رمضانيات

“صحافة الأمس” (9): الفاسيون يطالبون بانتزاع الأوقاف من فرنسا ويبثون مخاوفهم للملك

“صحافة الأمس”.. إطلالة قصيرة خلال أيام رمضان على مغرب الأمس بعيون صحافيين كانوا يرزحون تحت رقابة الاستعمار الفرنسي والإسباني أو تحت رقابة المخزن، ويشتغلون بوسائل بسيطة. ونفض للغبار في كل مرة على خبر من مجلة أو جريدة صدرت قبل عقود من الزمن.

بعد توقيع معاهدة الحماية بين فرنسا والسلطان المغربي مولاي عبد الخفيظ، وضعت فرنسا يدها على كل شيء بذريعة إدخال الإصلاحات المنصوص عليها في الاتفاقية، التي تعهدت بموجبها فرنسا أيضا بالحفاظ على “الوضعية الدينية واحترام هيبة السلطان وتطبيق الدين الإسلامي والمؤسسات الدينية، لاسيما خطة الأحباس”، حسب البند الأول منها، إلا أن السنوات القادمة أثبثت غير ذلك، إذ تصرفت فرنسا في أحباس البلاد وعطلت معاهد ومساجد وحولت أخرى إلى ثكنات وفوتت أملاكا محبسة، وهو ما دفع أهالي فاس إلى مراسلة الملك الراحل محمد الخامس عام 1934، ليبثوا له مخاوفهم على الأحباس.

وقال الفاسيون في الرسالة، اليت نشرتها مجلة “السلام” في عددها الصادر في أبريل سنة 1934، إن خوفهم على أحباس المسلمين هو الذي دفعهم إلى اللجوء ليعربوا له عن مخاوفهم الكبيرة على “هذه البقاع الشريفة من مساجدها ومعاهده إذ لا حياة لها ولا بقاء إلا بالاحتفاظ بمواردها الوقفية وعدم تحويلا عن الناحية المرادة لها”.

وكشفت أن الأحباس “أصبحت في خطر”، إذ فوّت الاستعمار الفرنسي العديد “من البلادات المهمة”، والكثير “من المعاهد والمساجد عطل والملايين المجموعة هنا وهناك استسلفت، وشتى المآثر التاريخية بيع أو نقل”، وتساءلت الرسالة “أليس ما يقلق البال يا مولانا أن تنتزع البلاد من حوالة المحبس لتعطي للمعمر بثمن بخس لا يساوي عشر معشارها؟ أليس مما يبعث الحسرة ويدمي القلب أن تسمح الإدارة الحبسية بالاستيلاء على كثير من المساجد وتحويلها إلى إدارات أو قشلات عسكرية يطأها الجند بنعالهم بعد أن وطئها آلاف المؤمنين بجباههم (كالمسجد الاسماعيلي والسليماني بقصبة تادلة ومسجد القصبة بالقنيطرة) وغيرهما؟”.

كما كشف أهالي فاس أيضا تعطل كثير من الدروس العلمية والكراسي الوعظية و”تصرف أحباسها المعينة لها في غير مصارفها”، واضافوا أن العديد من القرى الجديدة تبنى “ثم يريد سكانها المسلمين بناء المساجد من ماليتهم فتأبى مراقبة الأحباس مساعدتهم عليها”، وتحسروا على تحول بعض المساجد ل كنائس “كمالسجد الذي بنيت في موضعه الكنيسة الكبرى في الرباط”.

وقال الفاسيون في الرسالى ” كل هذا واضعاف أضعافه قد وقع ونفذ صبرنا من مراقبة الأحباس على مرأى ومسمع من وزيرها. فهل يعقل أن يظل المسلمون ساكتين على هذه الحالة، وتحت يدهم من الشواهد والأدلة ما يفوق الحصر ويجاوز الحد؟.. لقد برهن هذا التصرف على أن غير المسلم الذي لا يشعر بواجب التقديس والاحترام لمقاصد أولئك المحسنين لا يصلح أن يتدخل فيما وقفوه، وعلى أنه يجب أن لا يكون هنالك تصرف لغير المجلس الطائفي الذي تقوم بوظيفته بنيقة الوزارة بالاعتاب الشريفة ولا رقابة أو تدخل لغير جلالتكم الفخيمة بصفتكم أمير المؤمنين ومجمع سلطة هذه الأمة الملتفة حول سلطانها المحبوب”.

وزاد أصحاب الرسالة مخاطبين محمد الخامس، “فلهذا وذاك نرفع إلى سدتكم العلية باسم سائر الرعية هذه المخاوف ونطلب من جلالتكم أن تعيرها التفاتكم العظيم وتختصوا جلالتكم بهذه الرقابة حتى لا يكون لغير المسلمين على مقدساتهم الدينية سلطان”.

وختم أهالي فاس رسالتهم بالقول “نذكركم بقول الله في كتابه الكريم (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الله فعسى أولئك أن يكونو من المهتدين) ولنا وطيد الأمل وكبير الثقة في أن جلالتكم متضامنة مع الأمة في إرجاع ما ضاع والاحتفاظ بما بقي والله تعالى يبقيكم ذخرا وملاذا ومفزعا ولواذا يحرسكم بعين رعايته التي لا تنام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *