منتدى العمق

صورة المثقف بين الظهور والإخفاء

تخوفا من اختفاء “صورة المثقف”، انكبت اهتمامات العديد من الباحثين على البحث والتنقيب عن مفهوم “المثقف Intellectuel”. وأثناء قراءاتي لبعض المقالات وبعض الكتب، كومة من الاستفهامات حطت رحالها في ذاكرتي، واحترت كثيرا ما تراني أقول عن هذا ل “CONCEPT” لأنه صعب جدا، إن لم أقل مستحيل، أن نجد تعريفا دقيقا للمفهوم. أي أن كل ما نستطيع أن نحدده ما هي إلا تجليات تختلف من ناقد لأخر ومن منطلقات فكرية لأخرى مغايرة. فمثلا المناضل الإيطالي الكبير “أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci” في كتابه “دفاتر السجن Cahiers de Prison”” يقدم لنا قسمين من المثقفين، حيت يقول: {إن جميع الناس مفكرون ولكن وظيفة المثقف والمفكر لا يقوم بها كل الناس}. من جهة هناك “المثقفين التقليديين Intellectuels traditionnels”، كالفقهاء والمعلمين والإداريين الذين يؤدون وظيفة تفكير ثابتة، ومن جهة اخرى هنالك “المثقفين العضويين Intellectuels organiques”” الذين يتجلى دورهم في خدمة طبقات معينة بغية اكتساب السلطة والرقابة.

وعلى عكس “غرامشي” يذهب “جوليان باندا Julien Benda” في نصه “خيانة المثقفين Trahison des Clercs” إلى القول بأن {المثقفين عصبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة من ذوي القدرات أو المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة، يشكلون طبقة العلماء والمتعلمين البالغين الندرة نظرا لما ينادون به ويدافعون عنه من قضايا العدل والحق}. في قوله هذا يشير “باندا” إلى “ندرة المثقفين”.

علاوة على ذلك، نجد» جون بول سارتر JP. Sartre” في مقالته “Situation 2” يتحدث عن “المثقف الملتزم Intellectuel engagé”. أي أن المثقف عليه بتحمل مسؤولية أقواله ومسؤولية صمته، عليه أن يجعل من ريشته سيفا يحقق بها قيم العدل والحق.

أما “إدوارد سعيد” في عمله» تمثلات المثقف Représentation of Intellectuel” الذي سيعنون فيما بعد ب “المثقفون والسلطة Du pouvoir et Des intellectuels” فهو يشير أن هناك نوعان من المثقف. النوع الأول هو “المثقف الحق”   الذي يمتلك موهبة خارقة خصصها لخدمة الحق والعدالة. هو المثقف الذي يقتحم المناطق المحظورة بأسئلته الحرجة والجريئة ولا يمكن للحكومات شراءه أو استقطابه. إنه مطرقة تكسر كل أنواع الجمود والتنميط. المثقف الحق، يقول “إدوارد سعيد”: {يمثل المسكوت عنه وكل أمر مصيره النسيان، التجاهل والإخفاء. هو لا يمثل أحدا بل يمثل مبادئ كونية مشتركة لا تنازل عنها. هو يمثل نبض الجماهير ولا يقبل بأنصاف الحلول وأنصاف الحقيقة…}.  هو المثقف المقاوم الذي يقاوم بنشاطه وفكره هيمنة السلطة السائدة بمختلف أنماطها المادية، الاجتماعية والسياسية.  ثانيا هناك “المثقف الانقلابي”، أو ما يسمى ب “لحيس الكبا” إن جاز التعبير، هو ذلك المنافق والمناور، الانتهازي الذي لا يؤمن بمبادئ كونية مشتركة.

خلاصة القول، إن جاز ذلك، المثقف الحقيقي هو الذي يتحسس ألام شعبه، هو الذي جعل من ريشته سيفا يقطع بها يد الظالم ويمد يده للمظلوم، ومن أفكاره آملا للمظلوم ورعبا للظلم والظالم. المثقف الحق، لا يقبل المناورة والمراوغة، فهو لا يركع لأرباب السياسة وعبدة السلطة.

في هذا الصدد يقول “روجيه دوبريه”: المثقف الحق هو الذي لا يخون نصه الإبداعي، هو ذلك المتمرد على المؤسسات والذي يعكر الصفو ولا يخون قضاياه الجوهرية.

* أستاذ مادة اللغة الفرنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سعيد خلوفي
    منذ 4 سنوات

    تحياتي