الأسرة، رمضانيات، مجتمع، منوعات

“العادات الغدائية” 11: الغذاء وطرق تهيئ الطعام تعبير عن الهوية أكثر من اللغة

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”. 

الحلقة 11

دور التغذية في التعبير عن الهوية

تعد العادات الاستهلاكية سواء في مجال اللباس أو الأكل وسائل دالة للتعبير عن مجموعة اجتماعية أو إثنية، لذلك يعتبر الغذاء وسيلة للتعبير عن الهوية بامتياز،  بشكل يشرح كيف يمكن للفرد مثلا، أن يحتفظ بوفاء للأغذية المتناولة في المنطقة التي ينتمي إليها.

بل حتى في بعض الدول الأوروبية حيث روافد الطبخ الحديث، نجد فئة عريضة من السكان من طبقات مختلفة، تحتفظ بمبادئ صارمة حول ما تعتبره “طبخا أصيلا”، حيث إمكانية الإقبال عليه سواء داخل العائلة، في المطاعم المتخصصة، بل حتى في مقاصف المقاولات. 

الأطباق الوطنية 

تؤكد أني إيبر (Annie  Hubert) كيف ترتبط الاختيارات الغذائية وطرق تهيئ الطعام بالتعبير عن الهوية أكثر من اللغة ذاتها، فبالنسبة للمهاجرين مثلا نلاحظ كيف يفقدون العلاقة مع اللغة الأم ابتداء من الجيل الثاني، في حين لا يتخلون عن العادات الغذائية لوطنهم الأصل إلا في الجيل الثالث أو الرابع، بل إن بعض العادات الغذائية الخاصة بالمناسبات تعرف صمودا أطول داخل العادات الغذائية للمهاجرين.

غير أن تعبير العادات الغذائية عن الهوية لا يتم بشكل مباشر بل عبر مكانيزمات  معقدة، فنحن إذا تناولنا وجبة سمك نيئ مع الصوجا لا يعني بالضرورة أننا يابانيين، ذلك أن الإحساس بالهوية يتجلى في ذلك الشعور بالتقزز أو النفور من تغذية الآخر باعتبارها دخيلة وغريبة عنا وتهدد انتماءنا، فكل ثقافة تعتبر أن تغذيتها قابلة للاستهلاك  في حين أن تغذية الآخر لا يمكن تناولها .

إلا أن أني إيبر تستدرك بأن التعبير عن الهوية قد يختلف حتى حسب الفئات العمرية الاجتماعية، مما يجعلنا نطرح السؤال من جديد: هل يوجد طبق ندعوه وطنيا؟

ترى أني إيبر أن الوطن يعبر عن نفسه أحيانا من خلال الأطباق الجهوية والمحلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، غير أن هناك أطباقا تعتبر معبرة عن الهوية بإمتياز لارتباطها الوثيق ببعض المجتمعات دون أخرى : العجائن والبيتزا بالنسبة للإيطاليين، البيلا بالنسبة للفرنسيين والكسكس بالنسبة لمنطقة المغرب العربي (وإن كان يختلف إعداده في بلدان هذه المنطقة).

تختم إيبر طرحها  بكون الإحساس بالهوية لا يوقظ  إلا عند الابتعاد عن الوطن الأم، وذلك بالحنين إلى ما أسماه  بامتياز السود القدماء بأمريكا”تغذية الروح”.

إذا  كان نعتنا العادات الغذائية القروية التقليدية كتراث، معبر في ذات الآن عن الهوية والانتماء،  فإننا نؤكد مرة أخرى على أهمية العادات الغذائية  كمكون أساسي للتاريخ المغربي والهوية المغربية جدير بالاهتمام ، إذ يمكن توظيفه مثلا لتقوية الشعور بالانتماء، كما تؤدي معرفة روافده إلى الإطلاع على ما يجعل أغذية معينة أغذية وطنية دون أخرى كما هو الحال بالنسبة للشاي المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *