وجهة نظر

النموذج التنموي الجديد داخليا وعلاقته بالمحيط العربي والإقليمي

يعكف المغرب حاليا ،على إعداد نموذج تنموي جديد،بعدما أعلن رسميا فشل المحاولات السابقة ،بدون تحليل أماكن الخلل والأسباب الرئيسية التي أدت إلى هدا الفشل، ومن بينها علاقة الفساد المالي وتأثيره على التنمية بصفة عامة, كما سنبرهن على دلك لاحقا. نموذج تنموي جديد أنيط لإعداده أحد الوجوه المعروفة وهو “شكيب بنموسي” وفريق مكون من 35 شخصية ذات اختصاصات مختلقة ،رئيس اللجنة وهو مهندس يرجى أن يطبق جميع المهارات الضرورية والعلمية ومحاكاة التجارب الناجحة عالميا كسنغافورة و كوريا الجنوبية مع أخد بعين الاعتبار الخصوصية المغربية .

لإعداد نموذج تنموي صادق، وهو ما دعا إليه عاهل البلاد من خلال دعوته إلى الصراحة والموضوعية والجرأة ، وهي إشارات ذكية يجب التقاطها من طرف اللجنة ، لان جلهم من النخبة التي ضلت تعمل بتحفظ شديد ولم يسبق لها النضال الحقوقي أو سبق أن خرجت بتصريحات تغرد خارج السرب وتقول الحقيقة و تشخص الوضع الحالي الحقوقي والاجتماعي والسياسي .مع علمهم يقينا أن إشكال التنمية مركب ومعقد ويضم أبعاد حتى سياسية وحقوقية ،وكدليل قاطع أن إصلاح القضاء وفصل السلطات له تأثير بالغ على الاستثمار، الذي له علاقة بالتشغيل وبالتالي التنمية وجلب الثروة وتحسين معاش الأفراد.

إن فشل النموذج التنموي القديم الذي أقر بفشله الجميع، يتحمله الكل من نقابات ومؤسسات وأحزاب وجمعيات وأثرياء و حتى النخب المسيرة للبلاد التي سيشارك جزء منهم في إعداد هدا المخطط والنموذج التاريخي، الذي يجب أن يبتعد عن لغة الخشب وأن يكون قريبا من الشعب يلبي تطلعاته ويقفز به إلى مصاف الدول الصاعدة .

أما منهجية العمل فيجب أن تكون بطريقة علمية تحدد المعطيات بدقة للحصول على النتائج المرجوة مع تحديد العوائق بكل تجرد وخصوصا كيفية محاربة الفساد والمفسدين مهما كان موقعهم ومراكزهم وتحديد أنواع الفساد بدقة فليس نهب المال العام والريع وحده من يشكل عائق للتنمية ولكن الفساد الحزبي والنقابي والمؤسساتي الذي لا يقل خطرا عن الفساد المالي ،فالدولة المغربية مشهود لها عالميا بمحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والأخطار الداخلية فحتما سيكون موضوع محاربة الفساد المالي سهل إن توفرت الإرادة الحقيقة لدلك .

إشكال التنمية وإعداد النماذج القارة والمستدامة ليست بالمهمة السهلة ، فهي نماذج تتداخل فيها قطاعات عدة ، فهناك أشخاص في اللجنة أعضاء في مجلس التربية والتكوين ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي حاضر رغم أن أهداف المجلس الاقتصادي ولجنة النموذج التنموي تتشابه إلى حد كبير، لان إشكال تشابه المهام والاختصاصات غير صحي كإشكال وجود البرلمان ومجلس المستشارين ،لان تعدد المجالس يكلف الدولة أموالا كبيرة نحن في أمس الحاجة إليها.

يرى بعض خبراء التنمية المستدامة أن المعطيات أو كائنات النموذج عشوائية وغير قابلة للقياس مرتبطة بما هو اجتماعي وسياسي وبالتالي تغيير العقليات خصوصا طرق تسيير الإدارات ،لان الظرفية الحالية ليس على ما يرام ليست في المغرب وحده ولكن في أغلب الشعوب،وضعية تستلزم درجة كبيرة من النزاهة والمصداقية في العمل ،في ضل عولمة قاصية ومحدودية الموارد وتوغل الفساد ووعي الشعوب بواقعها في ضل سهولة انتشار المعلومة والخبر عن طريق المعدات الذكية وغيرها من الوسائط.

هندسة النموذج التنموي تتطلب جرأة وتواصل بعيد عن لغة الخشب خصوصا إرجاع المعاني للمؤسسات كالأحزاب والنقابات والجمعيات وتنقيتها وتطبيق القانون ،وإرجاعها إلى سكة العمل الصحيح والتخلص من كل الوجوه التي عمرت طويلا وطرد كل من تروم حوله شبهات الفساد وبالتالي إرجاع المعاني للمؤسسات عامل محدد وضروري. المؤسسات تبنى انطلاقا من احترام روح الدستور وتطبيق القانون، ولا مكان للتدخل في اختياراتها من أي طرف،كما أن أي مؤسسة مهما كانت يجب أن تخضع للقانون وتحترمه ، فهناك نقابات وأحزاب عريقة لا تعقد جموعها العامة في خرق سافر للقانون، كما أن الأحزاب والجمعيات التي تمول من دافعي الضرائب ،يجب أن تخضع للتدقيق ويجب أن تقوم بدورها الأصلي المتمثل في خدمة المواطنين في مجالات عدة .ولمن يسأل ما علاقة الأحزاب بالنموذج التنموي، فانتخاب مجالس المدن والجهات الأحزاب من تخوضها.

علاقة الشباب بالنموذج التنموي علاقة وطيدة، فالمغرب ما أحوجه إلى مجموعة إجراءات صريحة يتم تنفيذها،فالشباب في اعتقادنا لم يعد تروقه الأفكار التورية أو الانخراط في الأحزاب بعدما فقدت دورها ولم تجدد نخبها ،فأحزاب اليمين في العالم العربي فغالبا ما ينظر إليها أنها إدارية ، كما تجاوز الشباب الإيديولوجيات سواء اليسارية أو الإسلامية ، بعدما تشتت اليسار وفشل الإسلام السياسي في التسيير بعدما ألف الكراسي والمعاشات الضخمة وعندما تسأله يتحجج بالظرفية والعوامل الخارجية وأن التغيير لا يأتي جملة واحدة ،وهو هروب من المسؤولية . والدليل هو انتخابات تونس كنموذج ، فالكل كان يرشح مرشح النهضة دو التوجه الإسلامي وكذلك الرهان على حزب نداء تونس القريب من اليمين دو التوجه الليبرالي،فكانت النتيجة مغايرة لجميع التوقعات ،أنه حال الشباب العربي عموما الذي لم يعد يقبل أن يري الفساد والريع وتهمه المصداقية فقط.

إن أهم الركائز والدعائم التي يجب تسليط الضوء عليها بالقدر الكافي، من طرف اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد هو علاقة المجتمع المدني والعمل التطوعي بالمدرسة والجامعة المغربية، لان جل خبراء التنمية البشرية يجمعون، أن العمل غير مدفوع الأجر والتطوع هو حجر الزاوية لإعداد مشاريع تنموية تستشرف المستقبل وتعين جيل قادرة على الإبداع والعطاء،خصوصا التعليم الذي يعتبر كقضية وطنية ثانية بعد وحدتنا الترابية إلا أن الطامة مرة أخرى هو الفساد وهو ما رصده المجلس الأعلى للحسابات كالمخطط ألاستعجالي الذي كلف الملايير .

فالأصل هو أن تنكب اللجنة التي تعد المخطط الجديد بالتنسيق مع مجلس التربية والتكوين على الأوراش الكبرى كإعداد مناهج ومقررات سليمة متوافق عليها ،فالمقررات لم تتغير مند 2007، وحل إشكال التعاقد . فتنمية قطاع التعليم هي مسؤولية جميع القطاعات الوزارية وخصوصا السلطات الترابية، كما أن توفير بنية بيداغوجية ورقمية تشتمل على كل الوسائط المعرفية الحديثة أصبح ضرورة ،شريطة أن لا تستني مدارس المغرب العميق .

فأعرق الجامعات العالمية أسست من طرف أشخاص هدفهم نشر العلم و المعرفة وتنمية الشباب، فجامعة “السوربون” التي طالما تصنف ضمن أحسن 20 جامعة في العالم وكذلك جامعة “ستانفورد” العريقة خير دليل.

العمل التطوعي و الإحسان العمومي الذي دعا إلى تنظيمه عاهل البلاد في أحد الخطب يجب أن يكون من صلب أولويات اللجنة، فتشجيعه أساس كل تنمية و أن يعطى له أهمية بالغة ،من خلال تسليط الإعلام العمومي على ضرورته ، ويكون عنوان على مواطنة الأثرياء المغاربة ، فلطالما شملتهم الدولة بالعناية من خلال عدم فرض الضريبة على ثروتهم بداعي تشجيعهم على البقاء في المغرب وإنعاش الاستثمار، عكس دول كثيرة كفرنسا التي تفرض ضريبة على الثروة ،فقليل من رجال الأعمال من جهز كلية أو قام ببناء دور للطلبة، و كم من مجموعة تجارية و مصرفية و صناعية كبيرة قامت بتجهيز مدارس في أقاصي الجبال أو قدمت منح للطلبة، خصوصا بعدما أصبح السلم المجتمعي مهددا من صحة وتعليم ومرافق.فبالعكس أصبحت بعض التجمعات الصناعية في الطاقة الدواء همها الأوحد الربح أما مفهوم الشركة المواطنة فهو من قبيل الكلام الفارغ والشعبوي.

فبعدما تطرقنا إلى أسس نجاح النموذج التنموي الجديد بالمغرب ،وبرهنا أن أول التحديات هو محاربة الفساد المالي وإرجاع المعاني للمؤسسات . كان لزاما التطرق إلى علاقة المغرب بمحيطه العربي والإقليمي،واستقاء الدروس والعبر لكي لا نقع في نس أخطاء الغير ،وبالتالي محاولة تحليل ما يقع في المحيط الخارجي ليس خروجا عن نص موضوع النموذج التنموي الجديد بالمملكة . فأي نموذج لا يأخذ بعن الاعتبار علاقة المغرب بدول الجوار، فهو نموذج محكوم عليه بالفشل ،وبالتالي مهمة أعضاء اللجنة جد صعبة ومركبة و تتطلب قراءة متأنية للوضع الجيو إستراتيجي وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي على المغرب،نموذج يجب أن يكون مرنا وغير تابت ،قراراته تأخذ بعين الاعتبار احتمال تحقق بعض المعطيات من قبيل تقلبات أسعار النفط ،استقرار دول الجوار ،طبيعة أنظم دول المحيط، و تحديد طبيعة التحالفات مع الدول العربية والدولية ،كما نعتقد أن النموذج لا يجب أن ينتهي عمله بمجرد تقديم التقرير ،ولكن يجب أن تنبثق عنه مراكز دراساته متعددة في اختصاصات متنوعة مع ربط كل مركز بمجلة علمية محكمة تساهم فيها كل النخب الحية.

واهم من يعتقد أن المغرب استثناء وبمنأى عن التجاذب الإقليمي والعربي، فعقلية الشباب العربي واحدة مع تفاوت بسيط ،عقلية شكلت وتقوت في ضل سرعة انتشار المعلومة والدور المحوري لمواقع التواصل الاجتماعي ،ووعي فاق كل التوقعات وقدرة على الاستفادة من التجارب السابقة ، وبالتالي وجب استخلاص الدروس من كل دولة عربية ومحاكاة السيناريوهات والتحضير للحلول قبل وقوع أي إشكال ،نحن في غنى عنه وبالتالي وجب رصد التطورات المتسارعة في المحيط وخصوصا في دول المغرب العربي.

الدرس الأول هو مستجد الساحة العراقية الذي يمكن أن يقدم للنموذج التنموي الجديد سلسلة توصيات، أهمها محاربة الفساد المالي أصل كل بلاء ،ودعم الوحدة الوطنية بين كل أطياف المجتمع المغربي الذي نجاه الله من الطائفية ، من خلال جهوية متقدمة متضامنة والعفو عن كل معتقل سواء كان صحفيا أو ناشط حقوقي طالب بحقوق كمعتقلي الريف حتى وإن لم نتفق مع طروحاته، لنفتح صفحة جديدة ، فالمرحوم جلالة الملك الحسن ثاني أطلق مبادرة إن الوطن غفور رحيم في وجه من حمل السلاح ضدنا من أبناء جلدتنا فما بالك بالآخرين ،إنه نموذج نأمل به خيرا لرسم دولة حداتية مواطنة ، حيت أوصى جلالة الملك أعضاء اللجنة بالابتعاد هن لغة الخشب وقول الحقيقة وهو ضمانة ،وبالتالي تضمين التقرير النهائي بتوصيات حقوقية نعتقد أنه لا حرج منه .وأيضا يمكن الاستفادة من أحدات الساحة العراقية عدم السماح لأي قوة مهما كانت ببناء قواعد في المغرب لكي لا يتحول المغرب إلى ساحة تصفية حسابات بين دول كبرى متصارعة وللبرهنة على تلك النقط لابد من الإشارة إلى تسلسل الأحداث خلال الأشهر الماضية على الساحة العراقية.

فبعد أن بدأت بشائر الإنعتاق مع الطائفية في العراق والمطالبة بالدولة المدنية ومحاربة الفساد. حيت فاجأت المظاهرات في ساحة التحرير التي راح ضحيتها المئات وآلاف الجرحى، وبدا أول اصطفاف ضم كل أطياف الشعب العراقي مند سقوط نظام الراحل صدام حسين ،حيت شكل اقتحام سفارة إيران في قلب مدن الجنوب ذات الغالبية الشيعية صدمة كبرى لإيران ولأمريكا التي تريد السيطرة على جل البلدان العربية بأحزاب شيعية فاسدة تستنزف مقدرات البلاد ،مظاهرات شكلت الدافع حتى للشعب الإيراني المنهك اقتصاديا أن يتظاهر بقلب طهران ومدن أخرى جراء الزيادة في تمن البنزين ، حيت قتل وأعتقل الكثير الذي يطالب الاستفادة من خيرات البلاد التي تذهب إلى عملاء إيران داخل الدول العربية تزامنا مع العقوبات الأمريكية جراء الملف النووي .

كان الهدف من قصف إحدى قواعد أمريكا في العراق الذي دهب ضحيته متعاقد أمريكي من طرف الحشد الشعبي الذي يحركه سليماني هو استفزاز أمريكا للرد وبالتالي القضاء على مظاهرات ميدان التحرير وخلق اعتصام جديد يقوم بتخوين الحراك المطالب بالحرية ونبد الطائفية ، وفعلا ردت أمريكا بقصف تجمع للحشد الشعبي أدى إلى الهجوم على السفارة الأمريكية ،فأرادت أمريكا تذكير إيران بمساحة اللعب ، فاغتالت سليماني.

فأمريكا تحتاج إيران في العراق وسوريا لابتزاز الخليج وترويج السلاح وكبح أي تطلع للشعوب للحرية ، أي أنها تأكل الثوم بفم إيران ،مقابل الاستفادة بالنفط كما صرح به علانية ” ترامب” ،واهم من يعتقد أن هناك عداء بين أمريكا وإيران والجماعات الشيعة بالمنطقة . والدليل هو أن حادت الاغتيال هو أول رد أمريكي مند 30 سنة ،ولا وجود البتة لأي معتقل شيعي في “غوانتنامو”، وليس لها عداوة مع الميلشيات الشيعية إلا في حالة ردت المليشيات انطلاقا من الأرض العراقية، وبالتالي إن أرادت أن تثبت أنها قوة إقليمية فيجب أن يكون الرد انطلاقا من أراضيها لتتحمل النتائج ولو مرة وتذوق ما تعانيه الشعوب جراء سياساتها الفاشلة ف المنطقة.

الدرس الثاني المستفاد من المحيط الإقليمي وخصوصا في ليبيا ، هو عدم اصطفاف المغرب مع أي جهة والتشبث بالشرعية الدولية والأممية ، رغم المجودات الجبارة التي قام بها المغرب للم الشمل الليبي من خلال مؤتمر” الصخيرات” ، وبالتالي لا مجال لمساندة أي طرف لان المغرب ليس له القدرة على تحمل تكاليف أي تدخل خارجي ، ونحن أحوج بأي درهم ينفق في الخارج ، لان الغرب أصبح يجر دول للاستنزاف في بعض المناطق ،كما تفعل أمريكا بذكاء ومكر بالغ بروسيا وإيران وأنظمة الخليج على الساحة السورية وفق تصريح صريح من الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” فقد صرح أن لا حرج بحجم التدمير ما دام أن الأعداء يستنزفون، وهو طعم ابتلعته روسيا التي ناتجها ككوريا الجنوبية التي أغلب صادراتها من السلاح فقط ،وتتوهم أنها إمبراطورية ،عكس تركيا التي وصل حجم صادراتها للسنة الماضية 180 مليار دولار وبالتالي أخد مسافة واحدة ومتوازنة مع كل الأطراف أصبح ضرورة ملحة .

الدرس الثالث هو ما وقع في تونس ،التي شكلت نموذج يمكن أن يدرس ويتبع ،فرنسا و محور مصر إمارات والسعودية كان يتوجس خيفة من فوز مرشح النهضة أي مرشح الإسلام السياسي ، الذي أصبح يشكل فوبيا مرضية غير مبررة ، وإذا بمرشح أخر يفوز ، وبالتالي الشعوب العربية عامة أصبحت أذكى ويمكن أن تختار و تحكم على كل كل حزب فائز وتعاقبه إن فشل في التسيير وبالتالي ضرورة احترام الصناديق وعدم التدخل في هندسة نتائجها ، لترجع المعاني للأحزاب والمؤسسات وهدا ما نريده ،وفق الله بلدنا لكل خير.

*مهندس باحت في تقنيات الإعلام والاتصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *