وجهة نظر

إلى أين يجب أن نذهب.. الريع بين السمسرة في الدولة واعتقال المجتمع

في “المقدمة ” أشار ” ابن خلدون”: إن “المُلك بالجُند والجُند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل” ، فتأويلا
فإن الدولة لها إمكانية فرض المناعة لذاتها بحماية كيانها و منظومة استمراريتها عبر الضرائب لتقوية اقتصادها و فرض دولة الحق و المساواة و القانون و العدالة بين فئات الكيان داخل هذه الدولة.

و على الرغم من تمسك الخطاب الرسمي في الدولة المغربية بمصطلح الوطنية للحفاظ على الثوابت و المؤسسات واستثمار الطاقات… لكن تظل هذه القيم الايمانية قاصرة للمضي في هذه الفلسفة، فالشرخ الواقع بين المدني والسياسي والاقتصادي… الذي نواكبه قسرا بصرف النظر عن الدعوات لإيجاد العيش المشترك و توحيد الخطاب و تقاسم خيرات البلاد… للوصول جزئيا الى مفهوم الدولة المواطنة الذي تتنادى لها القوى الغيورة بالبلاد ، و لابد الاعتراف أن هنالك تنظيمات مدنية وسياسية اقتربت عناوينها و تلامس هذا التنادي لكنها لا تستطيع ملامستها او حتى التماهي معها لعوامل لا تحتاج الى التنجيم او العِرافة .

و من غير الشك أن هنالك أسئلة رديفة في الذهن عن الدولة (الوطن) و واقعها و دور الحكومة أو اللجان الاجتماعية و الاقتصادية… في ايجاد مخارج ، و هذا الواقع يعرف اخفاقات واضحة بإخفاق الحكومة التي جعلت من خلط نفسها بالوطن و اضحت تعتبر التفاهمات مع الريع و الفساد و تخريب البنى الفوقية (الوعي) و البنى التحتية مكسب من شعرة ذيل الخنزير مما دفع المواطن يشك تماما في جدوى المؤسسات من خلل اداري وهدر و ريع … و هي الحالة الكائنة التي اضعت الحالة الوطنية للمغاربة ، و في ظل هذه الوقائع فإن الارتهان بالمختبرات و التجارب الغربية لن تغير من الواقع شيء لأن التغيير هو تغيير السلوك و الذهنية ، فالعلاقة التي يجب ان تكون بين الدولة و الشعب و الحكومة جدلية و عضوية من حيث الحق و الواجب و الالتزام لبناء دولة قوية متينة .

أما مناسبة هذا القول هو مرور الميلاد الاول “للجمعية الوطنية لمهنيي قطاع تموين و تنظيم الحفلات و التظاهرات ” الذي تزامن مع التركيبة للجنة الخاصة التي عينها جلالة الملك ل “النموذج التنموي الجديد ” و الذي كما هو معلن ستعمل على تقديم ايجابات واضحة و تفكيك الخلل وكيفية تعامل المنظومة الريعية مع المؤسسات و التركيبات العمودية و الافقية ( مجتمع مدني ، نقابات ، جمعيات …) الذي يرتبط بالريع و الزعمات و منظومة النفوذ التي تخترق مفاصل الدولة ، و تداعياتها على ما سبق و على منظومة القيم بالمجتمع و التملق للسلطة و ما ينتج عنه من استعراض تفاخري من القرب من مالكي القرار و صناعته بشكل فضفاض دون رادع دون قوانين ناظمة على باقي ابناء الشعب … فالغني عن القول أن ما تم ذكره من مؤسسات و الهيئات المدنية المعدة على المقاص متورطون في الريع و اضحت معه منظومة علاقات بحيث انعكست على السير العام للدولة و اضحت رهينة ضمن هذه التشكيلات و هنا تعد عقدة المنشار في التحول الى الدولة كما اشار ” ابن خلدون ” في مقدمته ، بالتالي فجلالة الملك من خلال التوجهات العامة في توزيع عوائد التنمية و العدالة في التنافس و الحد من هيمنة الاقلية الريعية الماسكة بتلابيب القرار و سيادة القانون و التكافؤ و بحقوق المواطنين القانونية و الدستورية … و لا خلاص للبلاد ( سواء عبر لجان خاصة او غيرها ) إلا عبر سيادة القانون باعتباره الضامن للقطع مع هيمنة الريع و تشكيلاتهم و الفساد و اصابعه و النفوذ و المتقنفذين داخل الدوائر الرسمية .

فمن خلال القطاع الذي نشتغل فيه التنظيم و التجهيز و اطارنا المدني عبر ربوع المملكة ” الجمعية الوطنية لمهنيي قطاع تموين و تنظيم الحفلات و التظاهرات ” بصرف النظر عن التأني و البطئ لعوامل تم ذكرها و غيرها ، تم رصد حالة للمدرسة الكلاسيكية الريعية التي تعمل كما تعودت عبر الدجل و الشعوذة (المكرومات و المنح و التسهيلات و الرشى …) بمعنى أن هذه المنظومات اسست لنفسها عقلية رعوية صلبة من خلال الهيمنة على كل الصفقات في ذات الاطار بل وصل الحد الى الاعلان لأحد المحضوضين أنهم يقعون ضمن “الرضى المولي ” فيتم دعمهم ماديا و معنويا و تسهيل لهم كل الامكانيات و الطاقات ! قد يكثر الجدل هنا حول الريع و الفساد و نفقات الدولة و علاقته بالمواطن ، بل إن التركيز الضمني المعتمد في هدا التوضيح هو الاشكال السلوكي في بنية الدولة ككل و منظومة القيم  حيث تعد نكبة على الكل ، لماذا و كيف ؟ فهذه المسلكيات الفاسدة الريعية عمقت الخلاف بين المواطنين اضافة الى مفهوم ” الحضوة ” و ” القرب ” و كدا الهيمنة على المال العام و توزيعه على التوابع مع تعقيد المساطر و البيروقراطية للموطنين الحقيقيين في مجالات و انشطة اقتصادية عدة مما يتقاطع مع المساواة و الديمقراطية ، مما يعني أن الفاعل الوطني الجاد بهذا البلد و التسويق الاعلامي بفتح الابواب هو شكل استهلاكي و هنالك أبواق للمنظومة الريعية و الاقلية المهيمنة على النشاطات الحيوية الكبرى و المتوسطة و حتى الصغرى لها ادواتها الفجة التي تقدس و تبجل و تبرر سلوكياتها التدميرية للوطن و الانسان لافتقادها للحس الانساني أو ضمير يضعها ضمن التنادي للقوى الوطنية .

بالتالي الي أين نذهب بكل هذه التوصيفات الواقعة بالبلد ؟ و كيف نتجاوز الاقتصاد الريعي من إسقاط مفهوم الدولة و كذا هذه الوثنية المدنية و السياسية و الاقتصادية ؟

من المفترض أنّ الدولة تكرس نفسها لمواطنيها و تضمن حقوقهم و مساواتهم و هيكلة الاقتصاد بالاتجاه الانتاجي المتنوع و المستدام و الانخراط في العمليات التي ترسمها الدولة و تحقق التطلعات ضمن العقد الاجتماعي الجديد المتوافق عليه و التوافقات السياسية و طرق التدبير و الخيارات التفصيلة الاخرى و ليس العكس باستعمال الريع للسيطرة على السلطة و احكام القبضة على المجتمع و مؤسساته و تجريد التحول الديمقراطي الذي يعيشه المغرب من محتواه ، و حتى ان جزمنا حسما أن هذا التحول على أهميته لكنه يقع ضمن مساحيق التجميل إذ لم ترافقه عناصر و شروط موضوعية من قبيل : تجاوز الاقتصاد الريعي للدولة الى انتاجي و من سلطة الريع الى سلطة وطنية و اشراك كل الفاعلين الجادين الوطنيين بدل التهميش و توزيع الثروة بدل المحاصصة بين أبناء الدولة و خدام الفساد و نشر القيم الخلاقة المبدعة بدل الاستحمار و اعلام الانحطاط … بالإضافة أننا كمغاربة يجب التفكير في أنفسنا و ليس في العالم و كدا تكون الدعوة صريحة و قوية و واضحة في مواجهة التشكيلات الريعية المافيوية الفاسدة و التي هي ليست بدولة و لا هي مؤسسات بل هي منظمات اجرامية تشتغل امام انظارنا مما يجعلنا كمواطنين معتقلون شعوريا في واقعنا ، يدمر كل الافق و الطاقات و يمنعنا من الحركة و يجعل عجلة التاريخ تدور في الفارغ ، و بالتالي تأكيدا على ما سبق يجب على الدولة تأهيل ما أنتجته أو يتم تحيدهم و تأهيل المواطن للمراحل الاتية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *