منتدى العمق

عين لا ترى الدخان

لعلي أنهض من مخدعي مبتسماً رغم الصراخ الذي يملأ الأجواء ؛ وبقايا الحياة المتناثرة بين عيني طفلة لم يلتفت إليها من يرعاها ، لتجد نفسها بين غُبار الطرق تدور مُقلتيها بين وجوه المارة ؛ وتنسكب دموعها حسرة على ما ينتظرها من مجهول يتراءى علي الجانبين ، يخطف بصرها في فزع متنكر في ثوب الفضيلة .

تحكم الأيام بعذابات لا نهاية لها على ثمرة زوجين ؛ نُزعت من قلوبهم الرحمة وحل محلها صخرة صماء عمياء جاثمة على عيونهم ، تُخفي كل ما هو رائع بالحياة فلا يخرج من ألسنتهم إلا كل قبيح مؤذي ؛ ليشتعل فتيل الكراهية بينهما وتهب عواصف الإنتقام لتقلع جذور المودة ، وتنبت بذور الفراق لتنمو قاذفة بثمرة العلاقة بقارعة الطريق على موعد مع .. مصيرها المحتوم .

في محاولة بائسة أسير في الطريق مستصحباً ما تبقي لي من أمل ، في يوم جميل يقاوم إغواء فاسد يعرض ثمن خرقه للقانون ؛ ليشتري به ضمير موظف رقيق الحال عازفاً على أوتار حرمانه ، وعبء مسئولياته الجمّة المثقلة على عاتقه ليتخلى عن واجبه ؛ وشرفه ويتماثل مع غيره حتى أصبح الشريف محل السخرية والذم بمجتمع لا يرحم .

يعاودني الأمل في غد منير لا يأتي ، وربما بصيص النور يتنامى في تلك الصحراء القاحلة مخترقاً ظلمات اليأس ؛ وسدود الفساد المانعة لكل خير وليد يتمنى أن يترعرع وسط حديقة سعادة الصالحين ، ويتوضأ من ماءها الطاهر ليساهم في بناء المجتمع ؛ وعمرانه وإصلاح ما فسد منه واستئصال كل سلوك مشين يعود بالوعي الجمعي ؛ لما قبل تحضر الإنسان ومعرفته بقيمته كما قال الشاعر الألماني يوهان غوته “إذا أردت أن تكون للحياة قيمة فاجعل لنفسك قيمة”` .

لا طريق أمام أي مجتمع ينهض من كبوته إلا بمواجهة أمراضه المزمنة ؛ والتدخل فوراً لتشخيص آلامه والإعتكاف على إيجاد الدواء الشافي ، والجواب الكافي لنزع فتيل كل أزمة من جذورها حتى لا يبقى لها أثر ؛ وتختفي توابع الفساد السياسي والمالي والإداري والأخلاقي والإجتماعي والإعلامي ، ربما لا تأتينا الفرصة ثانيةً لنتجه كلياً إلى كل مكان موبوء لتطهيره ؛ وكلٌ في موضعه يستطيع أن يضع لَبنه في ذلك الجدار الواقي من انزلاق المجتمع بأسره إلى سفح الجبل ، ورذائل الأخلاق فالكل في سفينة واحدة تبحر وسط أمواج متلاطمة من السلوك الفاسد ؛ ورائحة احتراق النوايا الحسنة تفوح من كل مكان ولكن ما زالت عيون لا ترى الدخان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *