وجهة نظر

مشروع قانون مالية 2020 ورهان كسب وتوطيد الثقة..

يعتبر مشروع قانون مالية 2020 مشروع مركزي ومفصلي بالنسبة للحكومة الجديدة، خصوصا وأنها السنة الوحيدة المتبقية عمليا (باعتبار أن السنة المتبقية هي سنة انتخابية بامتياز ) لها من أجل أن تترك بصمتها، وتبدأ في تنزيل أكبر عدد ممكن من الاجراءات الضرورية والاستعجالية القادرة على معالجة الاشكالات الاجتماعية والاكراهات المالية التي تعرفها بلادنا. وهو مشروع ينتظره الالاف من الشباب حاملي المشاريع، والالاف من المقاولات الصغيرة جدا، والالاف من المقاولين الذاتين، الذين تم التطرق إلى معاناتهم مباشرة من طرف جلالة الملك في خطاب الدخول التشريعي، والذي دعا فيه جلالته الحكومة والبرلمان إلى ضورة تجويد النصوص القانونية والاسراع في تنفيذ الاصلاحات وتنزيل المشاريع على أرض الواقع من أجل تحسين وضعية هؤلاء ومعهم الفئات الفقيرة والهشة والطبقة المتوسطة، ولم يقف إلى هذا الحد بل توجه جلالته بتعليمات واضحة ومباشرة للفاعلين الاقتصادين والقطاع الخاص، خصوصا القطاع البنكي والمالي الوطني من أجل تعزيز انخراطه في عملية التنمية والمساهمة في دعم صمود وتطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

لقد أراد ملك البلاد أن تكون هذه السنة، سنة لكسب رهان “إرجاع وتوطيد الثقة” في الاحزاب السياسية، وفي البرلمان، وفي الحكومة وفي الفاعلين الاقتصادين والماليين والاجتماعين، لتكون هذه الكلمة – أي الثقة- هي الارضية والقاعدة الصلبة التي سيشيد عليها النموذج التنموي الجديد.

من خلال مدارسة الاوراق المرفقة مع مشروع قانون المالية لسنة 2020، فإن هذا الاخير يرتكز على 3 محاور كبرى حددتها التوجهات الملكية الواردة اساسا في خطابي عيد العرش وثورة الملك والشعب وخطاب الدخول البرلماني لهذه السنة، والتزامات الحكومة في برنامج عملها، وهي تشكل الاولويات الوطنية:

مواصلة دعم السياسات الاجتماعية (التعليم والصحة والتشغيل والسكن)، وذلك باعتماد رزمانة من الاجراءات النوعية، تبتدأ (1) بتسريع تفعيل إصلاح منظومة التربية والتكوين عبر تنزيل القانون الاطار رقم 51-17 والحرص على احترام بنوده، مع مواصلة التعميم التدريجي للتعليم الأولي مع تعزيز الدعم الاجتماعي للتمدرس؛  (2) العمل على تجويد ملائمة التكوين والتشغيل بغية تحسين نسبة التشغيل في صفوف الشباب، وذلك تعميم إحداث المسارات المهنية وتقوية المكتسبات اللغوية وتحقيق التكامل بين المستويات التعليمية والتكوين المهني؛ (3) تفعيل خارطة الطريق لتطوير التكوين المهني حسب ما جاء في التوجهات الملكية في 4 أبريل 2019 وذلك من قبيل إنشاء مدن الكفاءات والمدن، وتحديث الطرق التربوية وتحسين المهارات المهنية واللغوية؛ (4) التركيز على تحسين وتعميم الخدمات الصحية وضمان ولوج المواطنين لخدمات صحية جيدة تحافظ على كرامتهم مع مواصلة تنفيذ مخطط الصحة 2025؛ (5)  دعم ولوج الطبقات الفقيرة والمتوسطة للسكن اللائق عن طريق تعزيز العرض السكني وتحسين الولوج إليه ومحاربة مدن الصفيح.

تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وإرساء آليات الحماية الاجتماعية، حيث ستتخذ الحكومة مجموعة من التدابير الاستعجالية، والمتمثلة في، (1) مواصلة تفعيل البرنامج الملكي للحد من الفوارق المجالية والاجتماعية في العالم القروي حيث سيتم تخصيص 4  مليار درهم كاعتمادات التزام برسم سنة 2020؛ (2) تنفيذ التزامات اتفاق الحوار الاجتماعي وذلك بخصيص 6,079 لسنة 2020، تضاف إلى 5,3 ملايير درهم برسم 2019؛ (3) توسيع التغطية الصحية الاساسية وتصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج المساعدة الطبية “راميد”،  وتطبيق القانون 98.15 بشأن نظام التأمين الاجباري الاساسي عن المرض لفائدة المهنيين والعمال المستقلين والاشخاص غير الاجراء، بالموازاة مع توسيع التغطية لفائدة الطلبة؛ (4) إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية وذبك بتفعيل آليات استهداف الفئات في وضعية فقر وهشاشة، وذلك عن طريق التعميم التدريجي للسجل الاجتماعي الموحد؛ (5) مواصلة دعم المواد الاساسية عن طريق توفير الموار المالية لأداء تحملات صندوق المقاصة وبرمجت ما مقداره 14,64 مليار درهم لهذا الامر؛

إعطاء دينامية جديدة للاستثمار ودعم المقاولة، والهدف من هذه الاولوية هو الرفع من وتيرة النمو الوطني وإحداث مناصب الشغل وتحفيز التصدير، وسيتم ذلك عن طريق: (1) دعم الاستثمار العمومي وتعزيز فعاليته وإطلاق جيل جديد من المشاريع الكبرى واعتماد طرق بديلة ومبتكرة لتمويلها وقد تم تخصيص ما مقداره 198 مليار درهم للاستثمار العمومي؛ (2) تحفيز الاستثمار الخاص الوطني والاجنبي وذلك بتحسين مناخ الاعمال واعتماد الميثاق الجديد للاستثمار، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار؛ (3) دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة عبر إحداث صندوق ترصد له 6 ملايير درهم على مدى 3 سنوات يوجه للعمليات المرتبطة بدعم الخريجين الشباب وتمكينهم من الحصول على قروض بنكية لتمويل مشاريعهم، وكذا دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في مجال التصدير وخاصة نحو افريقيا؛ (4) دعم المقاولة وذلك بالحرص على تقليص آجال الأداءات وتسريع الإرجاعات ومواصلة تصفية دين الضريبة على القيمة المضافة المتراكم وقد خصصت لهذه السنة 10 ملايير درهم ؛ (5) دعم التصدير والشركات المصدرة وتعزيز تنافسيتها واستفادتها من مختلف اتفاقيات الشراكة واتفاقيات التبادل الحر التب أبرمها المغرب مع مجموعة من الدول؛ (7) تحفيز القطاع غير المهيكل ومساعدته على الاندماج التدريجي في الدورة الاقتصادية الوطنية.

بالإضافة إلى هذه الاولويات الثلاث فإن الحكومة ستواصل الإصلاحات الكبرى المهيكلة من قبيل إصلاح منظومة العدالة، ومكافحة الفساد، وتنزيل ميثاق اللاتمركز الاداري، وإصلاح الادارة العمومية، وتنزيل الاصلاح الجبائي، ومواصلة إصلاح نظام التقاعد.

اعتبارا لما سبق، وكما أكد عليه وزير الاقتصاد والمالية أثناء عرضه لمشروع القانون أمام أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، فإن مجموع الالتزامات المالية المرتبطة بإعداد مشروع قانون مالية 2020 والذي يجب على الحكومة توفير الموار المالية لها سيؤدي إلى ارتفاع عجز الميزانية إلى 4,8 في المائة، لهذا اتخذت الحكومة بعض التدابير من أجل الحفاظ على التوازنات المالية والمتمثلة في ترشيد النفقات المرتبطة بتسيير الادارة حيث سيتم تقليص هذه النفقات ب 1 مليار درهم؛ كما سيتم اللجوء إلى آليات التمويل المبتكرة في إطار الشراكة المؤسساتية مع التدبير النشيط لأملاك الدولة والمؤسسات العمومية، مما سيمكن من توفير 12 مليار درهم؛ بالإضافة إلى مواصلة عمليات الخوصصة مما سيمكن من استخلاص 3 ملايير درهم. وبفضل هذه الاجراءات الثلاث، ستتمكن الحكومة من توفير 16 مليار درهم والتحكم في عجز الميزانية في نسبة 3,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

هذا وقد اعتمدت الحكومة في إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020 على 6 فرضيات هي كالتالي:  نمو الناتج الداخلي الخام ب 3,7 في المائة، تحقيق محصول زراعي متوسط في حدود 70 مليون قنطار، سعر البترول في حدود 67 دولار للبرميل، سعر البوتان 350 دولار للطن، مع 9,5 كسعر صرف الدولار  مقابل الدرهم، وتحديد الطلب الدولي الموجه للمغرب في 3,5 في المائة دون احتساب منتوجات الفوسفاط ومشتقاته.

أعتقد أن مشروع قانون مالية 2020، هو مشروع مؤسس، وجب على جميع الفاعلين من أحزاب وحكومة وبرلمان وفاعلين اقتصاديين وماليين العمل يدا بيد من أجل تجويده، وإقرار تدابير جريئة تكون قادرة على كسب رهان توطيد الثقة والمكتسبات، ومواصل البناء الديمقراطي، وتعزيز نجاعة المؤسسات، وتدعيم التنمية الاقتصادية، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية.

* عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية / اقتصادي وباحث في السياسات العمومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *