أما بعد

أما بعد .. فيروس “كورونا” زائل ودروسه خالدة

سنة كونية وحتمية علمية أن القضاء على فيروس “كوفيد 19” مسألة وقت وفقط، ومهما طال تسيده للمشهد وإرعابه للبشرية لابد أن يأتي يوم يصبح فيها ذكرى من الماضي، أو مجرد مرض بسيط له لقاح يحمي ودواء يشفي شأنه شأن كل الأوبئة التي تسلطت على الإنسان مُذ خلقه الله.

وهذه الجائحة المسماة “كورونا”، الفريدة بطبعها والسابقة بقوة انتشارها، والتي لم يشهد الأحياء مثلها من قبل، زالت أم استمرت فقد خلدت دروسا وعبر لمن يعتبر.

أولى هذه الدروس يعلمنا إياها الصراع الدولي على إنتاج الدواء واختراع اللقاح، في لعبة بقيت فيها دول العالم الثالث خارج المضمار مكتفية بالجلوس على مدرجات الجماهير منتظرة أن يأتي الفرج من الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين، ومنتظرة كذلك أن يتفق الواصلون إلى حل ما على صيغة ما لإيصاله إليها.

وهذه الإشارة لوحدها كافية لنسائل جدوائية وفعالية منظومتنا العلمية والجامعية خصوصا والتعليمية عموما، ونراجع سياساتنا التربوية التكوينية التي لم تنفعنا بشيء ساعة الأزمة، وهي إشارة كافية لإعادة الاعتبار في معادلة توزيع الموارد المالية، كم منها ينفق على المهرجانات والترفيه الأقل أولوية، وكم درهما يوجه إلى البحث العلمي وتطوير المختبرات احتضان العقول، وهذا أولى الأولويات.

الجائحة العالمية علمتنا كذلك، أن مستشفياتنا ومنظومتنا الصحية عاجزة أمام الضربات الفجائية وأمام الكوارث الكبيرة، والحال أن الواقع اليومي للمؤسسات الصحية باختلاف مستوياتها لم يكن يؤشر على شيء سوى الأزمة والسكتة القلبية، حتى وقبل ولادة الوباء، وربما لولا اليقظة المبكرة للمغرب لكان واقعنا أسوأ من الصين أو إيطاليا، وشتان بيننا وبينهم.

ولعل “الفيروس الصيني” كما سماه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (اتهاما للصين وربما إبعادا للشبهة عن بلده)، نبه وعينا الجمعي إلى عدد من السلوكات المشينة والمفتقدة للذوق الجمالي والحس الإنساني، مثل البساق على الأرض ونفث عصارة الأنوف في الشارع العام… وغيرها من السلوكات التي أصبحت اليوم هجينة مذمومة بفعل تنامي الإحساس بخطر “كوفيد19″، غير أن الأهم من ذلك أن نعيد النظر في حضور “التأطير الصحي” في منظوماتنا التربوية وسياسات الوزارة الوصية على الصحة، وكذا في برامج الإعلام العمومي.

درس آخر قدمه جزء من الشعب المغربي لحكومته وسلطاته، بعدم انضباطه مبكرا للقرارات الاحترازية، واستمراره في الخروج لغير ما مصلحة، التهافت على الأسواق والمتاجر الكبرى، إضافة إلى موجة التشكيك في عدد الإصابات المعلنة دون ما وجود أي مصلحة للدولة في تزوير الأرقام أو إخفاء المعطيات… كل ذلك تعبير عن أزمة ثقة تراكمت لسنوات بين الناس والمؤسسات، حدت من جدوائية الإجراءات الحازمة والجدية التي عبرت عنها الدولة المغربية في التعامل مع الجائحة.

إضافة إلى أزمة الثقة، كشف فيروس كورونا وجود خلل في قنوات التواصل بين الحكومة والمغاربة، وأثبت الوباء ضعف تأثير قنوات القطب العمومي ومحدودية أثر مؤسسة الناطق الرسمي باسم الحكومة، كما أظهر عدم قدرة الخطاب الرسمي على طمأنة المغاربة ناهيك عن “تجييشهم” و”تحريضهم” على فعل موحد بسيط لا يتجاوز “لزوم البيوت دون هلع”.

أخيرا التي وجب أن تكن أولا، أثبت الوباء أن خطر “إنتاج ونشر الإشاعة” يهدد المغاربة أكثر مما تهدده الأمراض والأوبئة، ولعل 10 موقوفين لدى مصالح الأمن بسبب استعمال غير سليم لمواقع التواصل الاجتماعي في التعاطي مع أخبار الجائحة، وبسبب ترويج معلومات مزيفة أو بدعاوى تحريضية ضد قرارات رسمية، رقم دال على خطر الإشاعة التي استطاعت أن “تحجر” في ثلاثة أيام على خُمس ما حجرت عليه كورونا منذ يوم دخولها إلى المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *