الأسرة، مجتمع

“العادات الغذائية”: معطيات ميدانية حول مساهمة الانتاج النباتي في التغذية القروية

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية.

وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”.

الحلقة 23

مساهمة الإنتاج النباتي في التغذية

تقدم الإحصائيات التي توصلنا إليها نتائج دالة، إذ بسؤالنا حول مصدر الأغذية المتناولة بالنسبة لساكنة العوامرة، أجاب قرابة 60% من المستجوبين بهذه المنطقة أن المواد المستهلكة تم إنتاجها بشكل ذاتي، كما أن حوالي 44% من المبحوثين بمنطقة الساحل يعتمدون أيضا على الإنتاج الأسري كمصدر للاستهلاك الغذائي، هذا إلى جانب السوق الذي يتم اعتماده بشكل يكاد يكون مطلقا في منطقتي البحث .

فإذا كانت نسبة تغطية الفلاحة للاستهلاك الغذائي تختلف بين المنطقتين بفعل مكتسبات مشروع السقي وازدهار الفلاحة بمنطقة العوامرة على الخصوص، فإنها لازالت لا تغطي جميع الحاجيات التي تقتضي اللجوء إلى السوق لتلبيتها.

فرغم ما ستعرف به منطقتا البحث من ارتفاع إنتاج الفاكهة مثلا، فإننا وجدنا أن قرابة 20% من المبحوثين بجماعة الساحل وحوالي 28% من العينة المبحوثة بجماعة العوامرة يسوقون هذه المادة.

في هذا الإطار، نجد أن قرابة 80% من المستجوبين بجماعة العوامرة يسوقون منتوجهم من الخضر، في حين لا تتجاوز نسبة المسوقين لهذا المنتوج بجماعة الساحل 9%، بالنظر طبعا إلى ما أشرنا إليه آنفا من تطور هذا المنتوج بالمنطقة المسقية ، في حين لا تصل نسب المسوقين للحبوب بمنطقتي البحث إلا نسبا ضئيلة بحكم توجه هذه المادة إلى الاستهلاك الذاتي أو الحيواني.

كإثراء لموضوع مساهمة الإنتاج النباتي في التغذية ، يجب أن نذكر أن هذه المساهمة في الواقع ليست مباشرة دائما ولا تحكمها الوفرة، ذلك أن العادات الغذائية السائدة لها دور في هذه المساهمة مما يساهم في تضاؤل دور المحدد الإيكولوجي، وهذا ربما يقوض ما جاء في بعض الدراسات التي أكدت أن تحسين الإنتاج النباتي والرفع منه يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع الاستهلاك، في حين ربطت تزايد الإقبال على اللحوم بارتفاع الدخل وليس بارتفاع الإنتاج. مما يعني أن الرفع من الإنتاج الفلاحي أو تحسينه لا يعني بالضرورة ارتفاع الاستهلاك.

أشار المبحوثين إلى وفرة المنتوجات الغذائية مقارنة مع الماضي خصوصا فيما يتعلق بالخضر، غير أن ما آثارنا فعلا هو الإفراط في استهلاك الخضر المنتجة بشكل عشوائي، إذ يمكن تناولها في وجبة الإفطار من خلال قلي الفلفل والباذنجان مثلا، كما يمكن استهلاكها طيلة اليوم وفي جميع الوجبات.

من جهة ثانية، مكنتنا تقنية الملاحظة من رصد السلوك الغذائي للساكنة بخصوص بعض المنتجات الغذائية الجديدة كتوت الأرض والطماطم الصغيرة، إذ تبين لنا عدم تمكن الساكنة من إدماج هذه المواد ضمن العادات الغذائية رغم دخولها إلى النظام الغذائي.

لقد تجلى لنا أن استهلاك الساكنة لهذه المواد لا يتم ضمن وصفات معينة، بل يتم تناولها كما هي بإضافة مسحوق السكر إليها فقط، وهنا نؤكد مرة أخرى صعوبة تجذر الأغذية في العادات الغذائية رغم دخولها إلى النظام الغذائي.

بيد أنه حتى الإفراط في تناول هذه الأغذية لا يجعلها تتجذر تلقائيا في العادات الغذائية، مما يفسر في نظرنا مسار التحاق أو عدم التحاق بعض الأغذية إلى مصاف الأغذية المعبرة عن الانتماء والهوية.

فإذا كان من أهداف مشروع لوكوس تحقيق الأمن الغذائي، فإن ذلك لن يتحقق في غياب دراسات حول العادات الغذائية بالمنطقة وقنوات تسرب التحولات إليها، إنها الطريقة الأمثل التي تجعل المنتوجات الغذائية الجديدة تدخل سجل الثقافة الغذائية المحلية.

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *