أدب وفنون

الروائي المغربي السعيد الخيز: الأديب يبني لنفسه عالما خاصا منه يصدر للعالم إبداعه

في بيته بمدينة تارودانت، يقضي الروائي المغربي السعيد الخيز معظم أوقاته زمن الحجر الصحي، بين قارئ نَهِمٍ لروايات وكتب جديدة، والاشتغال على ورشات روائية.

يأمل السعيد أن يرفع البلاء والوباء عن الجميع، ليعود إلى حياته الطبيعية حيث اللقاء مع الطبيعة والناس وحكاياتهم، يستلهم من ذلك أفكاره ويغذي حسه العاطفي ويقوي ذكاءه الاجتماعي.

يقول السعيد في اتصال هاتفي بنبرة واثقة لـ”العمق”، “يفضل البعض العزلة للإبداع، أما أنا فأحب العيش ملء الحياة، كائن فضولي مهتم بكل ما يروج في العالم، ولست سلحفاة أختفي وراء قوقعتي”.

رغم ذلك فهو يرى عزلة كورونا الإجبارية فرصة لمواجهة الكثير من المشاعر والتحكم فيها، وللسير والجولان في الدواخل النفسية والروحية.

جائزة

في فبراير الماضي، حاز السعيد على جائزة الطيب صالح العالمية جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، عن روايته الجديدة “ابن الصلصال”، ما حز في نفس السعيد كما في نفس محبيه، أن الفوز  لم يحظ بالاهتمام المنتظر، فشعر أن ثمة حلقة فقدت في هذا الحدث الفريد.

مع ذلك، لا يعتبر السعيد الجائزة طموحا أدبيا لأي كاتب كيفما كان، فقد  حصل أيضا على الجائزة الوطنية الكبرى للمبدعين الشباب بالمغرب عن روايته “سجين الهوامش”.

فالجائزة بالنسبة إليه هي فقط  تتويج لعمل إبداعي وليس لكاتبه الذي يكون أصلا قد حسم علاقته بالأشياء والماديات والآخر، وبنى لنفسه عالما خاصا منه يصدر للعالم إبداعه.

يضيف السعيد “من يبحث عن المجد من خلال الجائزة فلا أظن أنه سيحققه قد لا يحققه، فمجد الكاتب هو أن يُقرأ له، أن تنتشر أعماله وأن يصله صدى تأثيرها في الناس والمجتمع”.

إبداع

لسعيد رؤية خاصة للإبداع الأدبي لا تنفك عن رؤيته للحياة ذاتها، فالسرد  في نظره يصنع هوية الإنسان ويمنحه التموقع والامتداد في الزمان والمكان.

يذكر أنه اشتغل على روايته “ابن الصلصال” أربع سنوات، ما بين كتابة ومحو، وتعليق واستطراد، شطب وإضافة وتنقيح.

ويشرح هذا الروائي المغربي وهو مدرك  أن الإنسان بطبعه ينصت للحكي بكل جوارحه “حين أقبل على الكتابة فإني  أضع نصب عينيّ الوصول إلى القارئ بمختلف شرائحه، همي أن يمزج بين جمال الأسلوب ووضوح المعنى”.

شنقيط

من سيطلع على هذه الرواية التي تنشر قريبا سيجد صفحاتها قد قاربت الـ 500، وأحداثها تبدأ من الأربعينيات وتمتد إلى الآن، تحكي بأسلوب شيق وراقٍ مسار عائلة من شنقيط فضلت الاستقرار بتارودانت واندمجت مع المجتمع السوسي دون أن تنسى ثقافتها الصحراوية.

يعبر بك الكاتب بين موريتانيا والمغرب في أحداث تمتعك حينا وتؤلمك حينا آخر، متعة إقرار التقاليد الأصيلة والمواقف الإنسانية النبيلة، وألم فك الارتباط بين شعبين خلال فترة ما بعد اندحار الاستعمار، كل تلك المواقف يقودها “سولال رشدي الشنقيطي” الشخصية الرئيسة، والذي عاش أحداثها وكتبها وهو على سرير المرض.

عزلة

لن يستقيم إبداع دون تفكير، ولن يستوي تفكير دون عزلة اختيارية، كما يعتقد البعض ممن يجعلون لهم طقوسا في الكتابة ويتحدثون عنها بنوع من  الحميمية، لكن سعيدا غير ذلك.

يقول “عزلتي  تكون للقراءة، أما الرواية فعمل ميداني، لأن الكتابة ورشة عمل لا تستقيم دون تواصل مع الناس والغوص في مشاكلهم والعيش وسطهم”.

من العادة أن يُرى السعيد منهمكا يكتب على حاسوبه أو هاتفه، حتى يخيل لمن يراه أنه غادر الأرض وحلق في السماء، لا يستعمل مخطوطا أبدا، كما يفعل آخرون، فتلك طريقته وهو مقتنع بها.

لا ينشر إلا إذا كان مقتنعا بما كتب، لكن بمجرد أن يرى حبر أفكاره على ورق راوية حتى تفتح في قلبه وإحساسه فجوات لن يملأها غير العودة إلى الكتابة من جديد.

تعب

“سجن” كورونا أتعب الجميع، لكن وطأته كانت أشد على السعيد الذي اعتاد  الحديث إلى الناس والسفر بين مدن المغرب  باحثا عن مرجع  أو لقاء مع صديق أو أستاذ.

ويصف السعيد هذا بالعقوبة “المميزة” لإنسان يجمع بين الحركة الدؤوبة، وفيض العاطفة اتجاه الآخرين، لا يخفف من شعوره بالوحدة غير تلك الكتب والروايات التي تصاحبه طيلة وقت الحجر المنزلي، وتلك العادات التي اكتسبها في زمن كورونا،وهي قربه أكثر من ذاته وروحه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *