منتدى العمق

منظمات المجتمع المدني الشبابية ودورها في تجاوز الأزمات النفسية والمشاكل السلوكية لدى المراهق

تـصـديـر:

تفعيلا للمشاركة المواطنة ، وتكريما لفعاليات المجتمع المدني خصوصا الشبابية منها ، ووقوفا على دورها الريادي و الكبير الذي تلعبه في ما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية ونشر القيم الوطنية و المجتمعية لدى فئات عريضة من شباب مجتمعنا المغربي ؛اخترت أن أهديها هذا المقال الذي عنونته ب ” منظمات المجتمع المدني الشبابية ودورها في تجاوز الأزمات النفسية و المشاكل السلوكية لدى المراهق” الذي حاولت فيه أن أسلط الضوء على الدور الهام الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني الشبابية في تأطير الشباب ومواكبتهم في فترات المراهقة وتمكينهم من أدوت و آليات نفسية يتجاوزون بها الأزمات النفسية و الصدامات و التوترات الداخلية التي تطبع هذه الفترة العمرية الحرجة في سن الإنسان ، وما تقدمه بذلك من خدمات جليلة للأسرة و للمجتمع عموما .

منظمات المجتمع المدني الشبابية ودورها في تجاوز الأزمات النفسية والمشاكل السلوكية لدى المراهق

الجزء الأكبر من فترة الشباب يسمى مرحلة المراهقة ، وهي المرحلة التي تبدأ من البلوغ وهو سن القدرة على التناسل وتختلف بداية هذه المرحلة وطولها باختلاف الجنس و المناخ و الثقافات … ومن التغيرات البارزة التي تطرأ على شخصية المراهق ، و التي ترجع إلى عوامل فسيولوجية و اجتماعية ،اشتداد الرغبة الجنسية ، وميل المراهق ميلا كبيرا إلى التحرر من قيود الأسرة ، وجنوحه إلى الاعتناء الشديد بنفسه وتوقه إلى الاستقلال ، فهو يريد أن يقرر أموره بنفسه دون تدخل والديه ، وأن يختار اصدقاءه و ملابسه ومطالعاته بنفسه على غير ما تفرضه الاسرة .كما تشتد حاجته الى الانتماء الى جماعة سواء أكانت رياضية أو اجتماعية أو ثقافية … أو ثلة من ثلل الشباب تجمع بين أفرادها هواية معينة أو حي واحد … ، وذلك لشعوره أن الأسرة لا تهتم به و أن الجماعة ترضي ما لديه من حاجات نفسية كثيرة لا يرضيها البيت ولا المدرسة ، لذا فهو يسعى إلى الاندماج في واحدة منها ويفرغ عليها من ولائه و احترامه لقوانينها الشيء الكثير . حتى قيل إن المراهقة مرحلة فطام من السلطان الفردي للأب و الأم و المدرس … إلى سلطان الجماعة . هذا الانتماء ينمي قدرته على الحكم على مشاعر الآخرين ، وما يتوقعونه منه ، وعلى موقفهم من سلوكه ، ومنه يتعلم بعض حقوق الغير. الواقع أن هذه الجماعة من أهم العوامل في تطبيع المراهق . فهو يعلق أهمية كبرى على آراء زملائه فيه ، ويعمل على محاكاتهم في سلوكهم و اتجاهاتهم وميولهم وطموحهم وحتى نوع لباسهم وتسريحة شعرهم وطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للواقع و للمجتمع وللغير عموما .

ومرحلة المراهقة تزخر بكثير من الأزمات النفسية و المشاكل السلوكية .خاصة في الفترة الأولى بعد الطفولة ، ثم تخفت حدة هذه الأزمات تدريجيا حتى يصل المراهق السوي في نهايتها إلى درجة كافية من الاتزان الانفعالي و النضج الاجتماعي ويتلخص هذا النضج في القدرة على التوافق الاجتماعي و الحساسية لمشاكل المجتمع و التفطن اليها و الاشتراك في الخدمات الاجتماعية .

ومن علامات هذه الأزمة النفسية :

شعور المراهق بالخوف و القلق لأنه قادم على عالم جديد يجهله وليس لديه من الحكمة و الخبرة ما يستطيع به أن يشق طريقه فيه .

تقلبات مزاجية ظاهرة :الترنح سريعا بين (التحمس و الفتور – الإقدام و الاحجام – السيطرة والخنوع – الخشونة و الميوعة – الرحمة و القسوة … فقد تجده اليوم يصر على اتخاد قراراته بنفسه ، ويلتمس غدا النصح والمعونة والارشاد عند اتخاد قرارات بسيطة … )

ظهور مشكلات سلوكية من اخطرها التمرد و العدوان أو الانسحاب و الهرب المادي أو النفسي من العالم في أحلام اليقظة و للتمرد صور مختلفة .

ويتوقف نوع استجابة المراهق لهذه الأزمات النفسية على عوامل عدة منها :

استعداده الفطري ونوع تربيته في الطفولة ، وما لاقاه من صدمات في حياته فمنهم من يجتاز الأزمة بسلام ويستجيب لها استجابة واقعية موفقة ومنهم من يظل في حالة من التردد و الحيرة الموصولة يلتمس العون و السند و الإرشاد ومنهم من يصطنع محاولات عصابية للتخفيف من التوتر و القلق كالعدوان و الانسحاب ، وفريق يجدون في الجريمة أو المخدرات مخرجا ، وآخرون لا يكفيهم الا الذهان .

وتنشأ هذه الأزمات النفسية من تضافر عوامل جسمية ونفسية و اجتماعية شتى تخلق في نفسية المراهق طائفة من الصراعات تزيد من توتره و قلقه . وتتلخص فيما يبذله المراهق من جهود للتوافق مع نفسه ومع الآخرين في ظل المتغيرات الجديدة والبحث عن الهوية .

وقد وفقت منظمات المجتمع المدني الشبابية منظمات (غير حكومية ) إلى معونة كثير من المراهقين على اجتياز هذه الأزمة بسلام وكانت وسليلة ذات أهمية كبيرة و بناءة في تطبيع المراهقين . فقد أعانت المراهق على اكتشاف نفسه ، و قدراته واكتشاف امكاناته الخفية او المهملة ، و نواحي القوة و الضعف فيه وبذا فهي تسهم في تنمية فكرته عن نفسه و في تصحيح هذه الفكرة كما أرضت كثيرا من حاجاته النفسية كالحاجة إلى الأمن و إلى التقدير وإلى الانتماء و إلى الاستطلاع .

ولنذكر أن اختلاط الجنسين في هذه المنظمات ذو قيمة صحية بالغة ، فهو يبدد الأفكار الغامضة التي يخلقها الخيال ولا يصححها الواقع، في نفس الجنس الآخر . هذا فضلا عن أنها وجهت المراهق الى استثمار وقت فراغه ، وباعدت بينه وبين الملل ، كابوس اليقظة . ووقته من الانطواء على نفسه ومن حياة الترهل و النعومة ، وحفزته على الاشتراك في النشاط الاجتماعي المنظم الهادف الذي يعتبر بمثابة علاج نفسي .

فلا شيء يؤدي الى تكامل شخصية الشاب واتزانها مثل تعبئة قواه المختلفة وقدراته واهتماماته لعمل شيء يرضي نفسه ويرضي المجتمع .

ومن أهم الخدمات التي تقدمها هذه المنظمات أنها تعين المراهق على اختبار الواقع وتقوي تكامله مع العالم الاجتماعي أوسع و أرحب ، كما أنها تحرره من بعض صراعاته النفسية . فحين يرى المراهق أن المراهقين الأخرين حانقون ايضا على ابائهم ، أو منشغلون أيضا بالناحية الجنسية ، يخف توتره وشعوره بالذنب . وفيها يتعلم كيف يعالج ما يشعر به من كراهية وما يرغب فيه من سيطرة .

و أما عن دور منظمات المجتمع المدني من خلال أنديتها داخل المدرسة أو الثانوية ، فقد أجريت بحوث واسعة في هذا النطاق عن أثرها في تكوين الشخصية المتزنة و الخلاقة و المبدعة ، فظهر أنها تساهم في إرضاء الحاجات النفسية الأساسية للمراهق وتعترف بشخصيته وتحترم ميوله وتتحدى تفكيره وتتيح له الفرص لكسب المهارات الاجتماعية ، و هنا تجدر الإشارة إلى أن نجاح هذه العملية رهين بكون منشطو هذه الأندية و المنظمات و المعلمون كذلك ممن تكاملت شخصياتهم و اتزنت ، وممن يتمتعون بروح اجتماعية عالية ، كما وجب أن يكون ما تقدمه على اتصال كبير بالبيت مما يقي الطالب (المراهق) من التعرض للقيم المتعارضة بينهما .

يرى ( مورينو )Moreno أن شخصية الفرد تنمو وتتطور من خلال تعدد الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها ، وأن كلما تعددت هذه الادوار زادت مرونة شخصيته .

الدور Role هو نمط السلوك الذي تنتظره الجماعة من فرد ذا مركز معين فيها ، فكل مجتمع ينتظر من المرأة غير ما ينتظره من الرجل ، ومن الراشد غير ما ينتظره من الطفل ، وغني عن البيان أن الدور يختلف باختلاف ثقافة المجتمع و باختلاف سن الفرد وجنسه ومهنته ، فثقافة المجتمع أو الجماعة تؤثر في الدور الذي يقوم به الفرد وتحدده . فالنساء في بعض المجتمعات ” البدائية القديمة ” يتسمن بسمات الرجال ، ويقمن بأعمال الرجال في بعض المجتمعات ” الغربية ” .وكل دور يفرض على صاحبه أن يتسم بسمات معينة و أن يتخلى عن سمات أخرى .

ومن هذا نرى أن للدور أثرا كبيرا في تنمية بعض سمات الشخصية أو تعطيلها أو تضخيمها أو الانحراف بها أحيانا . و لا يخفى أن عجز الفرد عن أداء دوره كما يجب يهز فكرته عن نفسه ويمس عاطفة احترامه لذاته مما قد يعرضه لصراع نفسي شديد يتهدد شخصيته .

وهنا نخلص إلى الأهمية الكبيرة لتنظيمات المجتمع المدني التي تسمح للمراهق أن يقوم بأدوار عديدة داخلها و أن يساهم بذلك في إنجاح مشروع الجماعة التي حققت له إشباع لحاجاته النفسية ، و بذلك يحقق التوافق النفسي الاجتماعي و يشعره بالارتياح و الإشباع سواء داخل جماعة الانتماء أوفي المجتمع بصفة عامة ، كما أن بانخراط المراهق وتفاعله داخل منظمات المجتمع المدني تنضج شخصيته تحت تأثير الخبرة و الممارسة و الصراع وبشكل متداخل يكون المراهق صورة صحيحة عن نفسه ويعرف امكاناته و قدراته ونقاط ضعفه وقوته وبهذا يزداد تقدير الفرد لذاته و احترامه لها .

* فاعل مدني وطالب جامعي تخصص علم النفس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *