أدب وفنون، رمضانيات

“نظام التفاهة”: نقابات العمل لم تثبت قدرتها على توحيد الجبهات العمالية (25)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” قراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى. 

قراءة ممتعة…

الحلقة الخامس والعشرين: 

قال آلان دونو صاحب كتاب “نظام التفاهة”، إن نقابات العمل لم تثبت قدرتها على توحيد الجبهات العمالية على مستوى كاف، في الخطاب وفي الفكر، وكانت كل مبادرتها مشوشة إلى حد ما، لأن المستثمرون والصناعيون يعرضون أنفسهم بصفتهم ضحايا للمنافسة الدولية، مادين اليد إلى النقابات العمالية حتى يتعاطف معهم العمال ويوافقون على مشاركتهم المصير، و”غالبا ما يكون أساس ذلك هو المنافسة التي يتطلبها نموذجنا فائق الليبرالية، وهو نموذج لا ينبغي لنقابات العمل، أبدا وتحت أي ظرف، أن تدعمه”.

وأشار آلان، في السياق ذاته، إلى ما قاله المستثمر النمساوي ميركو كوفاتس في الفيلم التسجيلي الذي صنعه إيرفين واجينهوفر تحت عنوان (لنصنع المال) بأنه “تُرغمنا المنافسة على اتخاذ إجراءات بغيضة، ولكننا نرزخ تحت ضغط العولمة، إذ علينا أن نتنافس مع أناس ذوي أجور ضئيلة جدا، والأمر بسيط، علينا أن نعمل أكثر، لا خيار لدينا”.

ويضيف كوفاتس، واضعا نفسه في نفس فئة العمال ذوي ساعات العمل الإضافية الإلزامية وغير المدفوعة، وكأنه هو وهم ينتمون إلى ذات الجماعة الاجتماعية ويشتركون في ذات المغامرة، بأن رب العمل، شأنه في ذلك شأن الأقلية بشكل عام، قد قام بحماس، بتشكيل أوضاع العمل البائسة لهؤلاء التابعين الذين يربط نفسه بهم خطابيا.

وزاد آلان، بأن كوفاتس، صاحب منشأة في الهند، الدولة التي تبنت الانفتاح على الأعمال التجارية، لأن أجرة العامل هناك تمثل تكلفة أقل بكثير من نظيرتها في أروبا، لكوننا تتطلب استثمارا متواضعا يبلغ 250 يورو شهريا أو 2.500 يورو على الأكثر للعمالة الماهرة كالمهندسين، ومع ذلك فإن هذا المبلغ ما زال يعتبر كثيرا، وفقا لكلام كوفاتس، الذي قال “لا نستطيع أن نكون كريمين” وهو يتأمل الهيكل التقني لمصنعه، الذي يسمح بتقليل المشاركة البشرية في العمل.

وأوضح آلان، بأن كل من كتاب جيسلين ريموند “الشراكة المجتمعية” وكتاب ماري بيرنو “النقابات، اليوم التالي للأزمة”، يبينان كيف انتهى الأمر بنقابات العمل الغربية بأن صدقت دعوى التوافق بين مصالح العمال ومصالح أرباب الأعمال الذي يحاول كوفاتس تجسيده من خلال استخدامه لكمة “نحن” الواسعة، مشيرا “بأنه توافق كان مهيمنا على الخطاب الايديولوجي خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي”.

وفي سياق حديثه عن العولمة، قال آلان، إنها “عدلت من حدود التضامن التي كانت حركة العمل قد أرستها، وبشكل عميق، فجأة، فإن الشركات التي تستغل أعضاء اتحاد النقابات صارت حليفة لهم، فيما الرفاق الدوليون، الذين يمكن أن يتم توظيفهم في الشركات نفسها فيما لو قررت تلك الشركات تغيير مواقعها، صار يُنظر إليهم كمنافسين”.

وزاد بأنه “في تصميمها على أخذ موقع لها على المستوى العالمي، تخلت حركة العمل على النهج النقابي المُحارب الذي كفل لها في السابق تضامنا مع الطبقة العمالية الدولية، وصارت تقف إلى جانب أرباب الأعمال ضد المنافسين الأجانب”، مشيرا “في القمة السوسيو-اقتصادية لعام 1996، لم يحرك القادة النقابيون ساكنا عندما أعطوا ثمانية في المائة فقط من وقت الحديث، في حين ذهب نصيب الأسد من هذا الوقت إلى رئيس الولاية، وإلى قادة الأعمال الذين شكلوا غالبية الحضور”.

وأردف آلان، بأن الفشل الذي عرفته نقابات العمل في القمة السوسيو-اقتصادية، وثقته ريموند باستفاضة، ففيما كانت نقابات العمل تطال حكومة كيبيك بتحفيز الاقتصاد من خلال استهداف التشغيل الكامل ورفع نسب الضرائب على الأعمال التجارية الكبرى، فإنها رجعت عن مطالباتها هذه فوافقت على موقف مخالف تماما، وفي النهاية، جمدت الحكومة الحد الأدنى للأجور، وألغت حوالي أربعين ألف وظيفة في مجالي الخدمة المدنية والخدمات الصحيةـ وخفضت من الخدمات العامة، ورفعت رسوم الخدمات عوضا عن فرض ضريبة على الشركات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *