من العمق

“جرأة” غارقة في الجبن

تمة عصابة من المحسوبين على عالم الفن خاصة السابع منه ينصبون أنفسهم اليوم في مصاف دعاة “الجرأة” و”التمرد” في ما ينتج ويعرض اليوم على الشاشات الكبرى بالقاعات السينمائية. وكما هو ملحوظ فإن تلك “الجرأة” المفترى عليها ترتبط وجودا وعدما بالقدرة على قصف الجمهور بالمشاهد الجنسية الفاضحة وتلويث سمعه بلغة ساقطة ترتبط أساسا بالعلب الليلية وأوكار الدعارة، مما يجل المشاهد أمام حصة للتعذيب النفسي والتهكم بالقيم وبالكرامة المغربية حد تمريغها في الوحل عوض كل الغايات السامية للفنون. متبنين في ذلك منهج خالف تعرف. لكن لسان حال سلوكهم يؤكد مقولة “كاد المريب أن يقول خدوني” في لحظة أجدهم مدعاة للشفقة والعطف. فإلى متى ستظل الجرأة في السينما المغربية مرتبطة بالقدرة على التعري وتوظيف الخلاعة ومصادمة قيم الإنسان المغربي والتهكم بدينه وثقافته؟.

وضمن العناصر والمؤشرات التي تؤكد جبن الجرأة المزعومة لأولئك، نجد أولا: الخنوع والخوف المركب اتجاه عالم السياسة الموسوم بالفساد والاستبداد عموما وما ارتبط ويرتبط فيه على وجه الخصوص باللوبيات المتنفذة اقتصاديا وإعلاميا وفنياو…، وهكذا نجد هذه “الجرأة” تضع جانبا كل ما من شأنه مجابهة أو حتى التلميح الفني إلى المشاكل الكبرى والرئيسية للمغاربة والمرتبطة نموذجا (بجرائم التعذيب والاختطاف والفساد الإداري والمالي استغلال النفوذ الشطط في استعمال السلطة الظلم الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية تاريخ الاستعمار ومجازره في حق المغاربة …) لكن باستحضار مسار تكوين الفني الأجنبي للعديد من مريدي موجة العري هذه وعزلتهم عن المجتمع المغربي وتلقيهم الدعم الرئيسي إما من دول أجنبية يخدمون مصالحها أو من التوجه الوحيد داخل الدولة بقيادة الصايل ليسالقيادة الفعلية بالطبع ولكنه في الواجهة والذي يجعل من الخلاعة والجنس وكل ما هو شاذ ومعزول أحد الشروط الأساسية للدعم. وهو مسار يجعل هذه الموجة المدعومة من السينما المغربية على هامش القضايا الأساسية للمغربة وهي بذلك تنحرف عن الدور الأصيل للفنون في معايشة هموم الشعوب والانحياز والانتصار لها والحرص على المحاكاة الحقيقية لواعها والمساهمة بذلك في تقدمها ونهضتها.

وثانيا: إن السينما المغربية ما تزال في حالة شرود فظيع عن حالة الربيع العربي الديمقراطي الذي يعيد اليوم صياغة تاريخ شعوب المنطقة من نقطة الصفر كما أنها ما تزال شاردة عن تطلعات الشعب المغربي وآماله وآلامه التي نادى بها لسنين كل المناضلين الشرفاء لهذا الوطن وصدح بها الشارع المغربي بتلاوينه السياسية المختلفة في إجابته وحراكه الاجتماعي والسياسي الخاص مع هذا الربيع الديمقراطي الجارف. مما يجعل المغاربة يشعرون بالغربة أمام هذه المعروضات الفنية ويتساءلون أليس لنا قضايا أهم من الجنس والعري لدعمه والترويج له؟ أليس لدينا قيم ندافع بها ونسوق لها؟ أليس لنا تاريخ يحق لنا أن نفخر به وبرموزه وأمجاده وبطولاته؟ ألا تعد ثقافتنا من أغنى الثقافات وأكثرها تنوعا…؟

وثالثا: وكما أكد لي ذلك أحد أعلام وأعمدة الفن والتشخيص بالمغرب محمد حسن الجندي بالقول إن الدراما المغربية تعد مجالا خصبا ومجال لم يفتح بعد وأن الدراما المشرقية قد استنفدت كل ما لديها وأن المستقبل للدراما المغربية. وعلى الرغم من ذلك فإن أولئك المحسوبين على الفن لم يسلكوا منحى الفنانين السوريين مثلا الذين وعوا بصعوبة التناول الفني لقضايا السياسة في مجال عربي موسوم في عمومه وإلى عهد قريب بالاستبداد وحكم الفرد والديكتاتورية…، لكنهم لم ينحرفوا عن مجتمعاتهم بل أبدعوا في تصوير تاريخهم في مقاومة الاستعمار وإبراز مقوماتهم الحضارية والدعاية لخصوصياتهم الثقافية بأعمال دخلت كل البيوت في العالم العربي، وما مسلسل باب الحارة الذي يصور اليوم جزأه السادس وغيره كثير سوى غيض من فيض مما جاد به فنانو الشام.

بصرخة واحدة، إذا كانت الجرأة هي العري فإن الأمر لا يتطلب مستوى أكاديميا أو تكوينا فنيا أو سياسيا قوامه الحرية والإبداع ولا…بل إن أي مخبول أو معتوه أو مصاب حقيقة بانفصام اتجاه مجتمعه وقيمه يمكن أن يقدم على هذا الفعل سواء أكان ذلك في السينما كما فعل في شريط “فيلم” و”مروك” و”عاشقة من الريف” و”عودة الإبن” و”حجاب الحب” و”النهاية” و”موت للبيع” و”الطريق إلى الجنة” و”ملائكة الشيطان”… أو في البحر أو في مؤسسة ما أو في الشارع العام أو على خشبة مسرح أو بساط أحمر… وبالتأكيد فإن جواب المغاربة له آنذاك سيكون هو المقولة ذات الحمولة والدلالات الشعبية الكافية لنعت أي شاذ عن الأصل وهي “لي شاف شي حاجة يقول الله يستر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *