وجهة نظر

الأسئلة الكبرى للمشروع التنموي الجديد (الحلقة 3): سؤال البنية

-البنية واللغة

ونحن في غمار هذا الترافع العام على هذا المشروع بلجنته وقواه الحية الوطنية بتلاوينها وبأفكارها، نقف امام إشكالية اللغة، وهذا النقاش هو تقرري مصير الهوية المغربية، أي ان اللغة كما يرى “فيرث “جزء من عملية اجتماعية، كما أن خاصية الابداع هي كما ذهب لذلك تشومسكي حيث ان المتحدث بلغته “الام “وكذا المستمع الذي يكون قادرا على انتاج وتأويل كافة جمل اللسان،ولاشيء غير هذه الجمل التي لاحدود لها، وذلك انطلاقا من عدد محدود من المقاولات والقواعد التي تشكل كفاءة ذلك المتحدث –المستمع.

فاللغة من حيث أنها نظام قد يتحول ويتغير بتغير الأزمنة والظروف كما جرى للغة اللاتينية التي توسعت وخرجت منها بنيات متعددة ،لكن بقيت بعض اللغات في ثباتها وتحولها في بنية النظام وليس خارجه ،أي ان ثباتها وغناها خاصية أساسية ومنها اللغة العربية ،ولذلك سؤال اللغة من حيث تطويرها وقدرتنا على تفكيك بناءاتها الحضارية ،ولذلك فتيار الدارجة او الفرنسة ان صح هذا التعبير يجعل من اللغة باعتبارها نظاما خاصا أو شبكة من الأنظمة أو هي نظام من العلامات ،كما ذهب الى ذلك ،ففي تحليلنا للخطاب مثلا ،باعتباره كواقعة تعبر عن مقاصد المتكلمين عبر علامات لغوية ،وهذا الخطاب يؤثر فيه عدد المشاركين والوقائع التي يدور حولها الخطاب ،”فالمشروع التنموي الجديد “كخطاب سيفهمه كل من زاويته الدالة سواء كانت اللغة قد تختلف مدارك ادراك المتلقي لمضامينه وتحليلاته وأبعاده من خلال طبيعة اللغة ودرجاتها.

ولذلك فاللغة تبقى حية بين الجنس البشري منذ اكتشافها وهي شبكة من الأنظمة الاستعارية التداولية التي تهدف الى إيجاد نوع من التوازن بين عالم الوجود وعالم الذات، وقد نختلف حول كون اللغة من دعائم تحديد الهوية، فالصراع على هوية اللغة حقبته استعمارية وقد بقي يتأرجح الى عصرنا الحاضر، لأن ما تفرضه اللغة عن طريق فرض شبكة من الأنظمة الاستعمارية التي تسجل بها تاريخها وثقافتها.

وقابليتنا ان تبقى لغة المحتل المفروضة علينا اما لاختيارات متعددة أو لأن رغبة الجماعة المحتلة في الحفاظ على هويتها أقوى من رغبة المحتل في فرض لغته، ولاسيما إذا اتصلت اللغة تلك بثقافة دينية ما او واقع عرقي معين.

ويتهم علمانيو العرب اللغة العربية ويحاكمونها بأنها تحمل العجز وهي سبب التخلف والتنمية ،كما يحلو للرميحي حينما قال “نحن في الثقافة نلوم الآخر ،واللغة العربية فيها جزء معطل “بكسر الطاء” للتنمية ،لأنها ليست دقيقة ونسوا ان العقاد قال :”لقد ولدت أي العربية مكملة “،ويزيد في عتابه للغة حينما اعتبر ان مفهوم الفساد الموجود في السياق القرآني “المفسدين في الأرض “،ومادام موضوعنا سؤال التنمية ،فالفساد هنا موقف من الدين وليس استخدام غير سليم للوسائل ،من أجل الوصول الى الأهداف .ولكن هذه نظرة ضيقة في فهم لغة القرآن التي هي لغة كلها تعابير ودلالات تتسم بنوع من الكمال والشمولية في إيصال المعنى ،ولذلك فالفساد ضد التنمية ،وهو اسم جامع لأولئك لأمثالهم من الضالين،الذين يخونون الامانات ويسرقون الأموال ،ولذلك فاللفظ هنا يأخذ في حسبانه أولئك الذين يستخدمون الوسائل غير السليمة من أجل الوصول الى الأهداف .

فما دمنا نسائل في ملامح المشروع التنموي الجديد، أي اننا في هذا المسار البنائي نؤسس لفعل بناء أو نطمح لوضع بنية من المشاريع والمفاهيم والخطط التي يمكن ان نسميها بعد الانتهاء منها ” بنية المشروع التنموي الجديد “.ولذلك خيرا فعل “ليفي شتراوس” حينما عرفها بانها طريقة أو منهج يمكن تطبيقه في أي نوع من الدراسات تماما، فشتراوس يحدد البنية بانها نسق يتألف من عناصر يكون من شان أي تحول يعرض للواحد منها أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى، ورغم أنه غير مفروض علينا أن نغرق في هذه التعاريف التي رغم منهجيتها الا أنه ليتعرف الباحث على أن التنمية سؤال أساسي في البنية ،بل هي بنية من أساسها لأنها فعل في البناء والتأسيس والتقعيد والتخطيط والاعداد والممارسة ،كما أن هذه البنية لبنات متناسقة فيما بينها ،أي أنها ان تخلفت لبنة أو تم تعديلها تعديلا غير مؤسس تفقد قوتها.

ب-البنية والتنمية

تم عقد مؤتمر في مارس 2010 في سيدني بأستراليا حضره كبار الخبراء الاقتصاديين لاستكشاف الجوانب العديدة للبنية التحتية.  وركز المؤتمر بشكل خاص على مجموعة من الأسئلة، وهي:

1-       ما هي طبيعة البنى التحتية ؟ وما هي الخصائص التي تميزها عن عوامل الانتاج الأخرى؟

2-       ما هي عوائد الاستثمار في البنية التحتية؟ وكيف يتم تقييم الاستثمار في البنية التحتية وتنفيذه؟ وكيف تؤثر البنية التحتية على معدل النمو الاقتصادي؟

3-     كيف يجب تأسيس البنية التحتية؟ هل ينبغي على الدولة أن تقوم بذلك؟ أم يتولى ذلك القطاع الخاص تحت لوائح صارمة من الدولة؟ أم يتم ذلك بواسطة القطاع الخاص مع وجود القليل من اللوائح التي تفرضها الدولة، إن وجدت.

4-       هل من المتوقع أن يتأثر توفير البنية التحتية بمرحلة النمو الاقتصادي التي يمر بها البلد؟

تُعد القضية الأولى محورية في فهم القضايا الثلاثة التالية، فما هي الخصائص الأساسية للبنية التحتية التي تجعلها مميزة لاقتصاد دولة ما؟

هل هو النطاق أم الحجم أم عمر التشغيل؟

ما هو دورها كمنفعة عامة جماعية، إن لم تكن منفعة خالصة؟

ما مدى عظم التأثيرات الشبكية الواقعة على أطراف خارجية؟

إن الأنواع المختلفة من البنى التحتية-الإنترنت والهاتف (الخط الثابت والجوال) والسكك الحديدية والمواصلات الجوية والبحرية والبرية والطاقة والماء-يفرض كل منها تحديًا خاصًا به.

وتُعد القضية الثانية جوهرية في تنمية الانتاجية العامة ورفع معدلات المعيشة،وما مدى أهمية البنية التحتية للاقتصاد؟ هل يمكن قياس ذلك على نحو موثوق؟ وكيف يتم تبني التقنيات الجديدة وهل يمكن أن تصبح خدمات البنية التحتية أكثر كفاءة؟ و كيف يمكن للدول عمليًا أن تقيّم بنى تحتية قائمة وتنتج أخرى جديدة؟

أما القضية الثالثة فهي تُعد محورية في الجدل السياسي الدائر حول استثمارات البنية التحتبة وتشتمل على قائمة مطولة ومتزايدة من الأسئلة التي ليس لها إجابة:

ما هي أكثر الطرق فاعلية في تمويل الانفاق على البنى التحتية؟ ما هي أفضل سياسات تسعير البنى التحتية وصيانتها والاستثمار فيها؟ وما هي مواطن القوة والضعف فيما يتعلق بكل من القطاع العام والخاص في توفير البنى التحتية وإدارتها وما الذي يشكل نقاط القوة والضعف تلك؟ ما هي النتائج المتعلقة بالتوزيع والمترتبة على سياسات البنى التحتية؟ وكيف يمكن للقوى السياسية أن تؤثر على فعالية القطاع العام في توفير البنية التحتية؟ ما هو الإطار الذي يتعامل بشكل أفضل مع  احتكار مقدمي البنى التحتية؟

وتتعلق القضية الأخيرة بالدول النامية والتي عادة ما تكون بناها التحتية أقل تعقيدًا واتساعًا من البنى التحتية للدول الصناعية، بل وعادة تكون أسوء في إدارتها وأقل كفاءة في استخدامها.

النظم القانونية في الدول النامية أضعف، وهو ما يجعل اللوائح وإنفاذها أكثر صعوبة.

كما أن البلدان النامية أضعف من الناحية المالية وترتفع تكاليف القروض فيها. ونظرًا لهذه التحديات، فمن الطبيعي أن نجد القطاع الخاص يؤدي دورًا أكبر في البنى التحتية في الدول النامية، إلا أن هذا أيضًا يفرض تحديات معقدة. وما هي المكاسب الرئيسية المؤكدة والمشاكل التي تنتج من التوسع في توفير القطاع الخاص للبنى التحتية في الدول النامية؟

وما هي الدروس التي يمكن الاسترشاد بها في المستقبل وخاصةً فيما يتعلق بالأطر السياسية والتنظيمية؟

ومن اهم البرامج التي تساهم في التنمية في منطقة شمال افريقيا نجد مثلا برنامج الاستثمار في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ويسعى هذا البرنامج إلى العمل مع حكومات المنطقة بشأن الإصلاحات السياسية التي يمكن أن تشجع الاستثمار الخاص كقوة دافعة للنمو الداخلي والإقليمي والأجنبي – – الاقتصادي وخلق فرص العمل في جميع أنحاء المنطقة. ويركز برنامج الاستثمار على ثلاث محاور رئيسية :

• دعم توفير فرص العمل من خلال سياسات سليمة للاستثمار وللمشروعات الصغيرة والمتوسطة
• تشجيع الأعمال النظيفة مع التركيز على نزاهة الشركات وحوكمة المشروعات والسلوك المسؤول لمجتمع الأعمال
• دعم اندماج المرأة الاقتصادي

كما ان البنية التحتية تعتبر عنصرا أساسيا في بيئة الاعمال ومولداّ للوظائف، غير أن تزايد الطلب على البنية التحتية في منطقة جنوب حوض البحر المتوسط يواجه انخفاض الاستثمار الخاص في المشروعات الضخمة بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية وغياب اليقين السياسي في المنطقة إن برنامج دعم أمن الاستثمارات في منطقة حوض البحر المتوسط يهدف إلى زيادة الاستثمار الخاص في البنى التحتية في منطقة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط عن طريق تقديم خدمات استشارية للحكومات المعنية بغرض خفض المخاطر القانونية لمشروعات محددة وإجراء حوارا السياسات بين القطاعين العام والخاص بشأن التحسينات التي ينبغي إدخالها على الإطار القانوني والتنظيمي العام وإعلام المستثمرين المحتملين بالأدوات المتاحة لتخفيف المخاطر.

وفي دراسة أجرتها إلينا يانشوفتشينا مقدمة الى البنك الدولي 2012، توفير فرص عمل عن طريق الاستثمار في البنية التحتية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث خلصت الى انه يمكن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تولد مليوني وظيفة مباشرة عن طريق تلبية الاحتياجات السنوية من الاستثمار في البنى التحتية.

كما انه ارتفع الطلب على البنى التحتية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب النمو السكاني والانتشار السريع للمدن والتوسع الاقتصادي وقد تضخم الطلب عليها إثر الصحوة العربية في عدة دول بينما تواجه حكومات المنطقة مطالب الشعوب لمستوى معيشة أفضل وتحسين مناخ الأعمال وتقدر احتياجات البنية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى سنة 2020 بحوالي 106 مليارات دولار سنويا، أي %9.6 من إجمالي الناتج المحلي السنوي في المنطقة.

وعلى خط مواز، ازدادت ندرة الاستثمار الخاص في مشروعات البنية التحتية تحت وقع تضافر الأزمة الاقتصادية العالمية وتقليص مديونية البنوك التجارية وعدم الاستقرار السياسي في بعض الدول من المنطقة، مما أسهم في إحجام البنوك التجارية عن تقديم عروض كما أن إن جذب المزيد من الاستثمار الخاص يستدعي تهيئة الأوضاع القانونية والتنظيمية التي يتطلبها المستثمرون – وكذلك الاستفادة من أدوات الضمان التي توفر تغطية للمخاطر المتبقية ومن ضمن الأوضاع القانونية السليمة وجود قانون تجاري ّفعال وضمان حقوق الملكية الفكرية والالتجاء إلى قواعد التحكيم وشفافية إجراءات منح التراخيص، وكذلك مكافحة الفساد والانضمام إلى اتفاقيات الاستثمار الدولية .

وفي مقاربتنا لمدخل التنمية في البنية التحتية لا بد من القيام بعملية تقييم لمستوى حماية الاستثمار الذي تتيحه أطر العمل القانونية والتنظيمية والقطاعية المحلية من خلال مهام تقييم تنصب على محدد والدراسات المرتبطة بهذا المشروع . كما انه يجب ان تخرج بتوصيات تحدد الثغرات القانونية بشأن السياسات لسدها. ومن حيث عامل الابتكار فانه يجب دعم عملية تبادل للآراء للتوصل الى أفكار مبتكرة بشأن أدوات تخفيف من المخاطر ،كما انه يمكن الاستعانة من خلال قاعدة بيانات على الانترنت لأدوات تخفيف المخاطر ،ورسالة إخبارية تغطي الأدوات الجديدة ،وتغييرات في أطر العمل القانونية ،ودراسات حالات .

البنية والتشريع

مع التطور الرقمي أصبح الوصول الى القانون ميسرا، الا أن هذا الامر غير معمم على الجميع، على اعتبار ان التوفر على مواقع الكترونية قانونية اوفضاءات للتواصل لايعني ان المعلومة أصبحت موفرة للجميع ،وعليه تعمل العديد من الهيئات الدولية على إدارة البنية التشريعية بشكل ييسر الوصول الى التشريعات ومن ضمنها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ولذلك نتساءل هل نتوفر على إدارة للبنية التشريعية فاعلة؟

قطع المغرب اشواطا في البناء التشريعي خلال مراحل من التطور الدستوري الذي يعد الموجه الأساسي في إدارة البنية التشريعية بالمغرب ،وكذا الاطار الدولي الذي اضحى مرجعا أساسيا في التشريع المغربي

وحينما نتحدث عن إدارة البنية التشريعية فنحن نتوخى الإحاطة بعمل الأجهزة المكلفة بإدارة التشريع بشكل شامل، يبدأ من وضعه في البرامج الى ان يصبح ساري المفعول على شكل نصوص قانونية او تنظيمية. وحسن إدارة البنية التشريعية من شانه ان يفعل القانون ويجعله أكثر اندماجا في تقويم سلوك الفرد والمجتمع، كما انه به تقاس مؤشرات الأمم وتقدمها ومدى حداثة مؤسساتها، كما انه يدعم سيادة القانون ويساهم في مصداقية النظام القانوني،كما أن هناك مبدأ رئيسيا في كل الأنظمة القانونية يفترض في الخاضعين للقانون العلم بأحكامه، وينبغي مراعاة التوازن بين هذا المبدأ والالتزام المترتب عليه على واضعي القانون لجعل القانون معروفاً للكافة، ويبدو منطقياً القول أنه تماشياً مع منطق افتراض العلم بالقانون بالنسبة للكافة، فهناك مسئولية ضمنية على عاتق من يتحملون إدارة البنية التشريعية بإتاحتها للكافة.

وقد ذهبت المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ أنه:”ينبغي أن يكون القانون متاحاً بشكل كاف،فيجب أن يكون لدى المواطن معرفة كافية بالقواعد القانونية التي تنطبق على حالة معينة ،ولا يمكن اعتبار قاعدة ما “قانوناً” إلا إذا تم صياغتها بدقة كافية لتمكين المواطن من تنظيم سلوكه: فيجب أن يستطيع – مع المشورة الملائمة إذا لزم الأمر – التنبؤ بدرجة معقولة بالعواقب المترتبة على تصرف معين.”

وقد أكد أيضاً الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في إصدارات مختلفة أن إدارة البنية التشريعية مهمة، وكما هو الحال في العديد من مسائل الإدارة الرشيدة ليس هناك أسلوب واحد وبسيط لإدارة البنية التشريعية، فعلى سبيل المثال أوصى تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الإصلاح التشريعي لعام 1997 – ضمن أمور أخرى – بأن المراجعة المنهجية للأدوات التشريعية تضمن استمرار تلك الأدوات في تحقيق الغرض المرجو منها بكفاءة وفاعلية، فجاء بالتقرير:”على الحكومات تطبيق مفهوم إدارة دورة حياة الأداة التشريعية الذي يتم فيه تطبيق المبادئ الرشيدة للتشريع أثناء مراحل سن التشريع واستمرار إجراء المراجعات خلال سريان الأداة التشريعية، فالتغيير السريع والمتلاحق في التكنولوجيا، والفرص الاقتصادية والظروف الاجتماعية يعني أن القواعد المتقادمة والتي لم يعد هناك حاجة إليها تؤثر بصورة سلبية على الدولة، والمراجعة التشريعية المنظمة وفقاً لمعايير متسقة تقيس فاعلية الأداة التشريعية والحاجة إليها لها مردود كبير من حيث انخفاض التكاليف وتحسين الفاعلية، وحجم وتعقيد المهمة يعني أن المراجعة الفعالة مهمة طويلة المدى تتطلب إدارة حريصة وتحديد جيد للأولويات، وتتضمن الأولويات المقترحة القطاعات التكنولوجية، ومواصفات المنتجات التي تعيق التجارة والاستثمار والإجراءات الحكومية مثل التراخيص خاصة تلك التي تتضمن أعباء كبيرة على المنشآت المتوسطة والصغيرة والتداخل و التعارض بين الجهات الحكومية.”

وجاء في تقرير مندلكيرن (التقرير الذي أصبح أساس لسياسات التشريعات الأفضل في الاتحاد الأوروبي” :اتساق وشمولية التشريع وإتاحته لكل المخاطبين به ضروري لتطبيقه بشكل جيد، ويجب الأخذ في الاعتبار إتاحة كل أداة تشريعية، ولكن يجب أن يتم ذلك كمبدأ عام بحيث يتم إتاحة أدوات تشريعية متسقة، وقد يتطلب مبدأ الإتاحة جهد خاص في التواصل من جانب الجهات الحكومية المعنية مثلاً يستهدف الأشخاص الذين بسبب وضعهم لديهم صعوبة في التأكيد على حقوقهم.”

وهنا نتساءل ما هو الانموذج الفعال في إدارة البنية التشريعية بالمغرب؟ أي هل تغيير نمط إدارة البنية التشريعية بالمغرب له وقع على المشروع الجديد للتنمية بالمغرب؟ فحينما نتحدث عن ملامح الانموذج الصريح في إدارة البنية التشريعية نقف امام أسلوب النشر والاتاحة للقانون امام الجميع، أي جعله في متناول الجميع والقيام بعمليات مكثفة من التحسيس والنشر الاستباقي للمعلومة القانونية.

وحينما نتحدث عن الأساليب الضمنية فهي تتعلق بأنشطة في مجال اصلاح القوانين (بشكل عام أو خاص) بما فيه من مراجعات للدستور والقوانين والمراسيم.
وخيرا فعلت الحكومة حينما انخرطت في سباق الإدارة المنفتحة بما فيه من مخاطرة، لكن إذا قيست مع الرغبة في التحول نحو التحديث والتغيير فإنها مما لا شك تعد خطوة تحسب لها في مسلسل الإصلاح المؤسساتي بالمغرب.

اذن مرحلة ما بعد المشروع التنموي الجديد باعتباره محطة تقييمية للبنية التشريعية بالمغرب تحتاج الى سياسة ضمنية في إدارة البنية التشريعية، بما يسهل تنفيذ مجموعة من الإجراءات لأسباب مختلفة، وتمثل تلك الإجراءات مجتمعة معا بشكل متزايد سياسة ضمنية لإدارة البنية التشريعية. ومن أمثلة تلك السياسات الضمنية: مراجعة الدستور، وإصلاح القوانين، برامج بناء التشريعات، وإصلاحات لتحسين البيئة الإدارية لمناخ الأعمال. كما انه يمكن اجراء عمليات مراجعة لتحديد القوانين غير المعروفة وتوضيح القوانين المعمول بها.

ونسوق هنا نموذج في هولندا على سبيل المثال استهدف برنامج “أداء الأسواق ورفع القيود وجودة التشريعات” مراجعة مجالات محددة من التشريعات مثل: الصحة والسلامة، التراخيص البيئية، المستشفيات ، المسؤولية عن المنتجات، تنظيم الغذاء، تنظيم المحامين والمحاسبين ووكلاء العقارات، صناعة الكهرباء، سيارات الأجرة، ونظم المعاشات المهنية.وقد تم صياغة مقترحات لجنة الخدمة المدنية وتم رفعها إلى اللجنة الوزارية المعنية بالبرنامج للاعتماد، ويستند الاختيار على مجموعة من المعايير بما في ذلك: الأهمية الاقتصادية للموضوع، واحتمال تخفيض عدد الأدوات التشريعية وبالتالي تحفيز الاقتصاد وزيادة فرص العمل.

وحالة المغرب في ورش التحديث للبنية التشريعية الذي اعتبره أساسا ومدخلا في المشروع التنموي الجديد نحتاج الى إعادة إدارة هاته البنية بشكل يضمن نجاعتها وقوتها في الأثر على الفرد والمجتمع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *