وجهة نظر

أروع فيلم شاهدته في حياتي

حدثت الأصدقاء على صفحتي في فيسبوك مؤخرا عن أروع فيلم شاهدته في حياتي دون أن أذكر عنوانه، وأنا الذي شاهدت مئات ـ أو قل آلاف ـ الأفلام لسنوات عديدة وما علق في الذاكرة منها قليل..

فيلم ”الرسالة“ بطبيعة الحال خارج عن التصنيف، لأنه صار مرتبطا بكياننا منذ الصغر، ولم يعد فيلما بل عمرا كاملا، أكثر منه عملا فنيا..

عموما، كنت سأرد بتدوينة وأكشف عن عنوان الفيلم المقصود وبعض من تفاصيله، لكن بصدق، لروعة هذا الشريط السينمائي، ولاستفزازه العقل والمشاعر، آثرت أن أحرر هذه السطور للحديث عنه..

من منا حاول استرجاع اللحظات الأولى لنزول الإنسان على أرض هذا الكوكب الأزرق الجميل؟ من منا حاول تنسم هواء الفطرة التي خلقنا الله عليها، قبل أن تغطيها طبقات من الغبار الأيديولوجي والفكري والسياسي و“المصالحي“ الذي طوره بنو البشر للسيطرة على الناس باسم المصلحة أو الحدود أو الدين؟

لا يهمهم في ذلك بطبيعة الحال رسالة الخالق الواحد للخلق، والتي لا يخرج مضمونها عن معرفة الناس بخالقهم معرفة سليمة صحيحة، والعيش بسلام في هذه المغامرة على الأرض، في انتظار أن نرجع إلى دارنا الأصلية، لأن هذه التي نعيش فيها هي مجرد دار ضيافة لا أقل ولا أكثر.. وهي حقيقة نتفاداها لأنها تذكرنا بالزوال، ونفسنا تتوق إلى الخلود، وهيهات..

جئنا إلى الأرض بهذه الحقيقة البسيطة الواضحة، ثم مع مرور الوقت وتعدد المصالح والشهوات، نسينا أو تناسينا..

وتحدث كثيرون باسم الله، وعوض أن نعبد الخالق الذي خلقنا، صنعنا نحن البشر آلهتنا بأيدينا ـ حجارة، أو امتيازات، أو أموالا، أو أحزابا، أو تنظيمات، أو أنظمة ـ ثم منحناها أسماء، وعبدناها بحجج كثيرة، وأدخلنا الدجالون الانتهازيون الوصوليون في دوامة صراعات وخلافات لا تنتهي إلا بحماية مصالحهم هم، فضاع الطريق أو يكاد..

وكانت إضاعة الطريق نتيجة طبيعية لاتباع تلك الآلهة المصطنعة، وبقدر ما تضخمت مصالح الدجالين باختلاف مسمياتهم الحقيقية، بقدر ما تراكم جهلنا وتخلفنا وغرقنا في الفهام (جمع فهم) الخاطئة والممارسات المتبلدة، وضعنا في زحمة تفاصيل تفاصيل التفاصيل، فصار من سابع المستحيلات بالنسبة لنا تذكر الصورة الأصلية البسيطة السهلة الواضحة التي جئنا عليها..

بل أكثر من ذلك، من نجح في تخطي غرق جهل القرون، صرنا ننظر إليه على أنه كائن غريب يٌرمى بكل النعوت، ونتعاون على محاربته، ليس لأجل مصالحنا نحن، بل لأجل مصالح الآلهة العديدة التي صنعناها بأنفسنا وجعلنا لها المكان الأعلى في قلوبنا وعقولنا بتبريرات مختلفة هي أكثر وهنا من بيت العنكبوت.
ذلك ما يحاول فيلم ”الثمل“ أو ” Pk” للفنان الهندي المميز عامر خان، إبرازه !

نعم إنه فيلم هندي يا أصدقاء، وقد أقنعني أصدقائي بضرورة مشاهدته، وهم يعرفون عني ابتعادي عن الأفلام الهندية التي لم أشاهد إلا قلة قليلة منها منذ نحو عشرين عاما، لطولها ولنمطيتها..

لكن منذ ”الثمل“ بدأت أتابع أفلام عامر خان، ودهشت لاكتشافي نمطا جديدا في الأفلام الهندية مختلف جدا عن سابقيه، ليس على مستوى المضمون فقط، بل على مستوى الشكل والأداء.. مبدع حقا..

”الثمل“ حل بكوكب الأرض لدراسته، فسرقت منه بوصلة العودة، وخلال بحثه عنها للرجوع لموطنه الأصلي، اكتشف بني البشر، وكيف يتاجرون بالمشاعر.

وكيف يتاجرون بالمشاعر والأحلام والأفكار حماية لمصالحهم، كل على حدة.. وفي الفيلم سمي بـ“الثمل“ لأنه عند بثه شكواه من الآلهة المختلفة وكيف استغل عدد من عبدتها طيبته لبيعه الوهم بدلا من الحقيقة مقابل ثمن قليل، كانوا يتهمونه بالثمالة لأن ما يتلفظ به من أفكار ومعاني لا يجرؤ عليها سوى السكران !حتى تلك الصحفية الجميلة ”جاغو“ التي ساعدته على استرجاع بوصلته، ومنحته الفرصة لفضح المتاجرين بجروح الناس وأحلامهم وآمالهم وحاجتهم الفطرية لعبادة الخالق وذلك باسم الله الخالق، اتهمته في بداية لقائها به بأن ثمل، بعد أن حكى لها قصته وكيف جاء من كوكب آخر وسرقت منها القلادة التي تمكنه من العودة لموطنه..الحب هو الحل، كما جاء في خلاصة الفيلم، وشخصيا أتفق مع ذلك، لأننا متى أحببنا بعضنا البعض اقتربنا من إنسانيتنا.

وفسحنا المجال لمناقشة اختلافاتنا وخلافاتنا، وربما نستطيع أن نجد الطريق إلى العودة معا إلى موطننا الأصلي، بعد هذا التيه الطويل..وحتى إن لم نتمكن من ذلك، على الأقل سنضمن أن نعيش جميعا في سلام مع احترام كامل لمعتقداتنا المختلفة، ثم نتحاكم يوم اللقاء عند القاضي العدل، الخالق سبحانه..

فيلم ”الثمل“ به تفاصيل كثيرة لا يمكن الحديث عنها في فضفضة سريعة، وليس أفضل من مشاهدته وتلمس التأملات التي يدعو لها.. قد لا يعجبك هذا الفيلم، أو قد لا ترى أنه فيلم العمر، لكن صدقني سيستفز فكرك للبحث والتنقيب بغاية الفهم أولا وأخيرا.. هذا ما أتمناه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *