من العمق

هل قدم ابن كيران ما يجنبه “سقوط” مرسي؟

هذا سؤال تداولته وحاولت الجواب عنه العديد من المنابر الإعلامية المكتوبة والإلكترونية كل بطريقته وحسب ما يمليه عليه خطه التحرير، وهو نفس السؤال الذي وجهه إلي الزميل إسماعيل عزام من الجريدة الإلكترونية “هسبريس” والذي أخذ منه ما يريد ووظفه مشكورا في فضاء زوم بذات الجريدة، وقد كان السؤال مناسبة لتدبيج الفقرات التالية:

إن المقارنة لتكون متكافئة ينبغي أن تتم بين رئيسي الدولة أو بين رئيسي الوزراء أو زعيمين حزبيين، وعلى العموم فقد باث واضحا للعيان أن مرسي لم يسقط بل عزل عقب انقلاب عسكري كامل الأركان مخطط له منذ شهور والتقت حوله إرادات خارجية أمريكية خصوصا وأخرى عربية وخليجية على وجه التخصيص السعودية والإمارات كأنظمة بوليسية مستبدة تريد أن تسعى جاهدة لإغلاق قوس الربيع الديمقراطي حتى لا يمتد إلى أركان أنظمتها التي نخرها الفساد وأضعفتها عقود من الاستبداد والتي لم تعد قادرة على الصمود في وجه أدنى نسمات الحرية إلى جانب إرادة نظام مبارك البائد وفلوله وما يسمى بالدولة العميقة التي لم تتوقف على الاشتغال منذ صدمة الثورة وتهاوي رأس النظام…

وسط كل هذا لا يمكن أن يغطي على بعض الملاحظات على فكر الإخوان قبل أخطاء تدبيرهم التي اعترف بها واعتذر عنها الرئيس محمد مرسي قبل غيره خاصة في طبيعة المرحلة وما تتطلبه من قدر كبير من التوافق واستيعاب الآخر والتنازل المتبادل معه على اعتبار أن المرحلة مرحلة بناء الدولة من جديد والتي لا يمكن إلا أن تكون مبنية على التوافق والتدبير التشاركي على مختلف المستويات وهي لحظة لا يصح التعامل معها بكون الصناديق وحدها الحكم في مثل هذه اللحظات من تاريخ الأمم لكن هناك قدر كبير من الإجماع على أن كل ما يمكن أن يرصد من أخطاء لا يمكنه أن يبرر الانقلاب تحت أي مسمى…

وطبعا هناك الحق في الثورة للشعوب والذي دبجه الأستاذ الساسي في مقال أخير فيه من التحامل على التيارات الإسلامية الكثير، في وقت أصبحوا في طليعة المدافعين عن الديمقراطية بأرواحهم وأعمارهم قبل قولهم وأفعالهم، طبعا هناك الحق في الثورة الذي قد لا ينتظر نهاية ولاية انتخابية ما إذا بدا للشعب وللشعب وحده أن رئيس ما خان الثورة وتنكب على مطالبها وبدا بكل الدلائل أنه شرع في التنكب عنها …وهذا تقدير وحق للشعب وحده لا لغيره عسكرا كان أو قوى خارجية.

فهل قدم ابن كيران ما يشفع له ويجنبه “السقوط”؟

قبل الجواب على سؤال ماذا قدم ابن كيران لا بد لهذا التقييم وحتى لا يكون سطحيا أو ظالما أو غير موضوعي أن يستحضر أولا سياق مجيئ هذه الحكومة أي التفاعل المغربي مع موجة الربيع الديمقراطي وضغطه وهو ما رفع وفتح مجالات ومطالب الشعوب ومنها المغربي على مصراعيه في الكرامة والحرية والعدالة والشغل…هذا أمام معطى ثان وهو واقع المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم وما عرفه من فساد واستبداد بتشابه كبير مع دول الربيع الديمقراطي مع فروق قليلة في الأشكال والمخارج مما جعل الفساد ومنابع الاستبداد وتحكم في الشأن العام أمرا مهيكلا وممنهجا بمختلف المؤسسات بالمغرب دون استثناء…

كما أننا أمام تجربة فتية لحزب خرج من رحم الحركة الإسلامية عانى الأمرين على أكثر من مستوى وكان يدبر له الكثير من المكائد حتى قبل هذه الانتخابات التي نقلته لأول مرة من المعارضة التي كادت تكون أبدية إلى رئاسة الحكومة ..إلى جانب معطى رابع وهو جيوب المقاومة والتماسيح والعفاريت والدولة العميقة وحركة التمرد التي انطلقت حتى قبل تشكيل الحكومة وهو التمرد الذي تقوده شخصيات نافذة في الدولة وتستخدم فيه بيادق وأدوات في الإدارة والإعلام الرسمي والخاص وفي الأحزاب وهيئات بالمجتمع المدني والحقوقي ونقابات…

أمام هذه المعطيات الأربع، أقول إن ابن كيران دشن لمنطق جديد في الحياة السياسية للمغاربة والتي تعكس أولا طبيعة المرحلة الانتقالية وما تستوجبه من حوار وتشارك وإشراك…كما أنه سعى ويسعى جاهدا لعكس مضامين الدستور الجديد بما يعنيه تحكيم الكفاءة والاستحقاق ومحاربة الريع والفساد وهنا يمكن التدليل بعشرات الإجراءات والقرارات من قبيل (الأجر مقابل العمل، العمل بالوظيفة، الإحالة التلقائية لملفات المجلس الأعلى للحسابات على القضاء، إصلاح العدالة ، الحوارات التي تعكس الديمقراطية التشاركية، إعلان اللوائح المختلفة وإعداد دفاتر التحملات….قانون تحرير الأسعار والصفقات العمومية، الأولوية للمقاولة الوطنية ، الإصلاح الضريبي المقاصة صناديق التقاعد …)

طبعا هناك نوع من البطء في تنزيل هذه الإصلاحات الكبرى لأسباب متعددة منها التشويش والعرقلة المختلفة المستويات وهنا أود الإشارة إلى أن تعثر الإصلاح أو تنكبه في الحقيقة قد لا يكون المعني بالسقوط حقيقة ابن كيران أنه يوجد أصلا فوق الحصير، وهو الذي تولى التدبير من سنة ونصف فقط بل سيتحمله الفاعلون الحقيقيون في عرقلة مسار الإصلاح بالمغرب وفرملته لعدة عقود وإلى اليوم، وطبعا مسؤولية الحكومة الجزئية ثابتة في هذا الصدد كما أن المواطن قد لا يصبر أكثر من هذا لأنه ينتظر إنجازات تلامس جيبه وقفته وتعليم أبنائه وعدالة قضائه.

كما أن هناك عنصر آخر لا ينبغي أن يغفل في هذه المقارنة المختلة وهو أن الحديث عن مرسي وابن كيران، هو حديث عن مدرستين مختلفتين من خلال، أولا اختلاف التجارب الفكرية والسياسية لمرسي وابن كيران فهذا الأخير ابن تجربة مغربية خالصة عرفت بمستوى من المراجعات والتطورات الفكرية الإرادية المتقدمة والتي رسخت ونحتت لمبادئ وقيم من قبيل الانفتاح والتعاون مع الغير على الخير والوسطية والاعتدال والإسهام إلى جانب مختلف المصلحين وقيم التعددية والديمقراطية وقد حول ابن كيران والمدرسة التي ينتمي إليها هذه المبادئ والقيم من نظرية في الفكر إلى نظرية في الممارسة، عكس مدرسة الإخوان المسلمين ذات الامتداد العالمي والتي هناك ملاحظات عدة حول ممارستها الديمقراطية خاصة على المستوى الداخلي وعن رؤيتهم لكيفية الحضور في الشأن العام وبأي مستوى.

ابن كيران، أيضا وحسب رؤيتنا نحن كمغاربة يتمتع بشخصية قوية ولديه كاريزما لا تخطئها العين بالداخل أو الخارج وقدرة قوية على الإقناع وخطاب سياسي متفرد وقوة كبيرة في مواجهة الخصوم وجدالهم كما أن ابن كيران شخصية مستميتة إلى أبعد الحدود في القضايا التي يؤمن بها وقد لا تهزه مخالفة العالم له.

مرسي كما يبدوا لي لا يتمتع بالعناصر الكاملة لشخصية كاريزمية وهو ما قد يخالفني في إخوان مرسي أو بعض المصريين أو المغاربة وينبغي ألا ننسى هنا أن مرسي هو مرشح احتياطي للإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية فمعلوم أن خيرت الشاطر هو الذي كان مرشح أولا وأبعد فجاء مرسي الذي يقول عنه عدد من المصريين إنه رئيس احتياطي.

هذا أبرز اختلاف في تقديري بين الرجلين وما قد يبدو من اختلافات أخرى هي نتيجة لهذين المدرستين اللتان وإن كان يلتقيان على مستوى الإسلام وسنة نبي الرحمة كمرجعية إلى جانب الاستفادة من الكسب الإنساني الحضاري فإن الاستفادة من ذلك المرجع وتلك التجارب يختلف باختلاف المدرستين المختلفتين اللتان أنتجتا كل من محمد مرسي المصري وعبد الإله ابن كيران المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *