وجهة نظر

سؤال الساعة بالنسبة لأحزابنا؟

لا شك أن سؤال الساعة، الحارق والمحرج، الذي ينبغي أن تطرحه أحزابنا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو: كيف يمكننا أن نعيد الثقة للمواطنات والمواطنين والشباب خاصة، في المؤسسة الحزبية؟

بداية، لماذا يجب طرح هذا السؤال ، الآن بالذات؟

أجدني ممن يعتقدون،  أن مجموعة من المخاطر تحف ببلدنا، في غياب الوساطة الحزبية بين الدولة والمواطنين والمواطنات. وأبرزها، ازدياد فقدان ثقة الشباب في الأحزاب. وعلينا أن نعترف لأنفسنا بهذه الحقيقة وإلا سنستمر في تجاهلنا للواقع وهو ما لا يقبله ولا يستسيغه العقل.
ولتجيب أحزابنا بواقعية على سؤال الساعة المطروح في مقدمة هذه الورقة المتواضعة، عليها أن تستحضر مجموعة من المعطيات الداخلية والخارجية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

• أن جل الشباب المزداد، في بلدنا، منذ التسعينيات من القرن الماضي على الأقل، يجهل تماما تاريخ الأحزاب العريقة، وقياداتها، ومتاعب ومعاناة مناضليها من أجل الحريات العامة ونزاهة الانتخابات. ومن أجل حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير…

• وأن صناع العولمة، قد نجحوا في تشيئ الإنسان ( la chosification de l’Homme). نجحوا في نشر قيم الانتهازية والحب الزائد للذات، ليسود نمط واحد ووحيد للثقافة، ثقافة الاستهلاك. استهلاك الموضة، و” دجينز ” ، والدراجات النارية، وحلاقات المغنيين….ولنا أن نستمع إلى الأغاني الذائعة الصيت، لنقيس مستوى الذوق والثقافة لدى الشباب. إنها الثقافة الزائفة.

• وأن التصويت الأخير في تونس على شخصية غيورة على وطنها، بارزة في الجامعة، مختصة في القانون الدستوري، غير منتمية لأي حزب سياسي، هو تصويت عقابي بالدرجة الأولى للأحزاب السياسية. مضمونه، نحن في حاجة إلى من يستمع لنبض الشعب ولا يستهتر بمطالبه الاجتماعية. ولا أحد يشك في ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى أشقائنا وإخواننا في تونس الخضراء.

إن المطالب الاجتماعية هي العنوان البارز لكل انتفاضات الشعوب العربية منذ 2011 ولحد الآن، انتفاضة الشعب اللبناني مثال حي نتتبع أطوارها بحصرة عبر وسائل الإعلام العربية والدولية.

نعم، للأمانة، ففي الضفة الأخرى كذلك، لم يعد جل الشباب الأوروبي يثق في العديد من الأحزاب التي مارست الحكم. وهي حقيقة يؤكدها الحوار المباشر مع الشباب المغربي المزداد بفرنسا مثلا، ويعيش فيها. ومع انتشار البطالة والتطرف استفادت، وربما ستستفيد أكثر، الأحزاب الشعبوية من أزمة الثقة هذه. غير أن متابعة الأحداث عبر وسائل الإعلام الحر، تبين أن المستوى المتقدم للتعليم والديمقراطية، يحول في الكثير من الأحيان دون وقوع الانزلاقات السياسية الخطيرة في العديد من الدول الأوروبية.

فما العمل؟

يبدو أنه لإعادة الثقة لدى العديد من الشباب خاصة، في أحزابنا والرفع من مستوى الانخراط فيها كذلك، لا بد من توفر جملة من الشروط:

أولها، أن يقوم كل حزب بإصلاح بيته من الداخل، بهدوء. مرتكزات هذا الإصلاح هي الممارسة الديمقراطية الداخلية، حيث تكون الكفاءة والإخلاص لمبادئ الحزب وأفكاره ومرجعياته والانتخاب النزيه والشفاف، هي المعايير الرئيسية للترقي داخل الحزب. وليس هذا المطلب من باب التبخيس، وإنما من باب الغيرة على هذا الوطن الذي نحبه جميعا.

ولا شك أن الرسائل التي تتضمنها الخطابات الملكية السامية بالغة الدلالات، لتقوم الأحزاب بالأدوار المنوطة بها دستوريا.

وثانيها، تشبيب القيادات الحزبية. وهنا، لا بد من الوقوف احتراما وإجلالا لبعض القيادات الوطنية التي تخلت طواعية عن الزعامة الحزبية لتترك المجال للشباب، إيمانا منها بأن مصلحة الوطن تعلو عن المصالح الذاتية مهما بلغ شأنها.

وثالثها، ضرورة تغيير لغة الخطاب الحزبي الموجه خاصة إلى الشباب. والمقصود، مخاطبته بلغة العصر. وهنا مربط الفرس. فلا يمكن البتة أن ينجح أي حزب في تحقيق ذلك إلا من خلال تشبيب الزعامات، لأن لكل عصر رجاله ونساؤه. والكفاءات الشابة التي تتوفر فيها الشروط العلمية للقيادة موجودة بوفرة في وطننا.

ورابعها، أن تتنافس الأحزاب بمختلف مرجعياتها، من خلال برامج وسياسات عمومية تجد طريقها إلى التنفيذ بطرق حديثة وعصرية. وقد يفرض التنافس السياسي إنشاء تكتلات قوية بين الأحزاب التي يمكنها ذلك، لإنجاز البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق مصالح المجتمع.

وليس من باب البالغة القول، إن العديد من الأحزاب تقدم أوراقا لبرامج متشابهة فيما بينها، وقت الانتخابات. وهو ما يعني عدم توفرها على دراسات علمية، تؤسس لبرامج واضحة وتصورات واقعية لما ينبغي أن تكون عليه السياسات العامة بوطننا. والنتيجة، ازدياد منسوب عدم الثقة لدى المواطنين والمواطنات، وبصفة خاصة لدى الشباب.

ويبقى المهم أن تتوفر الأخلاق السياسية التي تعني من بين ما تعنيه بالنسبة للمواطنات والمواطنين: الوفاء بالوعود الانتخابية والاستماع المستمر لنبضهم من طرف ممثليهم بالجماعات والجهات والنقابات.

هذه المتطلبات التي هي ضرورات اليوم لإعادة الثقة في العمل الحزبي والأحزاب، ليست من باب الخيال أو الأوتوبيا ( utopie). وإنما كانت، وما زالت، هي الأسباب الحقيقية لتقدم الدول في الشمال. فالتنمية في مختلف أبعادها لا تتحقق إلا بوجود دراسات علمية وسياسات عمومية واقعية، تنسجها الأحزاب التي تعرف أن وظيفتها الحقيقية هي المشاركة في الحكم كلما حظيت بثقة الناخبين والناخبات.

والمعارضة الحقيقية هي التي تسهم بانتقاداتها البناءة، وبأفكارها، وبرامجها المقترحة، وبمراقبتها للعمل الحكومي انطلاقا من المعرفة الدقيقة بالقوانين المعمول بها في البلد. وهنا تبدو الحاجة إلى الكفاءات المختصة ليس فقط في القانون ولكن في كل المجالات. فالسياسة فن وعلوم وممارسة ميدانية.

ولا ديمقراطية ولا تنمية بدون أحزاب تمارس السياسة في بعدها النبيل.

ختاما، مرة سئل اليساري ” لويس ألستر ” بعد عودته إلى وطنه الأم البرتغال: هل سينجح اليسار البرتغالي؟

أجاب بكل تأكيد، ما عدا إذا بقي مشروطا إلى قبور مناضليه.

وهو شرط مطلوب اليوم وبإلحاح بالنسبة لكل الأحزاب الجادة في وطننا العزيز، وفي الوطن العربي برمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *