أدب وفنون، مجتمع

معرض الكتاب دينامية ثقافية أم عرض تجاري؟ .. كتاب يجيبون

أُسدل الستار الأحد الماضي، على فعاليات الدورة 26 للمعرض الدولي للكتاب والنشر، الذي احتضنته مدينة الدار البيضاء في الفترة الممتدة بين 6 و16 فبراير الجاري، بفضاء مكتب أسواق ومعارض الدار الييضاء.

جريدة “العمق” استقت آراء كتاب وروائيين ونقاد وقُصاص حول هذه الدورة، فجاءت متباينة ومختلفة، بين من رأى أن المعرض الدولي للكتاب والنشر عرس ثقافي ساهم في إنعاش الحركية الثقافية بالمملكة، فيما اعتبر آخرون أن المعرض أصبح متجاوزًا في صيغته الحالية، معتبرين أنه بات غير مشرف ولا يرقى إلى مستوى الطموحات والتطلعات.

عرس الكتاب

وفي هذا الشأن، قالت الروائية أمينة الصيباري، إن المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، هو أكبر محفل سنوي ثقافي بالمغرب، على اعتبار أنه سوق الكتاب الأول وفرصة الكُتاب للتواصل فيما بينهم، فضلاً عن التواصل مع الناشرين والقراء، لذلك فهو موعد يترقبه الجميع لترويج الكتب، ولحضور اللقاءات والتوقيعات والإطلاع على التجارب الثقافية الأخرى لأن المعرض يبرمج كل سنة الاحتفاء ببلد ضيف.

وبخصوص اللقاءات والتوقيعات، بحسب المتحدثة ذاتها، فهي غالبا ما تكرس نفس الأسماء، وهذه ملاحظة أصبحت تُزعج الكثير من المثقفات والمثقفين في البلد، ويتحكم في نجاحها مدى التعبئة التي يمكن أن يقوم بها المشاركون في الندوات لجلب الحضور، أو مفهوم الشللية والولاءات، وبالتالي تجد توقيعات مكتظة وأخرى شبه خالية.

واعتبرت صاحبة رواية “تماريت” في حديثها مع جريدة “العمق”، أن أثر معرض الكتاب يقتضي بالضرورة الحديث عن موقع الكتاب في حياتنا كمغاربة ومدى إقبالنا على شراء الكتب، متسائلة في السياق ذاته، هل يقتني المغاربة الكتب بالوفرة التي يقتنون بها أشياء أخرى؟ كم تشكل ميزانية اقتناء الكتب من ميزانية الطبقة المتوسطة سنويا؟ لماذا لا تشكل القراءة طقسا يوميا للأسر؟ .

أزمة قراءة

الجواب عن هذه الأسئلة معقد للغاية نظرا لأن المغرب يسجل في مراتب متدنية من حيث ساعات القراءة منذ سنين، والمسألة تحتاج الغوص عميقا من أجل فهم هذه العلاقة الملتبسة مع الكتاب عند الأغلبية، تضيف الصيباري.

وأوردت المتحدثة نفسها “إذا استثنينا فئة قليلة تواظب على شراء الكتب، نجد أن أغلبية من يفترض فيهم الإقبال على الكتاب عازفون عنه”، مضيفة في هذا الصدد بالقول: “عشت تجارب مضحكة وصادمة في هذا المضمار السنة الماضية وأنا أوقع روايتي بمعرض الكتاب، حينما زارتني سيدة من “النخبة” سبق أن التقيت بها في نشاط ثقافي هناك، بعد التحية والمجاملات، قالت إنها لن تقتني الرواية، مع أن لا أحد طلب منها ذلك، وأنها ستقرؤها حين تشتريها الجمعية التي تنتمي إليها والتي تنشط في مجال تشجيع القراءة وطنيا.

وتابعت قولها، “حمدت الله كثيرا أن لدينا جمعيات تقتني الكتب لأعضائها حتى يتمكنوا من القراءة. عكس هذا النموذج البئيس، هناك متابعين في الافتراض( نساء ورجال) يغتنمون هذه المناسبة السنوية لحضور اللقاءات واقتناء الكتب، ويوجد أيضا قراء من خارج الوطن يستغلون فرصة المعرض للحصول على الكتب التي تصلهم عبر معارفهم”.

وزادت الصيباري في السياق ذاته، “نأمل أن تخلق هذه المسابقات التي تعنى بالقراءة هنا وهناك جيلا قارئا، وأن تساهم النخب في ترويج الكتاب عبر اقتنائه لا عبر العبارة المأثورة: “أين هي نسختي؟”، وفق تعبيرها.

حركية ثقافية

في المقابل، تكلم الروائي والكاتب إبراهيم الحجري بلغة متفائلة، معتبرًا أن المعرض يشكل حج الكتاب والمفكرين والشعراء والشغوفين بالكتاب، والباحثين، والتلاميذ والطلاب..

وقال صاحب كتاب “عبق المدائن العتيقة عن رحلاتي إلى الشرق” إنه في الوقت الذي يلبي المعرض حاجيات النخبة القارئة لجديد المطبعات ودور النشر، خاصة منها تلك التي لا تصل إلى البلد إلا في مثل هاته المناسبة، فإن كتابا ومبدعين ومفكرين ينتظرون هاته المناسبة على أحر من الجمر لمعانقة كتبهم المطبوعة خارج القطر، فيتحررون من لوعة فراق كتبهم.

وبحسب المتحدث ذاته، “يرافق عرض الكتب وبيعها، برنامج متنوع لتوقيع المطبوعات الجديدة، وتنظيم لقاءات مع كتاب مغاربة وأجانب، فضلاً عن أنشطة إشعاعية موازية تشبع نهم المتلقي المغربي لمثل هاته اللقاءات، كما أن البرنامج لا يخلو من أنشطة ترفيهية وورشات للأطفال، وتكريم رجالات الثقافة الذين قدموا خدمات كبيرة لعالم الكتب والأفكار”.

وعلى صعيد آخر، أردف الحجري، في تصريحه للعمق، قائلاً: “هذا يمنح زائر المعرض فرصة اقتناء نسخته موقعة بخط صاحبها، وأخذ صور تذكارية معه، بل أكثر من ذلك، قد يتيح له فرصة اللقاء بمن يعجب بهم الكتاب النجوم من كافة ربوع العالم، ومحاورتهم، وتبادل الأفكار معهم دون وسيط أو حاجز”.

وزاد قائلاً، أن المستفيدين من خدمات المعرض وإشعاعه قلة إذا ما قارناه بعدد الساكنة المغربية البعيدة التي لن تستطيع القدوم من جغرافيات بعيدة لحضور فعاليات المعرض والاستمتاع بها، بفعل تمركز المعرض في مدينة الدار البيضاء، فإن حركيته المتنوعة لا يمكن التغاضي عنها، أو الاستهانة بها، مثلما لا يمكن الاستهانة بأي نشاط آخر مهما صغر حجمه، حتى إن نظم في سيدي بنور أو أولاد افرج، أو طانطان، أو أولاد حمدان… أو أصغر قرية في البلد، على حد قوله.

الغائب الأكبر

من جهة أخرى، أشار الروائي والقاص عبد الحميد الغرباوي إلى غياب دور النشر السورية لأسباب تخرج عن نطاق ما هو أدبي وفكري.

وشدد صاحب رواية ” عندما تضحك النوارس” على أن المعرض يشكل حركية ثقافية باعتباره ملتقى للأقلام لتبادل الأفكار والبحث عن وسائل وطرق للانتشار على الصعيدين المحلي والعربي.

وفي هذا الصدد، أشار الغرباوي في حديثه للعمق، إلى أنها حركية ثقافية تنتهي بإسدال الستار وانتهاء فترة المعرض التي غالبا لا تتجاوز عشرة أيام أو أربعة عشر يوما، على حد قوله.

زحف المؤسسات والإدارات

من جانبه الكاتب و الروائي عبد الكريم جويطي، يرى أن زحف الإدارات على المعرض ساهم في تقليص المساحة المخصصة لدور النشر.

وأوضح صاحب رواية “المغاربة” في حديثه للعمق، أن هذا يشكل تهديدًا لهوية المعرض وللغايات الكبرى الذي يقام من أجلها.

وفي هذا السياق، اعتبر جويطي، أن معرض الكتاب في حاجة لإعادة نظر جدرية من طرف وزارة الثقافة لأسباب كثيرة، وفق تعبيره.

وبحسب الروائي والكاتب محمد الوادي، يجب أن ينقل المعرض من مكانه إلى مساحة أكبر كما فعل منظموا معرض القاهرة الدولي، مبرزًا أن فضاء الطفل يجب أن يكون مستقلاً عن المعرض، وأن تكون سمته التنظيمية والترفيهية هي الهدف وليس بيع مطبوعات تتشابه، مطالبًا بوكالة أو هيأة مستقلة تشرف على التنظيم وليس وزارة الثقافة.

نفس الوجوه وأثمنة مرتفعة

من جهة أخرى، تحدث الروائي مصطفى لغتيري عن الصورة السلبية لمعرض الكتاب، التي لم تستطع أن تتزحزح قيد أنملة عن أذهان المراقبين، مشيرًا إلى أن الجميع تقريبا يعتبرونه غير ذي معنى ما دام مترددا في القطع مع سلوكات بعينها.

وفيما يتعلق بالبرنامج الثقافي للمعرض، أكد صاحب رواية “الأطلسي التائه” في تصريح للعمق، أنه يكرر نفس الوجوه، بنوع من الإصرار البليد، وقد التحق بهم “مثقفون” كانوا إلى وقت قريب يجاهرون بانتقاد وزارة الثقافة، وما إن وجدوا لهم موطئ قدم هناك حتى نسوا كلام الأمس، وانشغلوا بازدراد الريع، حتى أن أسماءهم تتكرر في البرنامج الثقافي دون إضافة نوعية.

واستغرب المتحدث ذاته، أن هناك وجوها لا جديد لديها إبداعيا منذ سنوات ومع ذلك تؤثث البرنامج بحضور غير مستساغ، بينما كتاب لهم حضور قوي وإصدارات متواصلة لا تجد حضورًا لهم في البرنامج، فقط لأنهم يؤمنون بالكفاءة وليس بالولاء والتمسح بالأقدام.

ونبه لغتيري، إلى خلو البرنامج كل سنة تقريبا من أحمد بوزفور وسعيد يقطين والزهرة رميج وغيرهم من المثقفين الذين لهم حضور وازن وفعال في الساحة الثقافية، موضحًا هذا ما يجعل الإقبال على ندوات البرنامج ضعيفا، ولا أثر لها، فيما ينشغل الجميع باقتناء الكتب وبحفلات التوقيع مع دور النشر، ويبقى الجانب التجاري هو الوجه البارز لمعرض الكتاب رغم أن الأثمنة مرتفعة للأسف، ولعل ذلك راجع إلى ارتفاع كلفة الأروقة التي تكتريها دور النشر من المنظمين فيعوضون ذلك بمضاعفة أثمنة الكتب بشكل مبالغ فيه.

وتابع قوله، “هناك نقط ضوء في المعرض لا يمكن إنكارها ومن بينها حضور بعض المؤسسات الرسمية والأهلية وتنفيذها لبرامجها الخاصة ومنها وزارة التربية الوطنية التي احتفت بالطفل القارئ ببرنامج حافل، أتمنى أن يستمر ويتطور أكثر”.

أسئلة مقلقة

في غضون ذلك، أكد الكاتب والروائي محمد أبو العلا، أنه مع كل نسخة من معرض الكتاب يتجدد السؤال ويستأنف التطارح حول حصاد حَوْلٍ ثقافي وارف بإصدارات وأسئلة جديدة مواكبة، وهو بالمناسبة مناسبة تؤسس مع تراكم الدورات والتداول الإعلامي اليومي وانفتاح العامة على امتداد أيام معدودة على ما يؤرق المثقف على امتداد سنة، للانتقال بالتدريج من انشغال عابر إلى انشغال مؤبد بالكتاب، ولعل ما يرسخ هذا الرهان هو هذا الاحتفاء الذي يحظى به المثقف في الصالونات الثقاقية على مرأى من الزوار، وحجم الفضول الذي يثيره منتوجه على الهواء، في عرس لا يقاس بباقي الأعراس وبنجومية لا يأفل شعاعها بل يتأبد.

وفي هذا الصدد، تساءل صاحب كتاب “المسرح والسرد نحو شعريات جديدة”، هل المعرض يقاس بما يُعرض أم بتدخل العارض ووزنه غير الفكري طبعا؟ ما مسوغات مقاطعة الأسماء الوازنة للمعرض؟ هل جاءت على خلفية تهافت بائن لمن أدركتهم حرفة الأدب متأخرين؟.

وزاد أبو العلا متسائلاً، ما مقاييس انتقاء مؤلف دون آخر؟ وما قصة الإذن المطلق المخول للمشاركة في كل الدورات حتى بدون إصدار، هل هي صفة كاتب أم كلامجي؟ كيف تلتبس الثقافة بعدوى العلاقات؟ ثم ما هي مقاييس انتقاء الكتب الموقعة؟ هل هي الجدة أم حجم القراءات التي حظي بها المنشور وحجم تداوله على امتداد زمن الإصدار؟

ولم يفوت المتحدث نفسه، في حديثه للعمق، القول هل يقاس الفعل الثقافي بأصالة ما ينتج أم بما يحرق من مسافات نحو الجهات المزكيّة و حجز كراسي الواجهة؟ متسائلاً عن ما دور المثقف الحقيقي حيال مثقف الأقنعة، هل هو الركون في صف الجمهور حتى يكمل الدور أم التنديد بهزالة العرض؟، ألا يحتاج كل بناء عشوائي خارج المجال الثقافي الصرف إلى زجر و نقد الشخص قبل النص ؟ ليخلص أبو العلا إلى أن شيئا ما فاسد في مملكة الحرف من إتحاد الكتاب إلى معرض الكتاب، وفق تعبيره.

سوق تجاري

من جانبه، الكاتب و الروائي محمد الوادي شن هجوما شرسا على معرض الكتاب، واصفًا إياه بـ”سوق تجاري” تستفيد منه دور النشر والتوزيع والشركات، داعيًا في صرخته إلى إنقاذ المعرض قبل فوات الأوان، موضحًا ، أن الهدف التجاري ليس من الممكن أن تنتج عنه أو يولد حركية ثقافية وفكرية وفنية.

وفي المنحى ذاته، أكد الروائي والقاص عبد الحميد الغرباوي وهو يتحدث عن تأثير المعرض على الثقافة المحلية، أن تأثير ضعيف لكن لامحيد عنه، موضحًا في السياق عينه، أن معرض الكتاب لايمكن أن نجرده من طابعه التجاري، مبرزًا أن الأمر في نظره يرتبط بكل المعارض التي تخضع لثنائية الطلب والعرض.

من جهة ثانية، ختم الوادي حديثه للعمق، متمنيًا أن يصبح معرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء فضاء حالما وهادئا، مشددًا أن الثقافة والضجيج والزحام والعرق لا يلتقيان، ما دمنا لا ننعم بالهدوء، مضيفًا بالقول ” لا نمر من مسالك الورود، ولا نرى الابتسامات على الوجوه فإن المعرض يطبعه البؤس، وفق تعبير صاحب رواية “وداعا رانقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *