وجهة نظر

جرح الأمة النازف

أقر مجلس النواب الهندي بحر هذا الشهر مشروع قانون مثير للجدل يمنح من خلاله الجنسية للمهاجرين المنتمين لستة ديانات من دون المسلمين.

ويعد هذا القانون نسخة معدلة من قانون سابق، يرمي إلى تعجيل منح الجنسية للأقليات المنتمية على وجه الخصوص إلى الهندوس والسيخ والبوذيين وأتباع الطائفة الجاينية والبارسيين والمسيحيين الفارين من الاضطهاد في أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، والذين كانوا مقيمين قبل عام 2014.

ومما ينبغي الإشارة إليه أن السلطات الهندية عمدت قبل سن هذا القانون إلى تغيير أسماء مدن وشوارع إسلامية بتسميات أكثر “هندوسية”، وسحلت عشرات الأشخاص بداعي الدفاع عن البقرة المقدسة،وشمل هذا الأمر المسلمين بالخصوص.

وفي غشت 2019، ألغت سلطات الهند الحكم الذاتي في كشمير باعتبارها المنطقة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في البلاد.

وخلال نونبر من ذات السنة سمحت المحكمة العليا ببناء معبد هندوسي كبير في أيوديا بموقع مسجد تم هدمه سنة 1992 من قبل متطرفين هندوس.

وبموازاة هذا الميز العنصري الممارس على مسلمي الهند دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحكومة الهندية إلى الالتزام بحقوق الإنسان، والتراجع عن قانون الجنسية الجديد وإجراءاته.

ووصف الاتحاد العالمي في بيان صادر عنه، القانون الهندي المثير للجدل بأنه “قانون عنصري بامتياز ضد المسلمين، وتترتب عليه جرائم الطرد القسري والكراهية”.

وتعتبر الهند ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم،حيث يبلغ عدد المسلمين فيها نحو 200 مليون نسمة من إجمالي مليار و 297 مليون نسمة.

إن صدور هذا القانون العنصري يؤشر عن وجود مخطط استكباري يستهدف العالم الإسلامي،يظهر ذلك جليا من خلال ما يتعرض إليه هذا الأخير من تنكيل وتشريد وما يحاك له من صراعات تسعى إلى تقسيمه وإضعافه وسلب مقدراته وخيراته، وما معاناة الشعب الايغوري عنا ببعيدة على أيدي التنين الصيني المتعطش للدماء،وما مأساة الشعب الفلسطيني بخفية عن أنظار المنتظم الدولي على أيدي الصهاينة المارقين عن القانون الدولي الإنساني،ناهيك عن جرائم البوديين بميانمار ضد مسلمي الرهوينجا،إلى جانب تدمير العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان الإسلامية.

هكذا جند أعداء أمتنا خبراءهم وعملاءهم وإمكانياتهم وأسطولهم الحربي الفتاك وجهازهم الإعلامي المنحاز ونظامهم الاقتصادي المتغول وسلوكهم الثقافي الماسخ لتدمير أمتنا وتمزيق أوصالها وإشعال نيران حروب عرقية وأهلية وسياسية بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد في إطار ما اصطلح عليه بالفوضى الخلاقة رغبة منهم في إعادة بناء أوطان جديدة على المقاس، بشكل يخدم أهدافهم ويحقق مبتغاهم ولا يتعارض مع مصالحهم، وينبطح لخياراتهم وإراداتهم.

ولعل ما يسعى إليه أعداء الأمة من خلال هاته الحرب الضروس غير العادلة وغير النبيلة، هو أن ينالوا من عزيمة أمتنا وأن يبثوا في أبنائها وبناتها وطاقاتها وقياداتها وأحرارها وعلمائها روح اليأس والإحباط والقنوط والاستسلام وعدم الثقة واليقين في الله وفي نصره وتأييده وموعوده.

إن مسؤولية العلماء والدعاة والمفكرين والساسة والمثقفين مسؤولية كبيرة وعظيمة حيال ما يحاك للأمة ويخطط لها، من خلال الصدع بكلمة الحق والتصدي لهذا المخطط الظالم والهجوم الغاشم ورفع الهمم وشحذ العزائم والإرادات وبث روح ومعاني اليقين في الله وفي نصره وتمكينه، من أجل تشكيل جبهة موحدة صلبة وقوية ممانعة لهذا الاختراق البغيض ولهذا المخطط الشيطاني المفضوح.

فما أحوج أمتنا إلى قيادة ربانية محبوبة مطاعة غير مستبدة، وما أحوجنا في وقتنا الحاضر إلى الرجال وإلى الطليعة المجاهدة التي تقتحم العقبات وتنفض غبار الكسل والخمول عنها وتجابه الغثائية الجارفة و تطرد الوهن وتُساهم في بناء ما انتُقض بعد الصحابة الكرام.
وما أحوجنا إلى صدق التوكل على الله واليقين في موعود الله عز وجل بالنصر والتمكين.

عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قائل: يا رسول الله وما الوهن قال: حب الدنيا، وكراهية الموت” .

* محام وباحث في القانون الدولي الإنساني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *