منتدى العمق

لا أحزاب ديمقراطية بدون دولة ديمقراطية

الأحزاب السياسية في الأصل نتاج حياة سياسية ديمقراطية، والوظيفة الطبيعية التي تنشأ من أجلها، تأطير المواطنين والمساهمة في تربية وتكوين السياسيين، وهي مشاتل لإنتاج وتخريج الأطر السياسية للدولة الديمقراطية، وقنوات لضخ هذه الأطر والقيادات في شرايين و مؤسسات الدولة، وبالتالي فتناول الأحزاب بالنقد دون تحميل قسط كبير من – ما وصلت إليه الأحزاب السياسية في المغرب – إلى ما قامت به الدولة المغربية غير الديمقراطية طيلة سنوات مضت من القمع والمنع والتفكيك للعمل السياسي، واحتواء وتوريط للقيادات السياسية الوطنية في العديد من الملفات المشبوهة، وتمييع المشهد السياسي بإنشاء كائنات سياسية إدارية، ودون التساؤل عن الأسباب الموضوعية والحقيقية لعدم جاذبية الأحزاب السياسية للأطر والشباب والنساء وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، ودون الحديث عن كون السبب الرئيسي لمرض انسداد الشرايين التي أصيبت به الأحزاب السياسية الذي هو عدم اتخاذها كقنوات ومشاتل لتربية وتكوين الأطر والقيادات المستقبلية للدولة، إذ الدولة المخزنية قد شكلت مشاتلها الخاصة، وفق معاييرها الخاصة. والتي لا مكانة فيها لشيء اسمه الكفاءة والإخلاص والجودة والجدية والمواطنة.

لذلك أصبحت مشاتل الأطر المخزنية أكثر جاذبية وبريقا من مشاتل الأحزاب التي أصبحت لا تنبت إلا النبتات الشوكية والمرة المذاق، بحكم أحوال الطقس والمناخ السياسي العام، المتأثرة بالرياح المخزنية الحارة والجافة، التي اجتاحت كل شيء.

نعم لدينا أحزاب تفتقد إلى الديمقراطية الداخلية، وفي حاجة إلى تجديد ثقافتها السياسية ورفع سقف مطالبها الإصلاحية، وعدم انتظار الإشارات من الأعلى لتناول الملفات والمشاكل اليومية للمواطن، وفي حاجة الى تأهيل أدواتها التنظيمية، وتجديد الدماء في هياكلها، لا أحد ينكر هذا.

ولكن لنعد إلى الحديث عن ما كان يسمح به الواقع السياسي المؤطر لعمل هذه الاحزاب، وتحديدا واقع ما قبل دستور 2011 ، هذا الواقع الذي أفرز هذه الأحزاب بكل عللها، واقع تسعى بعض هذه الأحزاب السياسية إلى تغييره، والبعض الأخر منها إلى تكريسه من خلال ممارسة حقها في صناعة القرار السياسي بالولوج إلى البرلمان بمجلسيه.

فتأهيل المشهد السياسي وتطويره، ليست الأحزاب وحدها من تتحمل فيه المسؤولية، بل الدولة بالدرجة الأولى، وليس بواسطة صياغة قانون الأحزاب فقط ، أو غيره من المساطر التنظيمية، على أهميتها، بل بإعادة الاعتبار والجاذبية للعمل السياسي والأحزاب السياسية من خلال جعلها تؤذي وظيفتها الطبيعية في التأطير والتكوين والتربية السياسية وجعلها قنوات للوصول إلى مراكز صناعة القرار السياسي الحقيقي، وهذا ما سيخلق حراكا سياسيا واجتماعيا داخلها، مما يدفع إلى دمقرطتها، وضخ الدماء الجديدة فيها.

وهذا لن يتأتى إلا بإرساء أسس حياة سياسية ديموقراطية حقيقية، قائمة على قواعد دستورية واضحة وشفافة، توفر البيئة السليمة لممارسة العمل السياسي المنتج، والتي تسمح لكل مواطن بالمشاركة في صناعة القرار الذي يهم حياته اليومية، سواء كان محليا أو جهويا أو وطنيا. لا بد للأحزاب السياسية أن تعيد النظر في طريقة تفعيلها للقواعد الدستورية التي تحدد المسؤوليات السياسية في تدبير الشأن العام بشكل دقيق، وهذا ما سيفرض إعادة بناء أحزاب سياسية حقيقية ذات مشاريع مجتمعية واقعية ، وبرامج سياسية حقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 4 سنوات

    مقال جميل حاولت من خلاله الكاتبة تسليط الضوء على الواقع السياسي الاجوف بالمغرب،وقد اصابت في كثير مما قالته من وجهه نظري