وجهة نظر

أضواء على مشروع قانون العاملين الاجتماعيين بالمغرب بين الحاجة المجتمعية وتحديات التنزيل

وأخيرا أخرجت الأمانة العامة للحكومة نصا قانونيا ينتظره الالاف من العاملين والمتطوعين في العمل الاجتماعي ،هذا النص الذي من شأنه ان يعالج إشكالية العمل الاجتماعي بالمغرب بعد أزيد من 60سنة من العمل بدون نص واضح ينظم مجموعة من الاعمال والمهن التي تدخل ضمن مهنة العمل الاجتماعي ،ولذلك سنسلط الضوء على هذا النص بلغة علمية بعيدة عن لغة الخشب ،كما ان هذا المشروع هو بداية لمأسسة قطاع اجتماعي من شأنه ان يساهم في اخراج دينامية اجتماعية واقتصادية لفئات عريضة تشتغل بدون هوية أو نص حمائي لها ،انها بالفعل حاجة مجتمعية في وضع اجتماعي يتسم بالتغير وتعدد الظواهر الاجتماعية ،ولذلك فاهم تحدي بعد اخراج هذا النص بطبيعته المعيارية وبأبعاده الحقوقية ،وبفلسفة إخراجه التي اتسمت بالتوازن وتدقيق المسارات ،هو قدرته على الإجابة على إشكاليات.

جاء هذا المشروع بتحديده لمهام بعينها للعامل الاجتماعي المرتبط بتقديم الخدمة الاجتماعية والتي أصبحت غنية بغنى وتعدد الظواهر الاجتماعية وتعقد المشاكل في المجتمع، لتصبح راهنية الفعل الاجتماعي وقدرته على تلبية الحاجات المجتمعية ،بتوفره على إطار قانوني واضح كما خلص الى ذلك تقرير 2013 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية.

ومن شأن هذا النص ان يكفل حماية قانونية لهاته الفئة والتي ستنتظم ضمن هيئة قانونية منظمة تنظم عملها وتجود خدماتها بشكل يراعى فيه احترام القانون.
المشروع حول مهنة اجتماعية الى مهنة مؤسساتية بقيم مجتمعية:

أصبح العامل الاجتماعي له هوية تعريفية حددت مناط تدخله ذو الطبيعة الاجتماعية لفائدة الفرد أو الجماعة، يراد منها تقديم مساعدة اجتماعية أو خدمات لتأهيل الأفراد ومساعدتهم وحمايتهم وادماجهم، وتدخل النطاق ومن حقه تقديم خدمات التكفل بالغير وفق التشريع الجاري به العمل، وكذا القيام بمهام التوعية والتحسيس وأيضا التكوين والتدريب والإرشاد والادماج الاجتماعي.

كما ان المشروع وضع مجموعة من الشروط لمزاولة مهنة العامل الاجتماعي، والمرتبطة بتوفره على شهادة في أحد التخصصات ذات العلاقة بالعمل الاجتماعي، أو على الديبلومات المحددة بنص تنظيمي، ويتمتع بحقوقه المدنية، على أن يزاول نشاطه إما بصفة مستقلة حيث سيضمن هذا المشروع لأول مرة تنظيم مهن اجتماعية متفرقة وتعمل اما بشكل عشوائي أو داخل جمعيات أو بصفة أجير لدى الغير بواسطة عقد شغل وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

كما نص القانون على انتظام العاملين الاجتماعيين، بصفة مستقلة أو باعتبارهم أجراء، في إطار جمعيات مهنية، على أساس جمعية واحدة في كل جهة، ويتوجب على هذه الجمعيات المهنية إحالة أنظمتها الأساسية على الإدارة المختصة التي تتحقق من مطابقتها لأحكام هذا القانون.

ونصت المادة 12 من القانون أن تتولى الجمعيات المهنية للعاملين الاجتماعيين داخل النفوذ الترابي للجهة ضمان مزاولة العامل الاجتماعي لمهنته بصفة قانونية وتمثيله لدى الإدارات، إضافة إلى العمل على حسن تطبيق العاملين الاجتماعيين للقوانين والأنظمة ذات الصلة بمجال أنشطتهم، وكذا المساهمة في تأطير وتطوير المهنة بتنسيق مع الجامعة الوطنية للعاملين الاجتماعيين.

كما تتولى الجمعيات المهنية مهمة تنظيم التداريب والتكوينات اللازمة لتقوية قدرات العاملين الاجتماعيين وتأهيلهم بتعاون وتنسيق مع الإدارة المختصة.

وبالنسبة للجامعة الوطنية للعاملين الاجتماعيين، التي تنتظم فيها الجمعيات المهنية المذكورة أعلاه، حدد القانون في مادته 14 مهامها في تمثيل العاملين الاجتماعيين لدى الإدارة وإعداد مدونة سلوك وأخلاقيات، مع تقديم كل الاقتراحات والتوصيات اللازمة لتنظيم المهنة وتطويرها.

ومن جانب آخر، توقف القانون عند المخالفات والعقوبات في حق كل من أخلّ بمقتضيات القانون المنظم لمهنة العامل الاجتماعي، بدءا بالإنذار ومرورا بالتوبيخ ووصولا إلى حد سحب الاعتماد بصفة نهائية من العامل الاجتماعي في حالة صدور حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جناية أو جنحة ارتكبها أثناء أو بسبب مزاولة مهامه باستثناء الجنح غير العمدية.

وفي المادة 19، تم تحديد نوعية العقوبات التي يمكن أن تكون عقوبات حبسية من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية قدرها 10 ألف درهم في حق كل من زاول مهنة العامل الاجتماعي دون حصوله على الاعتماد، إلى جانب عقوبات أخرى في حق من زاول نشاطه خلال فترة السحب المؤقت للاعتماد.

يشار إلى أن مشروع القانون المتعلق بمهنة العامل الاجتماعي أعدته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بالنظر إلى طبيعة العمل الاجتماعي الذي يعد رافعة أساسية لتحقيق التنمية وآلية من آليات المساعدة الاجتماعية التي تستهدف تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين في وضعية هشة، وأيضا إيمانا بضرورة مأسسة العمل الاجتماعي الذي بدأ يطرح عدة تحديات.

الأثر الاجتماعي لمأسسة مهنة العاملين الاجتماعيين:

اهم المؤسسات الدولية وخاصة البنك الدولي في اقراضها للمؤسسات الوطنية والدول تضع تقييم للنظم البيئية والاجتماعية، وسنسعى في هاته المقالة ان نبين بعض الجوانب المتعلقة بالأثر الاجتماعي لمأسسة هذه الفئة بما يضمن تحليل للآثار الاجتماعية، بما في ذلك الآثار المتبقية والمخاطر النظامية، وآليات التشاور، وآليات التظلم، ونشر المعلومات والإفصاح والمشاركة والشفافية؛

فالهدف التنموي لهذا المشروع مرتبط بتحسين وضعية هاته الفئات التي اغلبيتها تشتغل في مؤسسات للرعاية الاجتماعية، او انها تشتغل في فضاء غير مهيكل، والنسيج الاقتصادي والاجتماعي غير المهيكل قادر على تحسين مؤشر الاعمال بالمغرب سواء كان اشتغاله في تقديم خدمة اجتماعية او خدمات متعددة، كما ان الحديث هنا عن الفرص الاقتصادية مرتبط بثلاث مستويات:

المستوى الأول: المستوى الكلي لتحسين بيئة الأعمال من خلال تشجيع الاستثمار في فضاءات الخدمات الاجتماعية وخاصة ما نص عليه قانون 65/15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، الذي فتح المجال للمستثمر في انجاز مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين وذوي الإعاقة وتسييرها بعوض وفق معايير وشروط محددة طبقا للدفاتر النموذجية التي تنظم هاته العملية، وهذا الامر من شانه ان يجود مهنة العمل الاجتماعي ليساهم في فتح مناصب للشغل لفائدة العاملين الاجتماعيين الذي سيجعل مشروع القانون عملهم ومهامهم محددة بنص القانون.

على المستوى الشركات لزيادة تمويل القطاع الخاص للمجال الاجتماعي بما يضمن دينامية اقتصادية وتحسين لمؤشر الاعمال ويتم قياسه عن طريق استكمال المخطط الاستراتيجي المتعلق بمأسسة العمل الاجتماعي وكذا تمرير هذا النص المنظم لمهنة العاملين الاجتماعيين وكذا ملاءمة المؤسسات التي تشتغل على ملف العمل الاجتماعي بالمغرب وخاصة مؤسسة التعاون الوطني واحكام دستور 2011

على المستوى المتعلق بالأشخاص من خلال تقديم الخدمات لتوظيف المستفيدين في وظائف جديدة مهيلكة قانونيا بنص المشروع الجديد (مثل الارشاد، والتدريب والوساطة، والتكفل بالغير خارجيا او داخل المؤسسة الاجتماعية).

وتمشيا مع الهدف الإنمائي للمشروع والنهج المتكامل لدعم الفرص الاقتصادية بمقاربة اجتماعية والتي نحن بحاجة الى تحفيزها لتكون لها القدرة على ان تخلق مؤشرات اقتصادية تساهم في التنمية الاقتصادية وتحسين مؤشر الاعمال بالمغرب، ويمكن ان يستهدف البرنامج فئتين رئيسيتين من المستفيدين:

وتشمل الفئة الأولى الشركات، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في سلاسل قيمة وتجمعات مختارة: ويمكن ان تستفيد هذه المجموعة من بيئة إستثمار محسنة ناتجة عن التدخلات الأفقية في مجال النتائج) وكذلك من المنطقة الاقتصادية الخاصة، ومن الخدمات الاستشارية ذات البعد الاجتماعي التي ان تم هيكلتها قانونيا من شانها ان تساهم في تحسين الاستثمارات وخلق مؤسسات جديدة تعنى بالعمل الاجتماعي لنتحول بهذا القطاع الى مجال التنافسية والاعمال.

فالعمل الاجتماعي مثله مثل جميع الاعمال يقدم خدمة قد لا تحس بها ماديا لكنها وأثرها النفسي والاجتماعي أعمق وأكثر تأثيرا ولذلك نتحدث هنا عن مقومات الامن الاجتماعي بمؤسسات اجتماعية بخدمات تؤثرأ وتساهم في التنمية الاجتماعية.

فما يقدمه العامل الاجتماعي أو الاخصائي الاجتماعي في دول من الدول التي اتسع فيها المجال الى مناط الخبرة الاجتماعية أصبحوا يشكلون مصادر خلق فرص العمل وفرص التدريب أثناء العمل لمستفيدين أفراد، وتطوير المعايير والجودة.

الأثر الاقتصادي لمشروع قانون العاملين الاجتماعيين :

رغم انه يصعب التعرف على الأثر الاقتصادي لنص تشريعي الا بمرور الوقت وقياس الأثر ومؤشر الاعمال ،الا ان هذا لا يمنعنا ان نفكر وان نضع بعض الجوانب التي ان تم تأسيسها وروح النص الذي هو الان بين مرحلة التصديق والمناقشة ،ان يساهم في خلق دينامية اقتصادية في فضاء غير مهيكل ولا اثر له في العملية الاقتصادية .
لذلك فطبيعة النشاط الاقتصادي للسكان يؤثر على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الافراد والجماعات لان العامل الاقتصادي هو المحور الاساسي لبناء المجتمع وتطوره وان أسلوب الإنتاج هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسة والروحية في حياة الافراد.

فمثلا مهنة التحكيم رغم انها مقتصرة في أدائها على ماهو معاملاتي ،الا ان هذا الامر قد يفتح المجال بإخراج أنظمة وقوانين تهيئ وتهيكل التحكيم الاسري أو الوساطة الاسرية والاجتماعية بشكل يضمن انتظامها وتنظيمها وفق قواعد محكمة ان يؤطر عملا اقتصادي بنبرة اجتماعية ،فما يقدمه الوسيط الاجتماعي من خدمة تدخل ضمن الامن المجتمعي وهي بمعيار الحساب المالي رأسمال لامادي اجتماعي ،لكن قوته وتأثيرها في المجتمع وفي مؤشرات التنمية اعمق واقوى ،انها بالفعل قدرة الفعل الاجتماعي ان يؤسس لدينامية اقتصادية تعيد لحمة المجتمع وحركيته بما يضمن استقراره وتنميته.

فتنظيم المهن الاجتماعية ووضع اطار مرجعي لها من شانه ان يساهم في مأسسة العمل الاجتماعي بالمغرب، ويزيد من استثمار تراث اجتماعي تجاوز نصف قرن وعقد من الزمن الاجتماعي بالمغرب،لذلك فالعمل الاجتماعي بالمغرب هو استمرارية وعطاء ،ووجود اطارقانوني ينظم هاته المهن الخدماتية من شأنه ان يجود العمل ويجعله فعلا تنمويا مجتمعيا بقوة اقتصادية وبأرقم ومؤشرات دالة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *