وجهة نظر

إضاءات حول الزواية الدلائية

“الملتقى الأول للتراث بخنيفرة” حمل شعار “معا لتثمين التراث المحلي” و بالزاوية الدلائية وقف المحاضرون المستطلعون تظهر على محياهم الدهشة و خيبة الأمل عند آثار لا يعرفون مبتدأه و لا منتهاه على الواقع؛ كذالك يستمر تيه الباحث بين المراجع الرافعة من شأن “أيت إديلا” و بين التاريخ الرسمي الذي لا يشير الى الزاوية إلا تلميحا و في بضعة سطور مع حذف صفحات لطمس عهد سياسي لم يسلم منه سوى أقواس و أحجار على أحجار، ففي غياب مندوبية للسياحية محليا تنشط جمعيات متمسكة بالآثار الإنساني تقبله كما هو في أفق خلق تنمية مجالية و من خلالها سنحاول جمع معلومات خرائط تركيبية/تفكيكية تربط التاريخ بالجغرافيا.

الزاوية الدلائية ، يعرف أتباعها بالدلائيين و أهل الدلاء و أيت إديلا.. زاوية “أيت إديلا” ورد اسمها بصيغته الأمازيغية و ترجمة معناه للعربية هو؛ زاوية “أهل الخير” و الخير هنا يجمع بين الثروة الطبيعية و العلمية الدينية.. أما “إديلا” مصطلح أمازيغي بصيغة الجمع على أن مفرده “أدال” و هو صنف من اللون الأخضر يُتداول فقط في النسيج التقليدي كرموز خطية تزين المنسوجات الصوفية و خصوصا الحصير المنسوج من الدوم الأخضر.. كما أن الأخضر رمز الخصب.

التاريخ الدلائي بالأطلس مدته مائة و ثلاثين سنة (من 1536م الى 1668م) و هي زاوية جمعت بقايا قبائل صنهاجة و أيت مجاط.. (موطنهم ملوية المتواجدة بمنطقة بومية و تونفيت حاليا) بل إن الدلائيون شكلوا تطلعات إتحادية إدراسن المنتشرة جنوب الأطلس المتوسط شمال الأطلس الكبير؛ من وادي العبيد اتجاه القباب كروشن، و “ملويت” ملوية مشكلة من صنهاجة و مجاط و أيت أوفلا أيت أولال، آيت تيمور، آيت عياش، آيت إسحاق، آيت مطير(نظير).. إذن موقع بداية الدلائيين يمتد على طول الجبال الغابوية جنوب خنيفرة المطلة على الطريق الثانوية رقم 24 التي تمر على أگلمام تابخانت قرب القباب و سيدي يحيى اوساعد وصولا الى “معهد الفلاحة بنخليل” على الطريق الوطنية رقم 8 وصولا الى نهر أم الربيع بالآزغار جماعة موحى اوحمو الزياني و قيادة القباب إقليم خنيفرة.

الزاوية الدلائية بمنطقة امعمر تأسست في أواخر الدولة السعدية من طرف أبي بكر بن محمد بن سعيد، الذي توفى و دفن بزاويته البكرية سنة 1612م، تولى الابن “محمد الحاج” القيادة الدينية و السياسية و هو أحد علماء العصر الوسيط الذي نقل مقره سلطته الى زاوية جديدة المسماة حاليا ب “أيت إسحاق” سنة 1638م، أيت إسحاق أو أهل إسحاق، شيدت لما ضاقت الزاوية الأولى بالأتباع و صارت قوة سياسية و كذلك لتصبح وسط القبائل التابعة لها و لعل ذلك ما يفسره الموقع الحالي لأيت إسحاق كمركز محاط باتجاهات قرى مثل: بوحرى، تانكويت، معمر، تغرمين، تغرمت نايت حمو و أوراش.. في مساحة تقدر ب225كلم مربع.

الأكيد أن صرامة الجبل جعل السكن متفرقا حول المركز، منتشرا على ضفاف وديان و مسلات و عيون.. بمثابة روافد نهر أم الربيع أهمها وادي بن خليل “كراب” الذي نشأت على ضفافه حضارة الدلائيين من جامعة و زروع و مطاحن و فخار.. كما أن كل أسماء القرى المذكورة تحمل آثار معمار و قناطر و علامات تاريخية لا يحسم فيها إلا البحث الايركيلوجي لأن الزاويتين معا تعتبران من العمران السياسي الذي تم دكه و حرقه.. و لم يسلم أو لم يشفع لما تبقى سوى قبر ضريح أبي بكر بن محمد.

الضريح بمنطقة امعمر شاهد الى جانب أقواس مسجد الزاوية و حجر صومعة المسجد الكبير لأبي بكر الدلائي و أسوار و أحجار على أحجار تجمع بين البناء الطيني (بناء اللوح، تربة طين جيري) و الحجر الكلسي و البناء بالآجور الأحمر (علما أن اتجاه أوراش به مقالع لطين الفخار في هضاب الحمري و بأيت إسحاق معمل للآجور الأحمر) الشريط الممتد جنوب خنيفرة اقتصاديا مرتبط بالأسواق الأسبوعية للإقليم، و يعتمد فلاحة معاشية و الرعي و تربية الخيول، كما أن المجال يوفر فرص شغل موسمية لجني الزيتون و التفاح.. كما بدأت تظهر وحدات فلاحية عصرية لغرس الورديات، بالإضافة الى تواجد وحدة فندقية بأيت إسحاق معمل آجور و ثانوية الحسن اليوسي و مقالع بأماكن متفرقة و مطاحن الزيتون..

و إذا عدنا لأهم الأحداث التاريخية للدلائيين؛ محمد اوالحاج اهتم بالعلوم و الدين و خاض في السياسة تراجع عن الصحراء الى جبل بني عياش للمولى محمد الشريف و مادون ذلك الى ناحية الغرب فهو لأهل الدلاء]1*[ لما تولى الرشيد نقض الاتفاق و حارب الدلائيين و خرب زاويتهم القديمة و الحديثة تتويجا لنصره في معركة “بطن الرمان”]2*[ حينئذ تم ترحيل ما بقي من مراجع الزاوية لفاس، فر من استطاع من علماء و اشتغل آخرون في مجالات عدة، تم إرسال محمد اوالحاج و أولاده و أقاربه الى فاس، لبثوا فيها مدة بعدها تم تغريبهم الى تلمسان الجزائر ]3*[ الحسن اليوسي أحد علماء المغرب في العصر الوسيط، سلم من السخط و النفي لأنه لا دخل له في السياسة، استطاع أن ينقل وقائع انهزام الدلائيين، و ما حل من خراب و أن يكون الوحيد الذي كرم أيت إديلا برائية في رثاء الزاوية مؤسسا لأدب المأساة، فانهيار تلك الحضارة أثر في نفسه فخلدها بقصيدته الرائية المشهورة بمطلعها:

أكلف جفن العين أن ينثر الدرا…. فيأبى و يعتاض العقيق بها جمرا
و أســأله أن يكتم الوجد ساعـة…. فيفــشي و إن اللـوم آونـة أغـرى

ولد الحسن اليوسي سنة 1629م بقبيلة آيت يوسي البربرية، درّس بفاس و بمراكش و كان تفوقه العلمي مصدر توجس و كيد منافسيه على أن السلطان كان يحضر دروسه و كان الوحيد الذي في مستطاعه إسداء النصح للمولى اسماعيل، خلف اليوسي عدة مؤلفات، تُوفي و دُفن بصفرو يوم 11 ديسمبر 1691م.

رائية الحسن اليوسي وردت كاملة في النبوغ المغربي لعبد الله كنون ]4* [في رثاء الزاوية الديلائية تتكون من 162 بيتا قام محمد الحاج الديلائي بشرحها في جزئين لم يتممهما، و أتم الشرح قريبه بعد وفاته، كما قام كل من محمد بن أحمد الفاسي، و محمد بن مهدي بن سودة بشرحها في ستة مجلدات، كما خُصصت للزاوية عموما العديد من المؤلفات و الفصول..

آثار اليوسي اهتم بها العرب و المستشرقون، و كانت محل دراسات بيبليوغرافية.. كما أن الزاوية الدلائية و أعلامها لا تزال محط بحوث لنيل الإجازة و الدكتراه في المغرب و الجزائر.. على أن محمد اوالحاج تم نفيه للجزائر و هناك تم نشر كتاب “مفاخر البربر” لمؤلف مجهول يرجح أن يكون لمحمد اوالحاج. كما أن من علماء الزاوية و أبرزهم؛ الحسن اليوسي، حمدون الأبار، محمد العكاري دفين مراكش و علي العكاري دفين الرباط، باعمران الفاسي، المقري صاحب نفح الطيب، محمد الولالي، سعيد المرغيطي عمر المجاطي محمد العربي الفاسي مؤلف “مرآة المحاسن”..

لقد استقطبت الزاوية العلماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي، و كانت زاوية للعلم و الإيواء ازدهرت فيها جميع أنواع العلوم و المعرفة من علوم و فقه و تفسير و رياضيات.. كانت مكتبتها تضم حولي 10ألف مجلد و يقدر عدد الطلبة المتوافدين عليها ب 7ألف طالب و حوالي 1400حجرة تدريس، مطاحن القمح بها كانت تطحن 265 قنطار في اليوم..

حمل مشروع الدلائيين السياسي بذور فشله في اختياراتهم و توجهاتهم؛ وقفوا على حتف أعدائهم و تراجعوا لمكانة الأعداء في نفوسهم؛ توقفوا في وادي العبيد دون مراكش ثم عقدوا صلحا و هم في أوج قوتهم فكلفهم غاليا. فرغم سيطرتهم على جل مناطق المغرب و مبايعة أهل فاس لهم و عقد اتفاقيات مع فرنسا و انجلترا.. إلا أن ضعف أجهزتهم و عدم جمعهم بين الدين النصيحة و السيف كما فعل العلويون بلا رحمة.. بدأ الرشيد حملته من فاس و انتصر على الدلائيين بجبل ثور قرب خنيفرة في معركة بطن الرمان سنة (1079 هـ1668م) و هدم زاويتهم و تصدى للدلائيين بالنفي إلى فاس وتلمسان و غيرها..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المراجع المعتمدة:
-1*النبوغ المغربي عبد الله كنون ج1 ص 269.
-2* الزاوية الديلائية محمد حجي ص 253.
-3*الإستقصا، الناصري ج7 ص37.
-4*النبوغ المغربي عبد الله كنون، ج3 ص853.
– الزاوية الديلائية و دورها في إثراء الحركة الأدبية ، شريف الهداية و اسماعيل آيت عبد الرفيع، تاريخ النشر 25/07/2008، نقلا عن الفقيه أبو علي اليوسي نموذج الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية، عبد الكريم العلوي المدغري، نشر وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية 1409هـ 1989م…
– معلومات جغرافية رسمية.
– جولة ميدانية على “مسارات الأضرحة” من تحديد ” نادي أسمون نعاري للسياحة و الرياضة الجبلية بخنيفرة”؛ في اتجاه الزاوية الديلائية عبر القباب سيدي يحيى اوساعد سيدي علي أمهاوش و معارك الجبل.. و من خنيفرة في اتجاه أيت اسحاق مرورا بزاوية تامسكورت مزضلفان أم الربيع و أوراش..
– الموضوع كان مشروع ورقة تأطيرية لزيارة استطلاعية الى الموقع الأثري” الزاوية الدلائية” ضمن برنامج “ملتقى روافد الأول للتراث” بخنيفرة أيام 23/24 نونبر 2019 تحت شعار “معا من أجل تثمين التراث المحلي” الملتقى من تنظيم “مركز روافد للأبحاث و الفنون و الإعلام بخنيفرة” بدعم من مجلس جهة بني ملال خنيفرة و الجماعة المحلية و بتعاون مع المديرية الإقليمية للتربية الوطنية و المركز الثقافي المحلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *