من العمق

عبدة الشيطان …والربيع الديمقراطي

الغرابة والشذوذ صفتان لصيقتان بعبدة الشيطان في معتقداتهم وطقوسهم ومظاهرهم كذلك، الظاهرة عالمية ولا يكاد يسلم من أثارها السلبية معظم البلدان، ومنها الوطن العربي والمغرب الذي نال حظه من هذه الظاهرة الخطيرة “عبدة الشيطان” وذلك عبر مدخل الموسيقى الصاخبة واستهداف الشباب والمراهقين وأيضا من خلال المظاهر الغريبة والطقوس التي تصل حد الشذوذ، الظاهرة حسب أستاذ علم الاجتماع حسن قرنفل لا تفسر بعيدا عن موجة التقليد للآخر والذي وفرت إمكانيته ثورة الاتصالات ونهج الانفتاح على الثقافات الذي انخرط فيه المغرب في سياق عولمي كاسح، عبدة الشيطان وعلى الرغم من تواجدها المحدود بالمغرب إلا أن الخطر يظل قائما على الرغم من مرحلة الانكماش التي تعرفها اليوم هذه الظواهر بسبب الحراك الشعبي والسياسي لكون ذلك يضل رهينا بالتوجه العام للمجتمع، فمن يكون عبد الشيطان؟ وما هي فلسفتهم في الحياة ودستورهم ومعتقداتهم؟ وما هي أبرز فرقهم والطقوس الغريبة التي ييونها؟ وما علاقتهم بالشذوذ الجنسي والسحاق وزنا المحارم؟ وما هي الرموز التي يحملونها والوسائل التي يستخدمونها لنشر أفكارهم؟ وإلى أي حد يشكلون خطرا على المجتمع في زمن الربيع الديمقراطي؟.

تؤكد مختلف التقارير التي تناولت موضوع عبدة الشيطان بالمغرب أن الظاهرة أو بالأحرى مظاهرها موجودة غير أنها تنحصر في فئة اجتماعية ميسورة محدودة وإن كان ذلك لا يقتصر عليها فقط، كما أن تواجدها ذاك يبرز أكثر في بعض الحفلات والطقوس الخاصة مع أن وجود عبدة الشيطان يمتد كذلك إلى المدارس والكليات غير أن الظاهرة تعرف مقاومة كبيرة من طرف المجتمع المغربي وخاصة قواه المدنية الإسلامية والسياسية.

إلى جانب الاستماع لموسيقى “البلاك ميتال” التي تعد أفضل موسيقى يستمع لها فرق عبدة الشيطان في العالم وكذلك في المغرب فقد سبق أن سجلت ملاحظات حول مجموعة من الفتيات والفتيان اللذين شوهدو بمدينة الدار البيضاء وهم يرتدون لباسا أسود اللون، رسمت فوقه رسومات غريبة، ويحملون أقراطا في آذانهم بالنسبة للفتيان وفي الشفاه والحواجب والأنوف والبطون للفتيات، ويحملون أيضا حليا وقلائد غريبة الشكل تمثل، كما قامت السلطات الأمنية سنة 2003 باعتقال مجموعة من الشبان قيل إنهم من عبدة الشيطان وكانوا اعتقلوا بسبب الملابس والأشرطة الموسيقية ومظاهر غريبة كانوا عليها. وهي مؤشرات إلى جانب أخرى تؤكد وجود هذه الفئة بالمغرب من خلال تلك المظاهر إلى جانب طقوس أخرى غريبة.

ومن بين المعطيات بهذا الصدد التحقيق الذي كانت جريدة “الشرق الأوسط” قد نشرته قبل ثلاث سنوات حيث يحكي فيه الشاب المراهق منير من البيضاء قائلا: “كنت أهوى الموسيقى الغربية إلى حد الجنون وفي سنة 1999 وهي عام دخولي إلى الثانوية التقيت بأصدقاء جدد يهوون العزف على القيثارة والتحقت بهم. وأثناء ذلك تعلمت بدوري العزف على هذه الآلة ثم بدأت الدعوات تتوالى لحضور الحفلات الموسيقية الخاصة وشرعت في تقليدهم في طريقة لباسهم وقمت بإطالة الشعر ثم تطورت الأمور بعد أن كشفوا لي عن حقيقة كونهم من (الساتانيك) أو (عبدة الشيطان). ويسترسل منير في حديثه إلى أن يقول “في ذلك اليوم المشؤوم الذي طلبوا مني فيه الحضور لحفل خاص جدا، وعند حضوري تقدم زعيمهم الى فتاة وطلب منها أن تقوم بقتل قطة وانتزاع قلبها والرمي به بعيدا بعد أن ترسم عليه النجمة الخماسية وشرب دمها إرضاء ل “الشيطان الأعظم”. ولما فعلت الفتاة ما أمرت به أصبت بالفزع لبشاعة الموقف، ثم طلب مني فعل نفس الشيء وهو ما رفضته، وهرولت مسرعا إلى بيتي ومكثت بغرفتي أربع ليال متتالية قبل أن أقرر فك ارتباطي بهذه الجماعة من دون رجعة”.

حسب تقارير مختلفة فإن من أهم ما يميز أعضاء طائفة عبدة الشيطان كونهم لا يغتسلون بالمرة بالنسبة للمتشددين منهم، والسباحة في الشواطئ من المحظورات بالنسبة لهم، وقتلهم للقطط ورميهم لقلوبها وهو ما يسعون من خلال ذلك إلى إرضاء “الشيطان” وبهدف الالتقاء به ولهم كتابهم الخاص الذي يتداولونه بينهم.

غير أن تطورا كاسحا سيحدث وتجتاح رياحه الوطن العربي بما فيه المغرب من خلال الحراك الذي عرفه على مستوى الشارع في شخص حركة 20 فبراير وأيضا على المستوى السياسي والمدني من خلال تفاعل باقي المكونات الأخرى هذا التحول سيدفع بظاهرة أو مظاهر عبدة الشيطان إلى التراجع والانكماش كما هو شان ظواهر أخرى خرافية وانحرافية لصالح النقاش السياسي والانخراط القوي في الشؤون والحياة العامة لدى فئات واسعة من الشباب المغربي مما عزل إلى حد الإقبار مثل هذه الظواهر، غير أن متتبعين يعتبرون أن الأمر لا يعدو مجرد انكماش وتراجع أما هذا السياق الجديد والحاكم وأن عودة مثل هذه الظواهر تظل محتملة وقائمة متى تم التراجع في مستوى الإصلاحات الكبرى المستجيبة لنبض الشارع وكذلك الفضاءات والعناصر المساعدة في الارتقاء بمستوى الوعي الشبابي وكذلك النقاش المجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *