من العمق

الموقف من العنف..بين صمود قوة الثقافة وانهزام ثقافة القوة

“بحث في الأسباب المؤسسة للعنف وعوامل استمراره ضدا على الروح السلمية للإسلام”

يشكل هذا المقال تحليلا مع تطويرٍ وتحيينٍ لعرض سبق أن ألقيته ضمن لقائين نقاشيين منذ سنتين مع مجموعة من الشباب والطلبة بكل من مدينتي تطوان والقنيطرة وقد أملاه في ذلك الوقت ما عرفته الجامعة المغربية من عودة متنامية لموجة العنف بالجامعة من طرف الفصائل المعدودة والمعروفة بتبني العنف كخيار في التغيير وفق طلاسمها التي تعتبرها تصور وإديولوجية.

وما تتمتع به من حماية واسعة من طرف جهات نافذة في أسلاك من أجهزة الدولة وهو ما يؤكده صولان وجولان هذه العصابات اليوم بأكثر من جامعة مغربية مدججين بالأسلحة البيضاء داخل وخارج الحي الجامعي مهددين بذلك حياة آلاف الطلبة في أسمى حق من حقوق الإنسان والذي هو الحق في الحياة وطبعا ذلك على مرأى ومسمع حتى لا نقول شيئا آخر من رجال الأمن بل إن النيابة العامة لا تحرك ساكنا حتى في حالة تقديم أكثر من شكاية تحدد وبدقة أسماء المجرمين وأماكن تواجدهم وتقديم الدلائل المادية على جناياتهم كما هو الشأن في مراكش والناظور ووجدة وغيرها كثير، وهو ذات الإجرام المستمر حتى أمام مراسلات هيئات محلية وجهوية ومركزية في الموضوع مما جعل الحياة الطلبة والأساتذة والموظفين مهددة وعلى حد سواء من طرف عصابات إجرامية معدودة وتتحرك بحماية ورعاية استثنائية.

ويعود هذا الموضوع إلى الواجهة لنفس الأسباب وأيضا لنوع من التدبدب في الموقف الذي يحصل للكثيرين اتجاه هذا الموضوع، وحيث أن أصل البحث والتأصيل هو كتبا الله عز وجل فقد يحتار المرأ في اختيار آيات بعينها لتشكل آية ومدخلا لتناول هذا الموضوع لكن الاختيار استقر بعد حيرة على هذه الآيات من سورة الأنبياء حيث يقول عز وجل “وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70) الأنبياء 51 – 70
لنتأمل جيدا هذه الآيات: أولا نحن أمام مشهد حواري بليغ وصورة من التواصل غاية في ضرب المثال هكذا وثق الله عز وجل هذا الحوار بين نبيه إبراهيم وقوم أبيه والله سبحانه وتعالى، وقد حدث هذا في الكثير من الآيات التي يتحدث فيها الله سبحانه والشيطان والكفار والأنبياء والملائكة ولنتأمل في عدد المرات التي وردت فيها عبارة قالوا (8مرات) وهم يتحاورون مع إبراهيم وفيما بينهم، ثم عبارة قال (5 مرات)، ثانيا لقد استمر الحوار في محاولة للإقناع وتسوية الخلاف إلى مستوى انتصر فيه منهج استخدام العقل ومحاولة الإقناع بالمنطق، وهنا تحديدا ستظهر القوة العضلية من طرف قوم إبراهيم بعد أن عجزت قوتهم العقلية على مجادلة إبراهيم واعترفوا بظلمهم وقرروا إحراق إبراهيم بعد أن عجزوا عن إقناعه. وهو ما يؤكد حقيقة أن دعاة العنف ومستخدميه على حد سواء إنما يدفعهم عجزهم وجبنهم وضعف قواهم العقلية والتفكيرية وقد سبق لخالص جلبي أحد دعاة اللاعنف بأن قال “العنف شريعة الضعفاء والحمقى والجبناء”

مفاهيم ذات صلة: القوة، العنف، الإرهاب

يحضر إلى جانب هذا الموضوع بعض المفاهيم ذات الصلة ومنها القوة والعنف والإرهاب، وهنا نجد أن مفهوم القوة في القرآن الكريم شيء إيجابي ومطلوب “يا يحي خذ الكتاب بقوة” و”أعدوا لهم ما استطعتم من قوة” وقد خلص المفكر المغربي المقرأ الإدريسي أبو زيد في إحدى المؤلفات الجماعية حول “الديانات السماوية والموقف من العنف” إلى أن نبذ القوة فكرة متالية وطوباوية حالمة لأن الكون قائم على القوة المادية والمطلوب هو تصريفها إيجابيا، والقوة إذا انزلقت إلى التوظيف السلبي فهي تصبح عنفا وطبعا فالإسلام هنا يدينها بشكل مطلق وإذا انزلقت القوة إلى عنف ثم تمأسست تصبح إرهابا وهو في الإسلام أثر رفضا وإدانة، ويشار بهذا الهُنا إلى أن مفهوم الإرهاب في القرآن الكريم لا علاقة له بما يتداول اليوم حول هذا المفهوم وقد جاء في القرآن الكريم كمفهوم سلمي يتغيا الردع من حيث هو وسيلة لمنع الحرب.

ويقف الكتاب المشار إليه عند ثلاث أسباب يرى أبو زيد أنها تؤسس في العمق للعنف أولها عدم قبول الآخر والسعي إلى نفيه ماديا والسعي لتنحيته، وثان يتعلق بعدم قبول الاختلاف مع الآخر مما يدفع متبني العنف إلى القتل المعنوي بالتضييق والضغط والتنميط. وثالث يعود للجهل بطبيعة الإنسان واعتبار أنه يقبل القهر والتخلي عن قيمه ومبادئه تحت الضغط.

وهذه أسباب منتفية في الإسلام بشكل مطلق لكنها غير منتفية في المسلمين مما يفترض بنا المسالمة المطلقة كما يمكن استحضار العشرات من الآيات والأحاديث الناهية عن العنف أو الميز أو الإقصاء لاعتبارات عقدية أو عرقية أو مرتبطة بالسحنة أو الانتماء الجغرافي وغيره “فأكرمكم عند الله أتقاكم” والرسول جاء رحمة للعالمين وليتمم مكارم الأخلاق، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام في حماية الطفل والمسن والأشجار والحيوانات حتى في لحظة الحرب الاضطرارية معروف.

رفض الإسلام لكل الأشكال المادية للتدافع

لقد رفض الإسلام كل أشكال المادية للتدافع وطالب بالتدافع بالكلمة والفكرة والمجادلة بالتي هي أحسن “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن” و”أدعو إلى سبيل ربك بالموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. وهنا يقول الدكتور يوسف القرضاوي أن الموعظة تكون حسنة والجدال أحسن والموعظة تكون مع الموافق والجدال مع المخالف وهنا غلب الإحسان في الجدال أكثر من الموعظة تفاديا لمنزلق العنف، كما نجد أيضا أن الإسلام حتى عندما يحرض على العنف في إطار المؤسسات طبعا فهو إنما يفعل ذلك من أجل العودة لحالة التوازن كحالة تحرير الأرض وغيرها، كما أن العنف يحضر في الإسلام كخيار أخير بعد عجز كل المدخلات الأخرى وعلى الرغم من ذلك فهو يحجمه ويضبطه كاستعمال القوة لإلغاء حالة القوة ومن أجل التوازن “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عقوبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين” إما المعاملة بالمثل أو الصبر بل إن انحياز الآية واضح لخيار الصبر.

وهنا يحضرني إجابة بليغة للدكتور أحد الريسوني في إحدى الجامعات الصيفية الطلابية بسلا عندما أجاب من سألوه عن اشتداد وطئ العنف عليهم أمام سكوت الجميع وكانوا يترقبون جوابه بأن دافعوا على أنفسكم لكن جواب العالم الريسوني كان بالحرف “اصبرو احتسبوا” وكل هذه المسالك تريد الارتقاء بالإنسان إلى حالة اللاعنف، ونجد أن كل الحروب التي خاضها النبي عليه الصلاة والسلام كانت دفاعية وعندما تمكن من ظلامه ختمها بصورة غاية في الحضارة فقال “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وقد حذر المقرئ الإدريسي أبو زيد من مغبة الانجرار إلى مقابلة العنيف بالعنف والتطبع معه فقال في نفس المرجع السابق في الصفحة 56 ” المنطق الإقصائي أو التمييزي الذي ينفي الآخر نفيا مباشرا أو غير مباشر هو أحد العناصر المسوغة للعنف والمفلسفة له والتي له، والتي تبحث عن إطار يصبح فيه العنف مقبولا وسائغا، بل ومطلوبا وواجبا على الأقل كضرورة أو ضريبة إجبارية لا فكاك منها من أجل تشخيص وتحقيق المبدأ الذي هو مبدأ عنصري أو تمييزي.

لماذا الإصرار على العنف على رغم الروح السلمية للإسلام؟

يطرح سؤال بقوة مفاده لماذا هذا الإصرار على الاستمرار البعض في تبني العنف ولماذا يصر البعض على إلصاق صفة العنف بالإسلام وإجهاد النفس في التدليل على ذلك بما يضمن شرعنته بوعي أو بدونه على الرغم من كل هذه الروح السلمية للإسلام؟ وهنا نقف عند عدد من العوامل المفسرة لهذا النزوع الخاطئ والمدللة على بعض أسباب مخالفة الفكر للواقع في الموقف من العنف ومنها:

أول هذه العوامل نجد الاقتصاد في القوة كمطلب ضروري والافتخار بالعنف بدافع نفسي مما يجعل صاحب هذا التوجه أمام هزيمة حضارية بظلمه لنفسه ثم لما يتوهمه من انتصار لها.

وثاني هذه العوامل قانون سيكولوجية المقهور: الذي ينتج رد فعل عنيف اتجاه الخصم وذلك بتبني نفس منهج الخصم وعادة ما ينتصر القاهر على المقهور مرتين أولا بتجريد الأول من أسباب قوته الحقيقية ومرة بجعله يتبنى نفس مبادئ متبني العنف وليس فقط بعض وسائله في “الصراع”. هكذا فإن سيكولوجية القهر تدفع الأفراد إلى الإيمان بالقوة والتنظير للعنف وعشق المواجهة، خاصة إذا استحضرنا عوامل عدة مولدة لهذا النزوع ومنها الحالة النفسية التي يخلقها الإعلام المحرض، إما بتناول وتأويل سطحي أو غير موضوعي أو كاذب أحيانا أخرى.

وثالث عوامل الإصرار على العنف يجسده الإشكال الثقافي المستعصي وفيه سوء فهم سياقات استعمال القوة في القرآن الكريم والتي جاءت في حالة طوارئ أو للدفاع عن النفس ومن أجل العودة إلى حالة التوازن، ثم مشكل فصل هذه النصوص القرآنية عن سياقها ثم خلط مرحلة الدعوة بمرحلة الدولة، وتجاهل كون السلطة من وظائف وضرورات قيام الدولة وأيضا لإلزام الناس باحترام القانون وهذه وظيفة تمارسها المؤسسات وليس وليس الأفراد أو المجموعات المسلحة. كما يحضر إلى جانب هذه المشاكل ما يحصل من خلط بين الوعيد الإلهي والمعاملة البشرية حيث أن الكثير من دعاة العنف يستدلون بآايت الوعيد في القرآن الكريم، متجاهلين إطلاقية الحق ونسبية السلوك البشري “الصواب” الذي هو متعدد وبشري ونسبي.

أما رابع هذه العوامل فهو الذي يهم العقلية العسكريتارية والناتجة أساسا عن القراءة الدموية للسيرة النبوية، ثم الحالة السياسية للمسلمين اليوم بالنظر إلى حجم التخلف السياسي وهو ما تؤكده معطيات الاستبداد والديكتاتورية ووجود لوبيات في الدول خادمة لمخابرات الدول العظمى ومصالحها مما يحرض دعاة العنف إلى القيم بردود أفعال لا شعوري وغير محسوب في كثير من الأوقات، اللهم ما وفرته الانتفاضات الديمقراطية مؤخرا من بداية انفراج وانعتاق من حكم الطغاة والغزاة وفتح أبواب للحوار مع الغلاة. ويحضر أيضا عامل خامس تناولته دراسات اخيرة تتحدث عن البعد النفسي خاصة في فترات التنشئة للأشخاص الميالين للعنف سواء داخل جماعات المتطرفين او من عامة الناس أو داخل جماعات اخرى يفترض فيها المسالمة المطلقة وقد فسرت هذه الدراسات التوجه إلى العنف والميل إليه باعتبارات نفسية اكثر منها فكرية او مذهبية أو إيديولوجية.

من أجل قوة الثقافة لا ثقافة القوة

ينطلق الكاتب المصري عمر عبيد حسنة في كتابه “قوة الثقافة لا ثقافة القوة” من فكرة أساسية مفادها أن قيام الحضارات وبناؤها لا يقوم مطلقا على اعتماد ثقافة القوة بل على قوة الثقافة ويؤكد بدأ أن حالة اللاحضارة تكون نتيجة توقف التدافع بسبب ما يحدث من تنميط وإنتاج لنسخ متكررة والذي يكون سببه العمالة الثقافية المفوعة بالعولمة والتي تستهدف أساسا الإنسان، وهذه الخريطة التكثيفية لحالة اللاحضارة هي ناتجة عن شرعنة منطق ثقافة القوة وسيادته، ويؤد المؤلف ص 21 من الكتاب أن قوة الثقافة تبقى الحصون الأخيرة لحماية الأمة ضد المواجهة بالقوة السلاح والتي ستحسم حتما لصالح القوي ماديا مع أن التاريخ ينبئ أن ثقافة القوة لا يمكن حضاريا أن تغلب قوة الثقافة على المدى البعيد لأن في ذلك تغيير لسنن الخلق إلا أن يظن الأقوياء أنهم آلهة العصر القادرة على الإماتة والإحياء.

ليخلص عمر عبيد إلى أن التهديد الكبير لحضارتنا اليوم هو أن نبتعد أو نستبدل ما توفر عليه من أسلحة ثقافية وفكرية مؤثرة وفاعلة وقادرة على كسب الجولة والقضية في ميدان الحوار والمغالبة الحضارية، إلى ما لا نملك من أسلحة مادية تملكنا ولا نملكها وبذلك نكون شئنا أم أبينا كمن يطلق النار على نفسه ونصبح مصدر قوة لتسلط خصومنا علينا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وحضاريا، هكذا لا يمكن مواجهة منطق العنف والعسكرتارية إلا بالديمقراطية والتنمية وكل مقومات العدالة الاجتماعية.

صور من انتصار قوة الثقافة

كثيرون من يستبعدون منطق الانتصار الحضاري لمغلبي قوة الثقافة على ثقافة القوة وذلك بفعل غياب أو بعد بعض الصور المشرقة أو عدم تبريزها إعلاميا وفنيا وتعليميا وأيضا بفعل ضغط آليات ووسائل أنصار ثقافة القوة خاصة أمام الانتصارات الوهمية حضاريا التي يحققها دعاة العنف في الداخل والخارج، ولهذا السبب يمكن استحضار بعض الصور المشرقة والمبدئية لانتصار قوة الثقافة ومنها.
الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة فتح مكة مخاطبا كفار قريش وهم العالمين بما فعلوا به وبأهله وصحابته وأتباعه “يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وبن أخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء” وإلى جانبها المقولة الشهيرة للمقاوم الليبي والعالمي عمر المختار عندما طلب منه قتل الأسرى الإيطاليين ردا على نفس السلوك الإيطالي فرد بمقولة ضلت خالدة وستبقى وهي قوله “إنهم ليسو قدوة لنا” في لحظة عنوانها الحرب وعنوانها اشتداد الأذى على المقاومين وما تعرضوا لهم وعائلاتهم من قتل وإبادة. وأيضا موقف المجاهد عبد القادر الجزائري الذي واجه الوحشية الفرنسية لمدة 16 عاما نجده وسيطا بذل جهود كبيرة في إخماد نيران الفتنة بين الدروز والمسيحيين في لبنان. إلى غير ذلك من الصور المشرقة للصمود والانتصار الحضاري لمنطق قوة الثقافة على ثقافة القوة.

من المسلمات التي لا يمكن أن تكون محل نقاش بالنسبة إلي هو ضرورة حماية الأنفس والذوات وكل مقومات الكرامة الإنسانية فلا تمثل لمبدأ الهزيمة أو الخنوع أو تسليم الخد الأيمن لمن صفعك على الأيسر ويبقى الجواب مرتبط بتمثل قوله عز وجل “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ” الانفال 60، في جواب دقيق على سؤال الكيف، أي كيفية الحماية والدفاع عن النفس وحفظ الكرامة دون تطرف ودون تبني لآليات الخصم أو العدو العنيفة التي تعني الهزيمة المركبة للمسالم.

وفي إعداد القوة توسع وانتشار وفيها تفوق واجتهاد وفيها حشد وتعبئة وضغط بمختلف المستويات وكل آليات الدفاع مسموح بها ما لم تخرج عن إطار إعداد القوة دون توظيف سلبي لها يحولها إلى عنف أو منهجة للعنف يتحول إلى تطرف أو اختيار عنفي يدفع في اتجاه الهزيمة الحضارية، وفيه جانب مطلوب من الصبر والاحتساب والاستعداد لآداء الضريبة من أجل مشروع ضخم وحيوي ومنافس. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ العنكبوت (الآياتان 1-2).

مراجع للتوسع

القرآن الكريم، صور وآيات مختلفة ومتنوعة بصور حوارية غاية في الحضارة وعبر وعظات لا تنتهي

السيرة النبوية، أحاديث مختلفة في منطق الاستيعاب والرحمة عند الرسول الكريم وكذا انتصاره لمنطق قوة الثقافة في الحروب والحوار مع المخالف والعدو وغير ذلك

“الديانات السماوية والموقف من العنف” تأليف جماعي منشورات الزمن

كتاب “الغلو في الدين” المقرئ الإدريسي أبوزيد

“قوة الثقافة لا ثقافة القوة” كتاب لعمر عبيد حسنة

خالص جلبي مقالات مختلفة في ثقافة العنف واللاعنف

الأسباب النفسية للعنف من إصدارات عالم المعرفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *