أدب وفنون

أوريد: الاستبداد حالة مرضية والسلطوية زيغ.. وكورونا أججت التناقضات

غابت اللقاءات الثقافية والفكرية في المغرب بسبب الحجر المنزلي وحالة الطوارئ، لكن عاشقين للكتاب وجدوا طريقا إلى التواصل مع كتابهم المفضلين عبر مجموعات افتراضية على الوات ساب.

مرتان كل أسبوع يلتقي هؤلاء الشغوفون بالقراءة، مع كتاب رسموا طريقهم نحو مجد الفكر والأدب والسياسة واللغة، وباتت أخبارهم محط تطلع لكل من يريد النهل من النبع الأول لأفكارهم وإبداعاتهم.

في اللقاء رقم 17 كان التواصل الافتراضي مع المفكر والمؤرخ والأديب حسن أوريد الذي فتح كل الأشرعة ليبحر في عالم الفكر والأدب والسياسية، لكن أيضا رسم معالم جديدة لما بعد كورونا في السياسة والعلاقات الدولية.

يبرز شكيب أريج أحد منسقي مجموعة “الرواية المسافرة” الافتراضية لجريدة العمق أن لقاءات “كاتب بيننا” على الفضاء الافتراضي هي فسحة وابتعاد عن ضغط اليومي في ظل هذه الضائقة.

ويضيف “هي متنفس للكاتب والقارئ على حد سواء، وهي نافذة تصل ما انفصل في استمرارية للقاءاتنا المتحققة مع الكتاب في رواياتهم التي كنا نتراسل بها سابقا”.

بداية

في بداية اللقاء يقدم الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي صاحب رواية “المغاربة” وترجمة رواية “الموريسكي” شهادته في حسن أوريد، كما يهدي الشاعر إبراهيم أيت بعلا للكاتب ترحيبا بهمس الشعر والقصيدة، قبل أن تنهمر الأسئلة منسابة، تظهر مدى إلمام هؤلاء القراء بأدق تفاصيل كاتبهم المفضل.

حسن أوريد خص جريدة “العمق” بأجوبة حول ما راج في لقائه الافتراضي وما بقي عالقا من أسئلة، ويقول بداية إنه اطلع على هذه تجربة “الرواية المسافرة” حضوريا خلال تقديم روايته “ربيع قرطبة” بمدينة تارودانت قبل ثلاث سنوات.

فيما يعلق على النسخة الافتراضية من التجربة قائلا “لابد من التفاعل مع القراء، ورصد صدى ما يكتب من خلال عينة معبرة ومؤثرة، لذلك فالتجربة مشجعة لم أتردد في خوض غمارها، لأن ما يحدوني هو الشعور بالواجب والشغف بالمعرفة”.

تاريخ

لا يذكر أحد حسن أوريد دون أن يخطر بباله صفته التأريخية ورواياته التاريخية والسير- ذاتية، لذا فالقارئ يجد نفسه منغمسا في أحداث أعمال هذا الكتاب يحاول التخلص من تناقضات شخصياتها، حتى ليخيل إليه، حسب تعبير أحدهم، أنه لا يمكن أن “نروي” دون العودة إلى أحداث مضت نستعيدها ونستخلص منها العبر.

لكن المؤرخ والأدب حسن أوريد يعقب لجريدة العمق “ليس من الضروري أن يكون التاريخ هو مادة الأدب، فيمكن أن نكتب رواية بناء على واقع اجتماعي ونفسي وأيضا على الخيال”.

وبالنسبة للفكر وعلى الأقل العلوم الاجتماعية، يوضح أوريد، لا يمكن أن نجري اختبارا كما في العلوم الطبيعية، فدراسة حرب أو تمرد أو إضراب أو عملية إرهابية تقتضي غير ذلك، لذا نشتغل على التاريخ وعلى مقاربات مقارنة، فالفكر هو الفهم وهو عملية معقدة نربطها بجذورها ولكن في أفق استشراف المستقبل.

ابن أبي عامر

بعد رواية “ربيع قرطبة”، ينتظر أوريد أن يخرج مولود جديد يعتبر تتمة لها، حالت بينهوبينقرائه مؤقتا أمور تقنية.
يتحدث العمل الجديد عن الأمير ابن أبي عامر الذي عاش في الأندلس، وتحول من مجرد “خطاط” إلى حاكم فعلي للبلاد لمدة ثلاثين سنة، خاض معارك عديدة وانتصر فيها.

يشرح الروائي المغربي المهموم، دائما،بعلاقة الحاكم بالمحكوم، في التصريح ذاته أن هذه الشخصية التاريخية عبقرية واستثنائية لا شك في ذلك، لكن التعاطي معها عموما من قبل العرب كان احتفائيا وبطوليا.

يقابل ذلك نظرة الأوربيين السلبية لهذا القائد المسلم، فيما يعتقد المفكر أوريد أنه ينظر إلى ابن أبي عامر نظرة مجردة، وما يهمه حقيقة ليس الشخص التاريخي، ولكن ما يمثله إليه، بصفته رمزا للمستبد العربي، لأنه أرسى منظومة للاستبداد تظهر في شخصيات عدد من الحكام العرب.

ويوضح “انطلقت من حكم مؤرخ إسباني والذي يعتبر ابن أبي عامر “ميكافيلي” العرب، ويجسد شعاره “الغاية تبرر الوسيلة”.

كورونا

تتوالى الشهادات والأسئلة تسبر الأغوار، لكن لا يمكن الحديث افتراضيا في وقت الحجر الصحي دون الحديث عن فيروس كورونا المستجد، والذي يتسرب إلى الأنفس والعقول ليحرك فيها ما يشاء كما يتسرب إلى الأجساد ليصيبها بما يشاء.

يتابع أوريد حديثه ليكشف أن كورونا لم تخلق الوضع الحالي، وإنما عرته وأججت التناقضات وأبرزت عناصر جديدة حول خطر العيش ووجود الإنسان، ولا يمكن للعالم أن يستمر في التعامل مع الأزمة كما في 2008، ولا بد من خطة جديدة عالمية.

ويضيف المفكر المغربي أن لاشيء يبدو، في ظل الجائحة،مدعما للاتجاهات الديمقراطية، فالممارسة أثبتت أن هناك إجراءات تمت خارج القانون ودون العودة إلى البرلمان لكنها فد تفهم بالنظر إلى السياق الاستثنائي، لكن الخطورة هو أن يصبح الاستثناء قاعدة.

ويبرز أن قضية الديمقراطية لم تعد الآن من الأولويات، أو على الأقل سيتم الالتفاف حولها ويجب أن نميز بين الاستبداد والدولة القوية.

ويوضح “هناك درجات فالدولة القوية أساسية، والسلطوية هو زيغ، أما الاستبداد فهو حالة مرضية، وأن الآن هناك انزياح نحو الدولة القوية مع خطورة السلطوية التي تعني عدم احترام الضوابط القانونية أو الخلل في تطبيقها”.

سياسة

مع ما أحدثته كورونا من خلل في المنظومة الدولية وما باتت تشكل من خطر واضح على المجتمعات والشعوب وعلى اقتصادياتها بل وعلى سلوكياتها المجتمعية، بات الحديث عن نهاية حقبة وبداية أخرى، حتى أن البعض يتحدث عن “اللاعولمة”.

يشرح المؤرخ أوريد أنه أواخر سنة 1962 فتح عينيه على سرديتين كبيرتين، هي الخطاب القومي العربي والاشتراكية”، ثم فجأة انهارت هاتان السرديتان، ففي 1989 انهار حائط برلين، وبعده هزيمة العراق، وبعض الشباب شعروا باليتم ، وهو ما عبرت عنه في رواية “الحديث والشجن”، وأريد أن تقرأ هذه الرواية.

يتابع أوريد “عشنا على سردية “نهاية التاريخ” التي يعتبر فوكوياما من منظريها، ومن ميزات هذه السردية انتشار الحرية وقيم الديمقراطية واقتصاد السوق، أما الآن فنعيش أزمة الديمقراطية والسلطوية والشعبوية.

ويضيف أنه لا يمكن أن ندبر الآن مجتمعا بدون أن يكون للناس إيمان بمشروع، وأن نجعلهم مستهلكين فقط ضمن منطق السوق، مشروع يربطه أفقيا بعناصر المجتمع، وعموديا بالتاريخ والمستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *