الأسرة، مجتمع، منوعات

“العادات الغذائية” 12: نحو قانون دولي لحماية العادات الغذائية المحلية

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”. 

الحلقة 12

نحو قانون دولي لحماية العادات الغذائية وعلاقتها بالهوية

إن دور التغذية في التعبير عن الهوية أدى إلى حد ذهاب بعض الباحثين إلى المطالبة بقانون دولي للتجارة العالمية يراعي البعد المحلي للأغذية:

في هذا الإطار تتساءل الباحثة كريستين نوافيل (Christine Noiville) عن القانون الذي يحكم التجارة العالمية والذي تتم بموجبه كل العمليات التي يتضمنها تسويق المنتوجات الغذائية (توضيب، تغليف و تصبير)،  وعن علاقته بالقضاء على الهوية المحلية من خلال فرض نموذج غذائي كوني.

فرغم أن مسائل من قبيل التعديل الجيني والأغذية الاصطناعية  تكاد تفقد الغذاء حمولته  الثقافية والقيمية، يظل ارتباط الشعوب ببعض الأغذية النوعية ارتباطا بالهوية الثقافية.

 انسجاما مع هذا الطرح،  نجد أن هاجس احترام المعايير الموضوعة علميا، حماية البيئة، احترام الخصوصية الوطنية والاقتصادية، مواجهة مقاومة التكنولوجيا الجديدة، كلها أمور لا يمكن التفكير فيها خارج السياق الثقافي.

من هنا لاحظت الباحثة أنه لم يحدث أن رفضت بعض الدول بعض الأغذية التي تهدد هويتها الثقافية، في حين قد يكون هناك منع لتداول بعض الأغذية لكونها تشكل خطرا على صحة الساكنة بالنظر إلى العادات الغذائية السائدة. 

بيد أننا رصدنا مفهوم الهوية بشكل يجعلها من مقومات الرسوخ والثبوت في العادات الغذائية، غير أن الهوية ذاتها ليست معطى ثابتا: 

فليست هناك هوية ثابتة أو وليدة اللحظة، بل هي كما قال كلفال نتاج للتاريخ، فهي تتشكل باستمرار، وتتعرض للتحولات، فيعاد تعريفها بالتالي حسب السياق الثقافي، كما  تلعب الحركية السكانية وانتشار السمات الثقافية دورا  في تطور الهويات الثقافية.

 نميز هنا بين الجماعات التي تظل وفية لسماتها الأصلية وبين تلك التي تميل إلى التغير وقبول الجديد، ذلك أن تحول الهوية يرجع بالأساس إلى وجود أو غياب عراقيل، فقد يتم رفض بعض التحولات لاعتبارات قيمية أو أخلاقية.

 لكن على العكس من ذلك قد يؤدي الإحساس بالغربة تجاه الآخر أو الخوف من السقوط في الفراغ إلى تبني ثقافة الغير واستدخالها ضمن مقومات الثقافة المحلية، بيد أن هذا الأمر قد يعني بشكل خاص فئة المهاجرين وعاداتهم الغذائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *