وجهة نظر

ابتسم يا طبيب.. هل يتوب أصحاب الملايير؟

في 2015 حذر بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت، وأحد أثرى أثرياء العالم، من جائحة “فيروسية” تضرب العالم، ودعا وقتها لاتخاذ الإجراءات الضرورية للتخفيف من آثار الكارثة التي كانت وقتئذ محتملة، وهي الآن حقيقة نعيشها..

لم يكد أحد يستمع لتحذيرات بيل غيتس.. ومضى العالم “الحر” في متاهاته التي تعلي من قيمة كل شيء، إلا من قيمة الإنسان..
وها هم مئات آلاف الضحايا يتساقطون واحدا تلو الآخر في دراما إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، دون أن تذرف عيون قادة العالم “الحر” غير دموع التأسف الكاذب..

وبيل غيتس يعيش الآن ما كان قد حذر منه قبل خمس سنوات، مع تفشي كورونا في مختلف مناطق العالم..

لكنه لم يقف اليوم ساكتا، ولم يقض وقته في توجيه اللوم والعتاب وعبارات الشتم والسب لمن لم يستمعوا له كما يفعل العجزة والكسالى والتافهون..

بل بادر إلى ما يطيقه وتبنى تمويل سبعة أبحاث علمية تقود بدراسات وتجارب لإنتاج أمصال يراها الأكثر نجاعة لمواجهة كوفيد-19..

ويتابع غيتس تفاصيل ما يجري يوميا، وتستضيفه برامج التوك شو المعارضة لدونالد ترامب، لتستمع إلى آرائه.. أخيرا..

عندما أستمع لبيل غيتس، وغيره من الأشخاص المؤثرين في تاريخ البشرية الحديث، وعندما أشاهد تحركات العالم المتقدم علميا، أقف مشدوها..

لا أحب أن أتوقف كثيرا عند سؤال: لماذا هم هناك ونحن على هذه الحال، فجواب هذا السؤال يحتاج لتأمل وبحث ودراسة وإن كانت مظاهر الجواب بادية للعيان..

فقد اتضحت للجميع أهمية قطاع التعليم، وقطاع الصحة، وأهمية البحث العلمي وكيف يجب أن تكون قطاعات سيادية من مسؤولية الدولة، وليس بيد قطاعات خاصة كشفت ـ في عمومها – عن وجهها الانتهازي البشع..

نحن الآن ننظر إلى مختبرات ألمانيا وأميركا وكندا والصين وروسيا واليابان لعل وعسى ييسر لهم رب العزة سبل إيجاد مصل ناجع يقي البشرية هذا الوباء..

ننظر ولا نملك لهم سوى الدعاء، أن يوفق الله تعالى من اتبعوا سنن البحث والعلم لإيجاد ما نقاوم به كورونا..

لكن بجانب الدعاء، ماذا يمكننا فعله؟

في انتظار أن يندحر كوفيد-19 إلى غير رجعة إن شاء الله تعالى، ونناقش وقتها التعليم والصحة وتدبير الموارد العمومية، وإعادة الاعتبار للطاقات النشطة في البلاد، هناك أشياء لابد من أن نعجل التحرك فيها كأفراد، وسأقتصر على مسألتين أساسيتين..

أولها: دعم الفئات الهشة بإحياء قيمة التكافل والتعاون الاجتماعي بين الناس، و”اللي ياكلوه خمسة ياكلوه عشرة”، ومساعدة الأسر التي لا تجد قوت يومها..

وهذا فضلا عن أنه سيساعد المحتاجين، سيعزز بقاءهم في بيوتهم، ولا نرى هذه المشاهد المؤسفة في أسواقنا الشعبية..

المسألة الثانية: دعم خط الدفاع الأول ضد كورونا، وهم كل العاملين في القطاع الطبي.. أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين ومنظفين وأطرا عاملة…

وسبل الدعم متعددة، يبدع الأفراد في إيجادها..

هناك مثلا مبادرة في جهة الرباط يقودها شباب متطوعون لتوفير الغذاء الجيد للأطر الطبية العاملة، وتعزيز صمودهم في مواجهة هذه الوباء عجل الله برفعه.

هذه المبادرة تطوع لها شباب متخصصون في الطبخ مع الفدرالية المغربية لفنون الطبخ، ومؤسسات أخرى بغرض توفير الأكل لخط الدفاع الأول في المغرب ضد كورونا..

يقومون بهذا العمل تطوعا، والجيب يكاد يفرغ مما فيه وينقطع هذا العمل الطيب..

وأنا أقرأ وأستمع لتفاصيل هذه المبادرة التطوعية الرائعة، روادني إحساس غريب بأن أهم شيء في حياتك هو ما تستطيع فعله هنا والآن..

ليس ضروريا أن تكتفي بأن يشرئب عنقك إلى الغرب في انتظار إيجاد مصل..

بل يجب أن تتحرك بما تستطيع لدعم الأسر المحتاجة، وأن تبادر لدعم العاملين في الحقل الطبي بأكل طيب، أو كلمة طيبة، أو مبادرة لإدخال البهجة على قلوبهم، كل ذلك مساهمة منك بما تطيق وما تستطيع في مواجهة هذا البلاء الذي يغطي على الإنسانية..

المبادرة لا يجب أن تبقى فقط في جهة الرباط، بل يجب أن تمتد لجهة وجدة والناظور والحسيمة وأقاليمنا الجنوبية، وطنجة ومراكش وآكادير… إلخ، باختصار من طنجة للكويرة..

وقد يكون في تعزيز قيمة القيم الحل، بل كل الحل..

ليست لدينا إمكانيات بيل غيتس لتمويل مشاريع بحثية لإيجاد أمصال، وليست لدينا مختبرات أميركا أو ألمانيا أو اليابان، لكن لدينا إنسانيتنا، وهذه هي العملة الصعبة في هذا الوقت الصعب.. وهي أيضا ما يجمعنا برجل مبادر اسمه بيل غيتس..

وبالمناسبة، حتى أصحاب الملايير عندنا ليست لديهم ملايير بيل غيتس، لكن آمل من كل قلبي أن تكون لهم إنسانيته، فيبادروا لمساعدة المحتاج، ولدعم الأطباء، ولدعم مشاريع تعود بالنفع على البلاد والعباد..

ومن يدري، فلعل الله تعالى يغفر لهم، ويطهر صحائفهم مما علق بها طيلة سنوات.. ونحن في شهر فضيل تكثر فيه الحسنات، وتمحى فيه السيئات، وتصفد فيه شياطين الجن، وإن شاء الله حتى شياطين الإنس.. وما أكثرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *