وجهة نظر

الحب في زمن التكنولوجيا

للمؤلف العالمي غابرييل غارسيا ماركيز رواية مشهورة بعنوان “الحب في زمن الكوليرا” ولعل أبرز العناصر التي تتضمنها الرواية، إضافة إلى الزمان والكوليرا، هو الحب الذي يتعالى عليهما معا.

الزمان في تبدل دائم كالنهر العظيم لا يكف عن الجريان، والحب كالكوليرا وغيرها من الأوبئة المستعصية، حينما يحدث فلا سبيل للشفاء منه.

ولكن الحب، كما تريد أن تقول رواية ماركيز، لا يعترف لا بالزمان ولا بالمكان؛ فهو كالوباء يصيب كل المجتمعات في الجهات الأربع للكرة الأرضية، ومنها مجتمعنا العربي الذي حفظ لنا قصصا عجيبة عمن أصابتهم جائحة الحب.

لكن يبدو أن الزمان تغير هذه المرة حقيقة، وذهب ذلك الحب الذي كان يعبر عن التضحية من أجل المحبوب؛ لقد مضى ذلك الزمان الذي كان يحب الرجل الفتاة فيطالبه أبوها بمهر غال جدا، فلا يصرفه ذلك عن الفتاة، بل يسافر ويجمع المال ليعود فيجد فتاته قد تزوجت ويعلم أن أباها لم يكن يقصد من غلاء مهرها إلا صرفه عنها، فيعيش الشاب حياته باكيا يبحث عن “ليلاه” في كل سهل ووادي، وعند كل رسم وطلل.

لقد ذهب معنى الحب كما عاشه أولئك العشاق، والذين رغم تفرقهم في البلدان، واختلافهم في الأزمان، إلا أنهم كانوا يجتمعون في تذوقهم لمعنى الحب ؛ فسواء كانوا في جاهلية أم إسلام، أم كانوا في صحراء مقفرة، أم في مروج ووديان، وسواء كانوا أدباء شعراء أم علماء فقهاء، فقد وحدهم سمو الحب وسمومه أيضا، كما يبين

عنه قول الشاعر:

فويلي على عفراء ويلا كأنه على الصدر والأحشاء حد سنان

كأن قطاؤ علقت بجناحيها على كبدي من شدة الخفقان

وقول داوود الفقيه الظاهري المشهور عندما جاء أحدهم يعوده في مرضه، ويسأله عن سبب مرضه فأجاب: حب من تعلم أورثني ما ترى.

لقد تقلبت الأحوال فعلا، وغدا الحب مغنما بعد أن كان مغرما.

لقد أمسى بضاعة معروضة في الأسواق، وتجارة رائجة ذات باعة وزبناء؛ تنصب له المنصات والمعارض، ويجتمع له الناس من كل الآفاق…

في مقالة له بعنوان “الدعارة مع العود” يرصد الكاتب الصحفي سليمان الريسوني التحول الكبير الذي وقع في الحب المغربي؛ فبعدما كانت عيون المغربيات في عصر الشيخة الحمداوية لا تستطيع جلب الهوى إلا من شيشاوة فقط ، أصبحت في زمن الشيخة الداودية تجلب الهوى وأشياء أخرى من دبي والكويت وما جاورهما.

المقال يرصد كذلك التحول الجغرافي الذي عرفه مجال الهوى المغربي والذي صاغته الشيخة الداودية في مقولتها الشهيرة «ولادكم عندنا وبناتنا عندكم» حيث تم تعويض “جاك بريل” ب جاك بغل…

وبما أن الشيخات لا ينطقن إلا عن الهوى، فلا مناص من تصديقهن في ميدان لا يضاهيهن فيه إلا الراسخون في هذا الشأن.

* باحث في الفكر الإسلامي ومقاصد الشريعة- مختبر الدراسات الدينية والعلوم المعرفية والاجتماعية ‘جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *