منتدى العمق

في انتظار صرخة الأقلام؛ لا أن تصبح أبواقا تشوه الواقع

لا شك أن فعل الكتابة ،كممارسة ثقافية و فكرية ، وباعتباره وسيلة تعبيرحضارية تؤثر على الوعي ، ساهم في تحرير عقلية شعوب كثيرة من سلطة التحكم و الدجل والأوهام ؛إضافة إلى كونه أداة للحوار والنقاش الهادئ ، إلا أنه في هذا الزمن الذي ابتذلت فيه المفاهيم و المبادئ ؛ اتخذ الكثير من الكتاب و الصحفيين الكتابة مطية لقضاء مآرب أخرى دنيئة ، فأضحت هذه الوسيلة الحضارية سلاحا للتضليل و التدمير عكس الكتابة الصادقة التي ساهمت بشكل كبير في التنوير وتقويم اعويجاجات الكثير من الشعوب ، وتهذيب نفوس الأفراد من نوازع الشر ، و المجتمعات من بؤر التطرف ايا كان مصدره و مبرراته .

لذلك حارب الانتهازيون ومصاصو دماء الشعوب الكلمة الصادقة و جاهدوا في تشويهها و ما استطاعوا في النهاية ، و التاريخ يشهد كيف أثرت الكتابة الواعية و الصادقة في الحد من تسلط الحكام و بطشهم خوفا لا طوعا . وكم من الكتاب و الشعراء والمفكرين دفعوا حياتهم لصدق أقلامهم . وهو دليل على قوة تأثيرهم في مقابل ضعف و ارتباك المستبدين و المغتصبين .

هناك كتاب في مختلف المجالات ساهموا في ذلك أداء لرسالتهم النبيلة في هذا الوجود وما بدلوا تبديلا ،دون أن ينتظروا من احد ثناء و لا شكورا ، و لم يحترفوا الكتابة عبثا أو للتعالي على باقي الناس ؛ بل نضالا ضد الظلم و القهر و الاستبداد بحثا عن الجمال و العدل و الصدق ، و قد أعطوا بذلك للكتابة معنى ذا جدوى دون الخوض في المعنى الفلسفي لذلك .

إن الكتابة الصادقة في زمننا هذا الذي استشرى فيه العبث و اللامعنى هي التي تطمح إلى المساهمة في التغيير ما دام الخلل قائما و الصمت مخيما . لأن كل كاتب يحمل بين جوانحه ” شهوة لاصلاح العالم ” كما قال احد الفلاسفة ؛إذ تصبح الكتابة هما سياسيا و وسيلة لتعرية الفضائح إلى أن ينقشع الضباب ،و يزول الاستبداد و التحكم و التضليل ، وتسود الثقة بين الحاكم و المحكوم ، و تلتئم الجراح في وطن يمنح الدفئ و الكرامة لأهله ؛ لا أن يظل مرتعا للعبث و العابثين . لذلك لا مبرر للكتاب على اختلاف أفكارهم في هذا الزمن العصيب ان ينسحبوا من مشكلات الحياة الحقيقية ، و يركنوا إلى أبراجهم العاجية بدعاوي واهية ، أو أن يتخذوا من الكتابة وسيلة للتمجيد و المداهنة لأغراض دنيئة .

إن المتأمل في مشهدنا الثقافي المغربي سيصدمه ، و لا شك ، ما يعج به من استئساد للرداءة و القبح و النفاق ، و سيادة للنميمة و الثرثرة بين كائنات هذا المجال ، رغم أن الواقع المغربي يدعو الى الصراخ و الصياح في وجه العابثين بالوطن . بل للأسف الشديد يساهم الكثير من الكتاب في التضليل و قلب الحقائق جبنا أو حفاظا على مصالح فانية …..

كتاب وصحفيون اتخذوا الكتابة مطية للارتزاق ، فراحوا يكتبون تحت الطلب مروجين ” أفكارا ” غير أفكارهم . و آخرون اتخذوا القلم وسيلة للثرثرة و كتابة أشياء مبتذلة و الهرولة الى نشرها عبر صفحات الجرائد ،التي امتلأت بأعمدة طويلة وأخرى عريضة لأسماء عديدة ؛ القليل الأقل من هذه الأعمدة يستحق القراءة .

بعض الصحفيين ظلوا لسنوات نجوما فوق العادة يوهمون الشعب أنهم يفضحون الفساد و يواجهون المفسدين ، وعندما حان وقت الجد بفضل موجة الربيع الديموقراطي انطفأوا و تراجعوا ؛ بل ان بعضهم انتقل الى صف من كان “يحاربهم ” فانكشف معدنه الزائف مهما حاول لأنه لا يمكن المقامرة بالوطن مهما اختلفنا .

و الكتابة الحقيقية في بلدي ،في هذا الوقت ، هي التي تصور الخلل و تسخر من المستحوذين لتحطم معنوياتهم وتكشف عوراتهم لأن أخطر المعارك هي معركة الوعي؛ إذ لامجال أمام هذا العبث للمهادنة أو المصالحة .

فقد علمتنا التجربة كيف احتوت السلطة الكثير من النخب؛ مسخرة إياهم في التطبيل و التزمير للأسياد ، و الضحك على ذقون الناس البسطاء، مفضلين العيش في ظل شاهقات القصور فنالوا لعنات التاريخ صبا صبا . فإما صمتوا صمت المتواطئ ، و إما تحولوا إلى أبواق تشوه الواقع . وهم كثر كالطحالب ينتعشون هنا و هناك.

لا شك ان الصدق يزعج الانتهازيين و قد يسبب المتاعب لقائليه . ولكن لا مناص من ذلك في ظل هذا الواقع الموبوء لان التاريخ لن يشفع لأحد .

فالوطن آيل للسقوط ينخره التخلف و يحكمه العبث و يعيش فيه عامة الناس عيشة ” الدبانة فالبطانة ” .فالمطلوب هو التوجه نحو الكتابة الواقعية كي تعكس على نحو سليم قضايا هذا الوطن الملحة بجرأة و وضوح ، وذلك مايرهب الفاسدين و يوقظ النائمين .فهناك فرق بين عيش البؤس و الوعي به .

لقد صدق بريخت حين قال :

يكاد الياس يقتلنا حين نرى الظلم و لا نرى احدا يثور عليه.

أليس الكتاب و الصحفيون هم الأقدر على رؤية الظلم مما لا يرى لباقي الناس ؟ فلماذا لا نرى الانتفاضة تنبع من أقلامهم؟ ما دام لا أحد ثار عليه .

فلتجهروا بالكلمة الصادقة أيها الكتاب و الصحفيين الأفاضل . وشكرا لكل المنتفضين الصارخين في وجه الظلم و العبث .

إننا في انتظارصرخة الأقلام لأنها في معركة الوعي اشد وطأة من الحسام المهند .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *