وجهة نظر

محاكمة القانون الجنائي وسؤال الحرية الفردية

طبل الحرية الفردية اصبح لا يقوى على ايقاعات مختلفة ،اختلط فيها النفسي اكثر منه فكري بالأساس ،ونازلة القول ،اني حضرت للقاء احدى جمعيات الفيمنست المغربي في احد الفنادق الضخمة ،لنحاكم القانون الجنائي بتهم ثقيلة وتاريخية ،حضر الدفاع وحضر القاضي وحضر البرلماني ومابعدالفقيه الحداثي وحضر الفيلسوف وحضر السياسي وحضرالحضور وغاب المتهم ودفاعه ،ابتدأت الجلسة المضطربة تقنيا بسرد نظري لاهم التهم التي وزعت من طرف هيئة الدفاع بدفوعات شكلية وجوهرية في الأساس ،غابت الأفكار وحضرت العاطفة والذات التي اتهمت السيد القانون الجنائي انه بدون مرجعية، وان غياب سياسة جنائية هي سبب عدم تطوره وان سؤال الحرية الفردية في حد ذاته هو اختيار وممارسة لحقوق أساسية ينص عليها الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب .

ونحن نترافع لنؤسس للمحاكمة العادلة لهذا الذي يسمى القانون الجنائي، وبصفتي شاهد ضبط لمسار المحاكمة، خرجت بمجموعة من الخلاصات التي اتقاسمها مع القارئ بهدوء واستقلالية تامة :

هل سؤال الحرية الفردية مناطه القانون الجنائي ؟

أي ان ممارسة الحرية الفردية بالمغرب يؤطرها القانون الجنائي ،أي ان اتهام هذا الأخير بمنع الحرية الفردية من الحياة وسجنها في قوالب اجتماعية هو تضييق على الحرية ،ام اننا بمحاكمتنا الفكرية والرمزية للقانون الجنائي الذي هو نتاج ممارسة تعود لسنوات طويلة مع الاستقلال وما شكلته من تحول جذري في الممارسة القانونية هو تطور أم تراجع الى الوراء ،كما ان تضييق الاطار المنظم لممارسة الحرية وحصره في قواعد جنائية هو عيب مسطري ،أي اننا حينما نطالب بإلغاء مواد بعينها بمرجعية حقوقية ،ننسى اننا نحن من اخترنا طريق المحاكمة للقانون الجنائي وصك الاتهام نحن من وضعناه على عنق هاته المدونة القانونية الزجرية والضبطية ،وكان الاسلم ان نساءل الحرية الفردية بالقانون المدني الذي يتسم بالتنوع والسمو والمسؤولية والحرية والإرادة ،اذن هل العيب فينا ام في سلوكنا لمسطرة تعطل اداءنا وترافعنا من أجل تغيير المجتمع وليس فقط تغيير قاعدة اجتماعية قانونية جنائية .

اذن مهمة تعديل القانون الجنائي هي مهمة يشترك فيها الجميع وربط الحرية الفردية بتعديل هاته القواعد هو طريق لن يؤسس للحرية المدنية بقواعد مسؤولة ،بل سيزيد من التضييق على الحرية لان سمة القانون الجنائي انه زجري الطبع ،لا يمكن ان نجاريه في قوته الضبطية والزجرية .

نحن أمام خياران أحلاهما مر،اما ان نختار طريق المحاكمة لقواعد جنائية بنفس حقوقي مزاجي بدون سند أو بسند لكن بدون حياد ،ونحاكمه على جرائم يتحملها المجتمع وليس القاعدة القانونية ،التي ماهي الا خلاصات تفكير للمجتمع والذي يتشكل من الدولة والأحزاب والمؤسسات .

أو الخيار المدني بما يضمن إعادة النظر في قواعد التزاماتنا ومؤسساتنا وهنا نعيد احياء النقاش الوطني حول اختياراتنا المجتمعية .

هل القانون الجنائي اصله رجعي المصدر؟

سؤال الرجعية والتقدمية الذي سما في خطابات اليسار المغربي ،يدل على حالة نفسية من الانحسار القيمي لهذا التيار الذي يعيش العجز في تطوير ذاته ،فمرة ينتصر لخرجات رفيقي ظانا منه انه ينتصر للحقيقة وهنا تغيب العلمية في الطرح والحجة والبرهان ،وتصبح تغدية راجعة لبنية مصابة بالهوس الفكري من كل منتوج أو قواعد مجتمعية تخالفه أو عجز على فهمها ،وحينها تصبح لذة الانتصار أو التعذيب والجلد التاريخي لوقائع ما في التاريخ الذي لا يعرف احد وليس لنا الوقت في البحث عنه ،اذن التقدمية في منحى الانتصار على الرجعية تقتضي التوفر على منهج علمي واضح وذو أثر ،والحال اننا فقط نحاكي الآخر في طرحه وماوصل اليه من نتائج ظانين اننا نسلك الطريق الصحيح .

ونحن لم نستطع حتى ان نؤسس لمحاكمة عادلة للقانون الجنائي بقواعد تحترم الحرية وتحترم ظروف المتهم وتوفير حقه في الدفاع .

فكيف نرغب في ان نصحح المسار ونحن فشلنا في تجربة بسيطة وفي ندوة اثرها لن يتجاوز حدود المكان الذي قدمت فيها المحاكمة الذي يدخل الدين في ورش ترميم المتهم **السيد القانون الجنائي **هي تهمة سندها ضعيف في الحجة والبرهان والوقع،والذي يقول هذا اما انه يخالف المنطق أو انه لا يعرف بنية القانون الجنائي الذي هو اختيارات للدولة وتمثله للعديد من القضايا ،ولذلك عدم قدرتنا على تقديم نموذج في الترافع يجعلنا نمارس نوعا من الاحتجاج الفوضوي الذي يخفي عجزنا امام قواعد قانونية صلبة.

ولذلك فسؤال المرجعية في حد ذاته سؤال اصيل لكنه غير مطروح في بنية القانون الجنائي ،الذي هو امتداد لسياسات عمومية جنائية بروح دستور 2011،والمسؤولية الملقاة على المجتمع في ان يترافع في تقديم مقترحات مضبوطة وعلمية للتغيير والتعديل .

كما ان البرلمان بغرفتيه في تمثل قضايا المجتمع فهو يعبر عن اثر وتفاعل الراي العام مع القضايا المصيرية ،ولذلك سؤال الحرية الفردية اصبح مضيقا عليه في ممارسات فردية مرتبطة بالجنس والدين ،وكانما كل قضايا المجتمع تم الحسم فيها وبقيت الحرية الفردية هي الأساس وهي المدخل الأكبر الذي يشغل الجميع.

هل كانت محاكمة عادلة للقانون الجنائي في سؤال الحرية الفردية؟

نحن بحاجة الى ان نلتزم اقصى ما يمكن في قناعاتنا ،باحترام الاخر سواء كنا في لحظة القرار او التفكير ،وسلطة الفكر اقوى من سلطة القانون ،لأن ما ننسجه من انطباعات نفسية نعتبرها في لحظة إنجازا فكريا عميقا ،لكنها في الحقيقة عجز على تقبل الآخر ولو كانت في شكل محاكمة فكرية رمزية له.

قواعد المحاكمة العادلة التي استوردناه بمنهج التقليد والمحاكاة لا نتقنها وحتى حينما ندافع على تبنيها لا نقدر ان نجربها بطريقة صحيحة ،لأنها ستكشف ضعفنا على تقبل الآخر ،سواء اتفقنا معه أم لم نتفق ،وحينها نمارس وصاية وحجرا فكريا فيما بيننا ،وحينها نصاب بخيبة أمل حينما نرجع الى حال سيبلنا اننا مازلنا لم نستطع ان نتطور أو نغير من حالنا .

ولذلك غاب المتهم امعانا في عدم اتاحة الفرصة له ولدفاعه الحقوقي لكي نعرف خبايا ما جرى، وهل هاته التهم باطلة أم صحيحة، ام ان تمديد سريان الدعوى الى مالانهاية أصل في الحياة المجتمعية والتي بهذا المنهج سيبقى سؤال الحرية الفردية من منبهات المجتمع المغيب في نسج السياسات العمومية، لأننا لانتقن فن القيادة والترافع المجتمعي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *