وجهة نظر

طيبة الكلمة وتأثيرها على النفس

الكلمة هي تلك التعابير و الاحاسيس التي تولد من فكرنا و قلوبنا لتحرك افواهنا و تراقص شفاهنا فنصنع منها معاني كثيرة لتشق طريقها نحو الاخر لتتغلغل الى فكره و تحرك نبضه ، قد تكون كلماتنا طيبة فتزرع في الاخر البسمة و الامل والحب ، او تكون خبيثة لتكسر القلوب و تحطم الانسان.

فطيبة الكلمة في طيبة قائلها و خبثها في خبث صاحبها ، فان تحب غيرك معناه انك تخاف عليه من الالم و تراعي احساسه ، فانت بذلك تختار ارقى و اسمى المعاني و الكلمات ، لانه بالنسبة لك اسمى شيئ في الوجود و لا يمكن الا ان يواجه بالكلمة الطيبة التي تزرع الامان في نفسه و الحب في قلبك.

للكملة تاثير مباشر على غيرك ، فاما ان ترفعه الى الاعالي و تقوده نحو النجاح، او تنزل به نحو الارض فتكسره و تحوله الى اشلاء ، فاختيار الكلمات النابع من قلبك مع حسن الالقاء اكيد انه سيجد طريقه نحو من يهمهم الامر و تخشى عليهم من نسمات الصباح ،فهي أجمل الهدايا و أقلها سعرا، لا تساوي الكثير على الرغم من أنها لا تكلف إلا القليل و هي ليست سهما و لكنها تخترق القلب.

يقول احد الحكماء : القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تستمتع بثمرها فتتمتع بخضرتها،و إن من الكلام ما هو أشد من الحجر , وأنفذ من وخز الإبر , وأمر من الصبر , وأحر من الجمر , وإن من القلوب مزارع , فازرع فيها الكلمة الطيبة , فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها.”

فلن يستطيع العلم الحديث اختراع مهدئ للأعصاب أفضل من الكلمة اللطيفة التي تقال في اللحظة المناسبة ، إذا خرجت الكلمة من القلب دخلت في القلب ، و إذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.

نحتاج في بعض الاحيان الى سماع كلمة تزرع فينا الامل و تنعش فينا تلك الروح الذابلة ، فنبحث في كل ركن من هذه الحياة عن مصدر فخر لنا و شعلة امل لتضيئ لنا دربنا ، ففي مثل هذه المرحلة بالذات و حينما يصبح الخبز مراً ، تصبح الحاجة إلى الكلمة الحرة الصادقة و الطيبة امراً أهم من الخبز و و الدواء ، فان خير النفوس تلك النفوس الطيبة التي ترى سعادتها في اسعاد الناس ، وتستمد سرورها من ادخال السرور عليهم ، وذود المكروه عنهم ، وتعد التضحية في سبيل الاخر ربحا وغنيمة.

فليس الكل يمكنه ان يدرك او يتقن الكلمة الطيبة ، فهي من الصعب السهل الذي لا يتقنه سوى من ارتقى فكره و امتلا قلبه بحب الاخر و عرف قيمة نفسه و ما يملكه بين يديه ، فقد يكتب الشاعر او الكاتب الاف الكتب و المقالات و القصائد ، لكنه لن يستطيع ان يركب كلمة واحدة لحبيبته ، لانها بالنسبة له اعظم من كل ابداعاته و افكاره و كلماته ، و حبها فيه قلبه اقوى و اشد من ان تجعله يفكر في اعدب و اجمل الكلمات . فيعجزه لسانه على ان يبوح باي حرف، لانه يدرك ان كل تلك الكلمات و المعاني لا تكفي لتترجم او تعبر عن لحظة واحدة من حبه.

فمن منا لا يعرف العبقري تومس إديسون و هو من أعظم العلماء والمخترعين في القرن العشرين إذ خلف وراءه كما كبيرا من الاختراعات والابتكارات، التي لا تعد ولا تحصى، بيد أن العامل الأساسي في نجاحه يعود إلى أمه التي ساعدته ووثقت بقدرته على النجاح رغم أن الجميع اعتبره متخلفا و غير نافع لمجال المعرفة والعلم.

كان في الصف الابتدائي فجاءت رسالة من المدرسة، ففتحت الأم الرسالة وجعلت تقرأ قراءة صامتة ودموعها تنهمر، فقال اديسون الطفل ماذا هناك يا أمي؟ فقالت مكتوب يا حبيبي يا بني أنك عبقري وذكي حيث أن المدرسة غير قادرة على استيعاب قدراتك الفائق لهذا يدعونني إلى البحث عن مدرسة تليق بذكائك وعبقرتيك.

فابتسم الطفل وسر، وكان ذلك اليوم آخر لقاء له بالمدرس، حيث ندبت أمه وقتها لتعليمه ومساعدته حتى أضحى إديسون الذي نسمع عنه اليوم. توفيت أمه وفي يوم من الأيام و هو يفتش في أوراقها ومذكراتها فاذا به يقع على تلك الرسالة من المدرسة بذاك التاريخ القديم، ود أن يقرأها مرة أخرى لأنها ألقت بظلال طيبة على نفسه فإذا به يقرأ ” إلى السيدة المُحترَمة نانسي إدسون نحيطك علماً بأن ابنك غبي وبليد جداً، وقد أتعبنا وأشقانا لذلك نرغب إليك بدءا من اليوم ألا يأتي إلى المدرسة والسلام” فانحدرت الدموع من عينيه ثم قال “إديسون الطفل الغبي حولته الأم الرائعة إلى عبقري عظيم” ، فقط هي كلمة طيبة.

نخلص من ما سبق أن للكلمات وقع كبير على الحالة النفسية والمزاجية لكل واحد منا، خصوصا أننا نعيش داخل مجتمع تسود فيه مظاهر السلبية والتشاؤم في مجمل أنحاء الحياة، لهذا نحن في حاجة إلى خلق عادة الحوار الإيجابي مع النفس و مع الاخر ومعرفة الأساليب التي تتحايل بها علينا من أجل ترويض الذهن على رؤية الجزء المملوء من الكأس وليس الجزء الفارغ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا.

“راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات ….. راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعال
راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات….. راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك
راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *