المغرب العميق، مجتمع

طلبة المداشر بالمدن.. معاناة في رمضان عمقتها كورونا بعيدا عن عائلاتهم

عمقت حالة الطوارئ الصحية، التي يعرفها المغرب للتصدي لتفشي فيروس كورونا، معاناة فئة العديد من الطلبة بالجامعات المغربية الذين لم يسعفهم الحظ لبلوغ أهلهم بهوامش المدن ومداشر القرى، قابعين في غرف معروف أنه مهما اتسع حجمها فهي ضيقة لإحتوائها كل أغراضهم، وكونها غرفة مطالعة ونوم ومطبغ وطبخ وأكل في آن واحد. ومعبرين عن تخوفهم من سيناريو تمديد فترة الحجر إلى ما بعد عيد الفطر.

اسماعيل، أحد هؤلاء الطلبة الذين أجبرتهم الظروف على البقاء بمدينة مراكش، لكنه اختار عن طواعية عدم السفر إلى أسرته خوفا على سلامتهم من الوباء. في حين أن الطالبة سناء سعت إلى ذلك دون جدوى، فبعد توقف الدراسة منعها غلاء التذكرة من السفر، وبعد قرار منع التنقل بين المدن وجدت نفسها مرغمة على البقاء وحدها بعد أن تمكنت رفيقتها من الذهاب إلى أهلها.  

حالة غير عادية

يصف إسماعيل الوادي، وهو طالب سنة ثالثة تخصص السوسيولوجيا بجامعة القاضي عياض، الظروف التي يمر منها بأنها غير عادية، نظرا لمكوثه في مراكش بعيدا عن أسرته بمدينة زاكورة في الجنوب الشرقي للمغرب.

ويضيف أن أصدقائه وزملاءه من الطلبة الذين يساندونه في “غربة طلب العلم” قد ذهبوا إلى عائلاتهم بمجرد توقف الحصص الحضورية بالجامعة، “إلا أنني ارتأيت أن أبقى هنا خوفا من إلحاق الأذى بعائلتي ومحيطي حتى ينتهي هذا الكابوس”، يقول المتحدث.

قرار صعب للنجاة

يؤكد إسماعيل أن قراره كان صعبا عليه وعلى عائلته معا، قائلا، “صحة عائلتي أهم بالنسبة لي”، ويضيف “لقد وجدت نفسي غريبا في مجتمع مغاير، لا أخفيك أنني أواجه بعض الإكراهات النفسية والمادية، لكن أحاول التعايش معها بعدم التفكير فيها بشكل سلبي وكلي أمل أننا سنتجاوز هذا في قادم الأيام”. 

وتابع قوله في اتصال بجريدة “العمق”، “لقد فاجأني قرار الإعلان على حالة الطوارئ بالمغرب، ثم بعدها حاولت إقناع عائلتي، بأن مجيئي قد يشكل عليهم خطورة، وأنه من الضروري تلبية نداء الوطن وتطبيق الحجر الصحي، حتى لا أشكل عليهم خطرا”.

بعد توضيح الأمر، يضيف المتحدث، أن عائلته تقبلت ذلك على مضض، لكنه يخفف من وطأة المعاناة  بالتواصل معهم بشكل يومي خلال هذه الفترة، خاصة مع أمه، التي يربط اتصالات يومية معها بتقنية الفيديو حتى لا تشعر بأي نقص وأنه غير محتاج لأي شيء.

محاولة فاشلة لعناق الأهل

يؤكد إسماعيل أنه لم يقم بأي محاولة للذهاب إلى عائلته بزاكورة، لأن الأمر وفق كلامه فيه خطورة عليه وعلى محيطه، “لقد قررت من تلقاء نفسي البقاء في مراكش، رغم خطورة الوضع نفسيا وماديا، إلا أنه هو الأنسب لنا جميعا”.

عكس الطالبة سناء، فاشتياقها للأهل كان أقوى من قرار الالتزام بالحجر والبقاء بعيدة عنهم، خصوصا وأنها لم تزرهم منذ بداية الموسم الدراسي الحالي في شتنبر الماضي. وقد باءت كل محاولات الوصول إلى عائلتها بالفشل.

تقول سناء، وهي طالبة تخصص إنجليزية بجامعة مراكش، “لقد حاولت الذهاب إلى عائلتي، لكن حالة الطوارئ حالت دون ذلك، فبعد توقف الدراسة وقبل إعلان توقف الرحلات بين المدن، تمت مضاعفة أثمنة التذاكر بشكل رهيب، حال دون تمكني من السفر”.

وأضافت، خلال حديثها مع جريدة “العمق”، “تعرفون أن مدينة زاكورة بعيدة جدا عن مراكش، وتحتاج لمصاريف كثيرة للتنقل، وللأسف هناك بعض الأشخاص لم يرأفوا بحال الطلبة وقاموا بمضاعفة أثمنة التذاكر خلال هذه الظرفية”.

مائدة بدون عائلة

هؤلاء الطلبة لا يشتهون أكلا بقدر ما يشتهون الجلوس مع عائلاتهم وتبادل أطراف الحديث معهم على مائدة الإفطار، مع متابعة ما يبث على القنوات التلفزية لحظتها.

تقول سناء إن “أجواء رمضان، صعبة جدا وأنت بعيد عن منزل عائلتك، ليس الأمر بالسهل إطلاقا، خاصة إذا كنت تقطن وحدك”. وذلك بعد أن غادرت إحدى صديقتها البيت الذي يجمعهما.

تضيف سناء ونبرة صوتها مستمرة في الخفوت “رمضان سيمر في جو عادي هذه السنة، لأن أجواءه تحتاج للمة العائلة، واجتماعها على طاولة واحدة، فالشهية تنعدم عندما تكون وحدك، ولا تفكر في إشباع بطنك بقدر إشباع قلبك بشوق الوالدين والإخوة”.

كما تؤكد ابنة المغرب العميق أنه “دائما ما تكون أجواء رمضان صعبة عند الطلبة وهم بعيدون عن أهلهم، لكن هذه السنة زادت صعوبتها، بسبب فيروس كورونا، فحتى الخروج مع الأصدقاء الذي ينسينا قليلا من هذا الهم أصبحنا ممنوعين منه هذه الفترة”.

تضامن صادم

لقد عبر إسماعيل عن صدمته بعدما كان لديه هم في تحضير مائدة الإفطار قبل أن يتفاجئ قائلا: “كنت جالسا في المنزل بحي ديور المساكين، الداوديات، فإذا بصاحب المنزل الذي أكتري عنده يطرق الباب وبيده آنيىة بها مأكولات شهية”.

يضيف المتحدث أن بعض ساكنة الحي المذكور أبدوا تعاطفا كبيرا مع الطلبة الذين يقضون شهر رمضان بعيدا عن عائلاتهم، ما ترك انطباعا لديه مفاده أن “أزمة كورونا وشهر رمضان كشفا أن المجتمع المغربي مجتمع تضامني بامتياز”.

استثناء في ورقة الخروج

وأوضح أنه خلال محاولته الحصول على ورقة الخروج من أجل تمكنه من التبضع واقتناء حاجياته اليومية، “وجدت للأسف تعقيدات إدارية في ذلك، إذ طلب مني في المقاطعة شهادة ضمانة من صاحب المنزل الذي أكتري عنده”.

واسترسل، “بعد أن وجدت أن الأمر فيه كثير من التعقيدات وسألت بعض الطلبة مثلي، أصبحت أتسلل إلى بقال الحي بشكل سريع لآخذ ما أحتاجه وأعود أدراجي دون مماطلة حماية لنفسي من إصابة بالفيروس قبل الوقوع في مشكل مع رجال الأمن والسلطات المحلية”.

تمديد إلى ما بعد العيد

سيناريو عدم رفع حالة الطوارئ حتى ما بعد عيد الفطر، اعتبره إسماعيل سيعمق معاناة الطلبة، خاصة في الجانب المادي، “لكن الرهان الأساسي في هذه المرحلة هي الحفاظ على سلامة نفسك وصحة الناس من حولك، لذلك لا يمكن إلا أن نتفائل ونحاول التأقلم مع أي وضع كان”.

بدورها ذهب سناء إلى نفس قول زميلها، “إذا كان هناك تمديد في الحجر الصحي، أكيد سنتأثر كثيرا خاصة في الجانب المادي، لأن هناك مصاريف يومية وواجب كراء آخر كل شهر”.

مضيفة أن الجانب النفسي سيتدهور كذلك، “فرغم الاتصالات اليومية مع العائلة، إلا أنه هناك فارغ لا يمكن ملؤه بالكلام بل يحتاج حضورا بجانبهم”، قبل أن تختم حديثها بتفاؤل “في نهاية المطاف، أنا مقتنعة كل الاقتناع أن هذا قدر الله تعالى، فيه فوائد قد لا ندركها، لذلك سنصبر حتى يجعل لنا الله مخرجا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *