وجهة نظر

إعلام العولمة

تواصل بين الشعوب أم حروب ودمار (…) وانطواء على الذات؟

مع اكتشاف الإمكانات اللامحدودة للموجات القصيرة، التي أتاحت لبرامج الإذاعة أن تنتقل عبر حدود الدول والقارات، أطلق الخبير الاتصالي، مارشال ماكلوهان، مقولته الشهيرة: ” لقد أصبحت الكرة الأرضية أشبه بالقرية الكونية “.

فهل بالفعل، نعيش اليوم، في وئام، وتواصل، عالميا، أي أننا نعيش في القرية الكونية، الحلم؟ أم أننا نعيش في قرية توسعت فيها رقعة الانطواء على الذات(…) والحروب (…) والتهجير(…) والتقتيل؟

لقد تصور البعض أن الحل الإعجازي للقرية الكونية، والذي تسهم في تحقيقه وسائل الإعلام المتطورة، سيغير العالم. وسيجعل المواطنين أكثر وعيا بالمشاكل التي يعيشها كل منهم، وأكثر قدرة على المساهمة في حلها.

وتصوروا أن العالم الجديد (القرية الصغيرة)، الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية، سيمكن كل شخص سواء كان في المغرب أو في فرنسا أو في أمريكا (… ) من معرفة كل شيء عن أي شخص في بلد آخر. بل، ستسود القيم النبيلة في العالم. وسيتقاسم الناس الهموم، وسيتحدون لتخفيف حدتها.

أما على مستوى العلاقات الدولية، فستمكن ثورة التكنولوجيا والاتصال من نشر قيم العدالة والسلم، وتحقيق التواصل بين شعوب العالم، بسبب التدفق الحر للمعلومات.

إنها الإثوبيا (l’utopie) في نظر فريق ثان، وأدلته عن ذلك كثيرة، يلخصها في أن ما يحدث على أرض الواقع، أقرب إلى الكابوس. فالعالم، لم يصبح متصلا بعضه بالبعض الآخر بالصورة التي روجت لها أسطورة القرية الكونية. وأفضل الافتراضات تقول إن معرفتنا متفاوتة وليست متساوية. ولنرجع إلى الوراء شيئا ما، فمع ظهور التلفزيون، تقلصت مساحة الاتصال الإنساني وانعزل المواطن داخل حدود الدولة التي يعيش فيها. ومع انتشار الفيديو، تراجع الاتصال الإنساني أكثر لينحصر المواطن داخل بيته.

ومع انتشار الكمبيوتر الشخصي وظهور شبكات الانترنيت، أصبح الإنسان حبيس غرفته. نعم، إنه يتصل بأقرانه في فرنسا وأمريكا والدارالبيضاء والرباط. لكنهم، كلهم، حبيسي الغرف أيضا، أو القاعات المخصصة ” للأنترنيت” بالأحياء. واليوم، تقتني الأسرة لطفلها وطفلتها لوحات إلكترونية بأثمان ترهق ميزانيتها.

لقد أصبحت المجتمعات أقل ارتباطا وأكثر عزلة، بعد أن وفرت التكنولوجيا وسائل الاتصال عن بعد مع الأبناك والتسوق الإلكتروني. ووفرت للأطفال الألعاب المشحونة بثقافة العنف. واختفت جلسات الأصدقاء والعائلات. واختفى كل ما يشيع الدفء والتواصل داخل المجتمع.

والأسوأ من هذا، أن هذه الثقافة تروج لما هو صورة أكثر مما هو حقيقة. وما هو خفيف و” مسل ” أكثر مما هو ذو قيمة فعلية. ويؤدي الاستعمال المفرط لوسائل التكنولوجيا إلى العزوف عن القراءة والابتعاد عن كل ما يتطلب التركيز.

والغريب، يقدم العديد من القنوات التلفزيونية العربية، أكثر من مرة في اليوم، أفلام العنف اللفظي والجسدي. في حين، أننا نتوفر على إنتاجات جيدة من المسرحيات والأفلام العربية والمغاربية والافريقية تجمع بين الترفيه والتثقيف والتوعية. ومازال في جعبة المبدعين الجادين الكثير.

إن هذه التلفزيونات تسهم بشكل كبير في نشر الثقافة الزائفة، ثقافة العنف والحقد والكراهية بين الأطفال والمراهقين، وحتى بين الأزواج، داخل الوطن الواحد.
نعم، لقد اختصر إعلام صناع العولمة المسافات بين الشعوب. وساهم في الكشف عن خبايا السياسات الداخلية في العديد من دول الجنوب. ودفع الحكومات والأنظمة الذكية إلى رفع سقف الحريات والتعبير والرأي.

لكن هذا، لن يغفر لهؤلاء الصناع – مهندسو الليبرالية المتوحشة – استعمالهم لوسائل الإعلام والاتصال المختلفة كأبواق لتبرير الحروب المباشرة والحروب بالوكالة في بقاع متعددة من العالم. وما يقع في الشرق الأوسط، في أرض فلسطين المغتصبة، في سوريا (…) وما يقع في العديد من الدول الافريقية، خير دليل على أن، قانون الغاب، كان ومازال هو أساس العلاقات الدولية.

إن ما نعاينه يوميا، بفضل التكنولوجيا المتطورة ، لا يجعلنا نغض الطرف عن أن صناع العولمة المتوحشة، هدفوا، ويهدفون، إلى قولبة التفكير والثقافة في البلدان العربية والإفريقية خاصة، لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية السياسية والاقتصادية.

لذلك نعتقد أننا نحن العرب والأفارقة، لن نخرج من هذا النفق المسدود إلا بتحقيق ثلاثة أمور جوهرية:

-إقامة تكتلات إعلامية قوية عربية وإفريقية لتحقيق حصانة الإنسان العربي والافريقي.

-البحث عن كل ما يقوي التواصل الثقافي العربي/ الإفريقي.
-التأسيس لإعلام التنمية بمفهومها الشمولي، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. فالتنمية ليست أرقاما ونسبا ومؤشرات يحتسبها التقنيون الاقتصاديون والماليون العاملون في المنظمات المالية الدولية. إنها تعني بالملموس، التطورات والتغيرات الهيكلية التي تطرأ على مستويات: العقليات والتعليم والطب والتشغيل وحقوق الإنسان. إنها تجسيد لكرامة الإنسان على أرض الواقع، يحس ويشعر بها، أبسط الناس في القرى والجبال و المدن والصحاري.

نعتقد أن أهم ما نستنتجه مما تقدم، أن حرية الإعلام والديمقراطية، شرطان ضروريان، إن نحن نريد فعلا إعلاما بديلا يساهم في إنقاد الشعوب والشباب والأطفال من الفراغ الثقافي والروحي الذي أنتجته ثقافة العولمة المتوحشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *