وجهة نظر

البحث العلمي أزمة أرض على طريق الرقي

يقول روجر فرويتس المفكر الامريكي : “ليس التعلم ان تحفظ الحقائق عن ظهر قلب بل أن تعرف ماذا تفعل بها”، و هنا يظهر جليا لنا ، مدى اهمية العلم و مكانته داخل المجتمعات ، التي تسعى الى النهوض بمكانتها داخل العالم ، و كيف لا و العلم هو وقود جميع الانظمة و قوتها التي لا يمكن ابدا الاستغناء عنها ، و دونه لا يمكن في اي حال من الاحوال ان تقوم لوطن قائمة .

فان العلم والمعرفة هو ذاك النور الذي يضيء الطرقات ويفتح المجالات ويرفع من شأن صاحبه و وطنه فلولا العلوم لما عرفنا الطب والأطباء ولا عرفنا الهندسة والمهندسين و التطور التقني الذي نشهده في زمننا هذا، أنظر إلى الهاتف الذي تحمله أو الحاسوب الذي تتصفح من خلاله الانترنت لتقوم بقراءة هذه المقالة، انظر الى ذاك المصباح الذي ينير غرفة بيتك و ذاك التلفاز الذي تشاهد عبره اخر احداث العالم و كانك جزء من كل دولة ، فلولا العلم والتطور الحاصل بسببه لما توصلت إلى كل هذا الكم الهائل من المعلومات التي تحتاج إليها، فلقد أصبح العلم في عصرنا أداة و وسيلة لتطوير أي شيء. و عندما نقول اي شيئ فاننا نقصد تطوير التكنولوجيا الحربية و الطبية و الغذائية و كل تكنولوجيا يمكن ان تكون لذاك البلد درعا و سيفا يحميها.

لكن اي علم و معرفة هو مقرون بمدى مساهمة الدولة و اهتمامها بالبحث العلمي ، فلا يمكن ابدا خلق الوجود من لاشيئ ، او انتظار ان تمطر السماء اموالا . فكل شيئ لابد له من سبب ، وكل استنتاج لا بد له من اشكالية و فرضية ثم تجربة ، ليس هناك شيئ من العدم .

مشكلتنا في هذا الوطن ان الدولة لا تقوم بتوفير مناخ قوي و جيد من اجل البحث العلمي ، فلا نستغرب اذا ما علمنا ان نسبة الميزانية التي تخصصها الدولة للبحث العلمي هي 0,8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، و هو رقم هزيل جدا و لا يمكن ان ننتظر او نرجى منه خيرا.

فلا وجود لاستراتيجية واضحة للبحث العلمي، ولا ميزانية مستقلة ومشجعة، فضلاً عن افتقار أغلب المؤسسات العلمية والجامعات إلى أجهزة متخصصة بتسويق الأبحاث ونتائجها وفق خطة اقتصادية إلى الجهات المستفيدة مما يدل على ضعف التنسيق بين مراكز البحوث والقطاع الخاص. كذلك يسجل الخبراء غياب المؤسسات الاستشارية المختصة بتوظيف نتائج البحث العلمي وتمويله من أجل تحويل تلك النتائج إلى مشروعات اقتصادية مربحة. إضافة إلى ضعف القطاعات الاقتصادية المنتجة واعتمادها على شراء المعرفة.

بصريح العبارة لا وجود لبحث العلمي وطني يرقى للمعايير المعتمدة دوليا و يراعي ضرورة السوق من اجل انتاج حيوي مستمر يهدف الى بناء اقتصاد وطني حر ، و هذا ليس بجديد لان الامر و ببساطة يحتم على ان تظل بعض الدول استهلاكية فقط ، او بمعنى اخر سوقا خصبة لدول انتاجية اخرى ، لان تحول هذه الدول الاستهلاكية لدول منتجة هي خسارة فادحة و هلاك لهذه الدول التي تنتج في الوقت الحالي .

فيتحتم علينا ننتظر دائما الجديد منهم و ما ستبرزه تكنولوجياتهم قصد شرائها، و كل هذا في اطار لعبة اقتصادية عالمية تتحكم فيها القوى الراسمالية الجشعة التي تريد ان تبيد كل ابتكار او اختراع او فكرة من شانها ان تنهض بدولة تسعى الى الاستقامة و الرقي .

ليس هناك من مخرج من هذه الورطة العلمية سوى ان تكون لنا استقلالية اقتصادية حقيقية و القضاء على التبعية الخارجية و بناء اقتصاد وطني حقيقي بسواعد و افكار مغربية ، فلا مجال للتراجع او الاستهتار و لا مكان للخوف ، قد نرجع خطوات للوراء نعم لكننا سنتقدم اميال نحو الامام.

يجب علينا إيجاد خطة لاستقطاب الخريجين والباحثين وعدم الفصل بين البحث العلمي والأولويات والمشكلات الواقعية بالمجتمع خاصة في مجالات الطاقة والمياه والزراعة و تكنولوجيا الاسلحة فبدون البحث العلمي لن نستطيع تجاوز هذه النقائص مستقبلا. كذلك ولتنمية التواصل بين قطاع البحث العلمي والمحيط الصناعي يجب إنشاء مراكز من أجل التنسيق بين مختلف المؤسسات والمنشات البحثية .

و في الاخير استحضر مقولة عالم الاحياء البريطاني توماس هكسلي الذي يقول : “الهدف النهائي للحياة هو الفعل و ليس العلم ، فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئاً .نحن نتعلم لكي نعمل” فالبحث العلمي دون ارادة في توظيفه لا يساوي شيئا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *