منتدى العمق

قراءة في قصة “المرأة التي في الأعلى” للقاص عبد الجليل الشافعي

تمهيد:

القصة فن أدبي، يتناول حادثة أو مجموعة من الحوادث التي يمكن أن تجري في بيئة ما، وتقوم بها شخصيات متباينة، وتنتهي إلى غاية مرسومة، وتصاغ بأسلوب أدبي معين.

وقد اشتهر بكتابتها عدد من الأدباء من أمثال يوسف إدريس ومحمد زفزاف وأحمد عبد السلام البقالي وغيرهم، وكثيرا ما يعمد هؤلاء الكتاب إلى جمع عدد منها في كتاب واحد يحمل اسم واحدة منها عنوان له .

ويعد عبد الجليل الشافعي واحدا من بين الكتاب المغاربة الشباب الذين يتألقون في سماء فن القصة، وما ذلك بغريب عنه، فقد راكم الأستاذ الكاتب تجربة مهمة على مستوى القراءة خاصة ما يتعلق بالسرد والقصة بالتحديد. وقد صدرت له مؤخرا مجموعة قصصية وسمها ب” المرأة التي في الأعلى” التي تعتبر باكورة أعماله والتي هي موضوع هذه القراءة المتواضعة .

ملخص القصة:

في بداية القصة نجد الكاتب يصف أجواء الصيف بالمدن ذات الجو الرطب القبيح نهارا والجميل ليلا، صيف يجعل أهل المدينة كالدجاج الرومي- على حد تشبيه السارد- لكن سرعان ما يتغير هذا المناخ في المساء، فتنطلق أسارير الناس وترسم البهجة على محياهم.

وينتقل بنا السارد بعد وصف المكان إلى الحديث عن الشخصية الرئيسة داخل هذا المتن الحكائي، الشخصية التي تجيد طرح الأسئلة، بينما تفشل في إيجاد الأجوبة.

تأخذ الصدفة الشخصية البطل إلى الجلوس بإحدى المقاهي الكائنة وسط المدينة التي لم يذكر اسمها، واكتفى بوصفها، مقهى مكتظة يعلوها صوت الزبناء وهم يناقشون ويحللون القضايا الراهنة التي لم تعد تستهويه لكثرة سماعها، فانزوى إلى ركن بعيد رغبة في الهدوء، جلس قرب نافورة منقوشة تذكره بالفردوس المفقود الأندلس الرطيب .

فتح أثناء ذلك رواية ” المصري” وبدأ في قراءتها بنهم كمريد صوفي سمقت به مسالك الجمال، وبينما تأخذه القراءة من عالمه الصاخب شعر بالحاجة إلى التدخين، فتوقف عن القراءة ليعدل قهوته السويداء ويشعل سيجارته ذات العقب الأشقر، وهو منشغل بارتشاف قهوته تلك لاحت له من الفوق امرأة فارعة الطول، في عقدها الثالث، تنظر من الشرفة إلى الأسفل وجمالها يتدفق حتى أنساه الرواية ومذاق الكافيين .

خرجت المرأة التي تبدو عليها نخوة النساء اللواتي قرأ عنهن مرة أخرى فأخرجته من حبر الرواية وقذفت به في واقع شهي تماما . وقد حاول أن يعود إلى أوراقه التي انتفى عنها الإغراء وإللى سيجارته التي لم يتق منها إلا العقب لكنه لم يفلح، فخرج من المقهى غضبانا أسفا وهو ينظر إلى الأعلى من جديد ليجد النوافذ مغلقة في وجهه والغرف مطفأة أنوارها، فأخذ يناجي نفسه : ” عليك أن تزور طبيبك في أقرب وقت يا أستاذ…”.

دراسة الأحداث:

اشتملت هذه القصة- كما هو واضح- على نوعين من الأحداث، يكمل أحهما الآخر، ويرتبط بهما: حدث رئيس يدور حول انشغال الشخصية البطل بالمرأة التي في الأعلى وينتهي باختفائها وخيبة أمله، ويشكل محور القصة . ومجموعة من الأحداث الفرعية الصغيرة التي تحيط به، وتدور حوله، وتفضي إللى تسليط الأضواء عليه، وتكشف لنا تيهان بطل القصة .

الشخصيات:

تنقسم شخصيات هذه القصة إلى فئتين رئيستين، شأنها في ذلك شأن معظم القصص الأخرى، فاشتملت على شخصيات رئيسة، وأخرى ثانوية، ولكل منها دور محدد ومرسوم داخل القصة .

وتشكل شخصية البطل الذي لم يذكر لنا اسمه، وهذا قد يدل على أن أي إنسان يمكن أن يكون البطل في هذه الحكاية، شخصية عاشقة للكتب ميالة إلى الهدوء والسكينة، اشتغل مرشدا سياحيا مهمته بيع الكلام على حد قول السارد، غير أن هذا الهدوء سرعان ما سيتحول إلى غضب وانفعال .

إلى جانب هذه الشخصية المحورية نجد شخصية أخرى لا تقل أهمية عنها يتعلق الأمر بالمرأة ذات القوام الجميل، شعر أسود وجمال أخاذ، عليها تدور الدوائر واهتمامات الشخصية البطل .

هذا بالإضافة إلى شخصي السارد التي تتقاطع في أحيان كثيرة مع البطل، وشخصيات أخرى ثانوية منها الزبناء في المقهى الذين تتعالى أصواتهم وناس المدينة وغيرها من الشخصيات العابرة .

بيئة القصة:

تتنوع الأمكنة والأزمنة في هذه القصة، وأما المكان فيمكن تقسيمه إلى عام الذي تجسده المدينة، وخاص ( المقهى الغرفة، الشرفة…) وهي الأمكنة التي دارت فيها مجريات الحكاية وكان لها التأثير البالغ في نفسية البطل.

وأما الزمان فبدوره ينقسم إلى قسمين زمن عام : الصيف، وزمن خاص وتحيل عليها مؤشرات من قبيل ( المساء، غشت…)
وقد اعتنى الكاتب بوصف هذه البيئة وصفا معبرا ودقيقا منذ مطلع قصته، إلى نهايته، فانتقل بنا أثناء ذلك من جو المدينة المكفهر، وجو المقهى الصاخب وغيرها من الأماكن .

الأسلوب الأدبي:

اعتمد الكاتب من خلال قصته ” المرأة التي في الأعلى” على أسلوب سهل وبسيط، يعبر عن شخصيات القصة تعبيرا موحيا ودقيقا، فتنطق فيها الشخصية البطل على سجيتها، ونسمع صوته يعلو بعدما خاب ظنه في رؤية المرأة من جديد: ” عليك أن تزور طبيبك في أقرب وقت…”.

وقد تخللت النص بعض الحوارات خاصة المونولوج ( يتساءل مع نفسه، ربما تكون متزوجة، ربما تكون أما…)

هذا وقد زواج الكاتب من خلال نصه بين خاصتي الوصف والسرد وهو ما أضفى على القصة جمالية خاصة، رغم ما شاب الوصف من مغالاة ومرد ذلك التدفق اللغوي لدى الكاتب وقدرته على تطويع اللغة .

ختاما، إننا نعد هذا العمل متميزا، حيث توفق الكاتب الفذ الأستاذ عبد الجليل في نقل تفاصيل هذه القصة الواقعية إلى القراء بأسلوب جميل وسلس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *