، لأن انتظارات المواطنين والمواطنات في تراب كل جهة من جهات المملكة لم تعد تقبل التأجيل.

ولكن من حقنا أن نتساءل ألا نحتاج اليوم إلى ثقافة مجتمعية جديدة لتنزيل الجهوية المتقدمة، مقوماتها: العقلانية وروح التضامن والمواطنة والعدل والمساواة أمام القانون؟

مهما يكن الجواب، فواقع حال معظم الجهاتببلدنا يحتم اليوم أكثر من أي وقت مضى، التسريع بالتنزيل السليم:

– لمقتضيات الدستور في موضوع الجهوية المتقدمة.
– وللقانون التنظيمي (رقم111.14) المتعلق بالجهات.
– وللميثاق الجديد لعدم التمركز.

فهل سيتم تدارك التأخير الكبير الذي طال، ويطال لحد الآن، تنزيل الجهوية المتقدمة؟

* إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *