منتدى العمق

خريف الفيمنزم… قضية مربحة ومحامي فاشل

قد لا يختلف عاقلان أن العنف الذكوري والاغتصاب والتحرش وهلمجرة من آليات إخضاع الأنثى، شيء منبوذ بكل المعايير الإنسانية والأخلاقية، إلا أن موجة السخرية البارحة من فيديو نشيد الفيمنست “المغتصب هو أنت” قد تكون مبررة نسبيا إذا ما استثنينا بعض ردات الفعل العنيفة، لأولئك الذين اختاروا السخرية من شكل التشكيلية خديجة طنان، بدل مناقشة محتوى الفيديو الذي يعكس أزمة حركية لدى الهيئات الحقوقية النسائية، ويعبر عن بؤس نضالي وصل إليه تنظيم الفيمنست بالمغرب، الفيديو هو محاولة لمحاكاة الحركات النسوية بالتشيلي وأيضا تونس، حيث سبق تنظيم نفس التظاهرة في تونس بنفس العنوان “المغتصب هو أنت”، غير أن النسخة المغربية كانت مبتذلة جدا لانعدام الحس الإبداعي وقلة الحيلة والمرونة في التعبير عن التوجه والذات، طبعا لسنا هنا لمحاكمة صناع فكرة الفيديو، ولكن هذا الأخير كان معبرا جدا، يوضح لنا بالملموس كيف أن النضال الحقوقي النسوي بالمغرب يرقص رقصة الموت، ويعيش حالة احتضار، بعد انحباس الرؤى السياسية لدى تنظيم الفيمسنت.

المشكلة تكمن في الجدور الأولى للفيمنزم، التي تختزل الحياة في مجرد مواجهة للذكر الذي يسلبها حريتها، وفق هذا المنطق، فلا محيد عند الفيمنزم من دق طبول الحرب، والدخول في معركة تكسير العظام مع الرجل، طبعا هذه الرؤية تبسيطية جدا، وكلاسيكية، ولا يمكن أن تزيد الوضع إلا تأزما أو أن ترفع منسوب العنصرية، بيد أنه لا يمكن أن نعالج موضوع حساس كهذا، بهذه الطريقة الإنفعالية والعاطفية.
تغفل الفيمسنت عن البعد السياسي في معالجة قضية المرأة، فهي ترى أن عنف الرجل أقوى من عنف الدولة والإقتصاد، وبالتالي يجب تنصيب الرجل العدو رقم واحد، ولا بأس أن تتحالف الفيمنست مع أنظمة رجعية، مقابل أن تمكنها هذه الأنظمة من مكتسبات لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل”إلغاء الصداق ومنع التعدد والمساواة في الميراث”، هنا تتحول الحركات الفيمنستية إلى حركات تمويهية تمهد الطريق للأنظمة السياسية من أجل الركوب عليها، وكسب مشروعية سياسية من طرف تنظيم يصنف نفسه بأنه “حداثي”

تضع الدولة هؤلاء المناضلات الحقوقيات في الواجهة كنوع من الماركوتينغ السياسي، والتسويق للعهد الجديد المنفتح على المرأة، وتمكنهن من امتيازات مالية لو صرفت على المرأة القروية لكان الوضع أفضل بكثير مما نحن عليه الآن. البقعة الأكثر سواد في النضال الفيمنستي أنه يسلط الضوء فقط على المرأة النخبوية التي تجاوزت الرهانات الطبقية وتحصين ضروريات العيش، بل أصبح شغلها الشاغل تمنيع الجسد في الفضاء العمومي من سطوة الذكر “المغتصب الحكار الأناني الجبار”. لعل شعارات “صايتي حريتي، جسدي حريتي،من حقي أن لا أرتدي دعامات صدرية وأبرز حلماتي”، لعلها شعارات معبرة عن انسداد الأفق النضالي، وحصر النضال في الجسد والصاية، بدل التوجه إلى جوهر قضية المرأة، والنفاذ إلى عمق المشكل.

تسقط الفيمنست في وضع مفارق، ففي الوقت التي تدعي انها تحارب الميز العنصري بين المرأة والرجل،تخلق تفاوتات فجة بين المرأة البسيطة غير المتعلمة وبين المرأةالنخبوية الطامحة إلى النجاح الفردي والفئوي. في هذا الصدد أستعير لغة نانسي فرايزر وهي مناضلة نسوية أمريكية حيث تقول”هذه الحركة (أي الفيمنزم)التي كانت تعطي سابقا الأولوية للتضامن الاجتماعي، قد أخذت الآن تحتفل بالنساء المقاولات، والتوجه الذي كان يقدر العناية والتكافل، قد أصبح الآن يشجع الإزدهار الفردي ونظام الإستحقاق النخبوي”، إذا كانت فرايزر وهي نسوية توجه نقدا للأنثويانية فلماذا لا يحق للإنسان البسيط المتعلم أن ينتقد طريقة اشتغال هذه الهيئات الحقوقية النسائية الموجودة في المغرب،والتي تفتقر إلى أبسط المقومات الأكاديمية، ثم لماذا حينما يتحفظ شخص ما عن هذه الحركات النضالية، تتم خندقته مباشرة في خانة الذكورية والميزوجينية، هل أصبح تنظيم الفيمنزم مقدس إلى هذه الدرجة؟

إن كون هذه الحركات تحمل قضية عادلة فهذا لا يحصنها من النقد، وإن كان في قالب سخري أحيانا. قد تكون قضية المرأة مربحة لكن يدافع عنها محامي فاشل، قضية لا تحتاج إلا لإعادة توجيه البوصلة في الطريق الصحيح وبناء وعي سياسي يليق بحجمها، بعيدا عن ذلك النفس الصدامي بين الرجل والمرأة، وبعيدا عن الخبطات العشوائية التي رأيناها مؤخرا في الفيديو، المرأة تحتاج لمن يأخذ بيدها ويخرجها من الوهم الشائع الذي تروجه النسويات، تحتاج لمن يهمس في أذنها بأن المعركة الأولى والأخيرة ليست ضد الرجل فقط، بل هناك الميديا والمركوتينغ والإشهار والرأسمالية والأنظمة السياسية بالدرجة الأولى. يجب على الحركات النسائية أن تقوم بترتيب الأولويات، وتنظيف البيت الداخلي للفمنزم بدل أن تجنح لتصدير الأزمات الداخلية وتوجيه الكليشيهات الفارغة للمنتقدين، والتوقف أيضا عن لعب دور الضحية والمضلوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *