“إعادة المفصولين” .. قرار يفتح باب الجدل ويثير مخاوف حول جودة التعليم العمومي

وجّهت مديريات التعليم بعدد من الأقاليم، مراسلات إلى مديري المؤسسات التعليمية، وأطر التوجيه التربوي، تدعوهم إلى عقد مجالس الأقسام للبَتّ في طلبات إعادة التمدرس بالنسبة للمفصولين والمنقطعين عن الدراسة، ابتداء من الأسبوع الثاني من شهر شتنبر القادم، تفعيلًا للإطار الإجرائي 2025-2026 لتنزيل خارطة الطريق 2022-2026، وذلك لمحاربة الهدر المدرسي وتعزيز تعميم التمدرس.
وأكّدت المراسلات التي اطلعت عليها “العمق” على ضرورة الأخذ بمجموعة من المعايير عند دراسة هذه الطلبات، وهي: مراعاة الظروف الصحية والاجتماعية للمعنيين بالأمر، مع السماح بالعودة التلقائية لمن لم يتجاوز عمرهم 16 سنة، إلى جانب عدم اعتبار السلوك مقياسًا لرفض الطلب، إلا إذا كان موثَّقًا بتقارير مضمنة في الملف المدرسي، ثم إمكانية البت في طلبات التلاميذ الذين سبق لهم أن قدموا طلب إعادة التمدرس في المواسم السابقة.
كما نصّت على مراعاة السن الأقصى المسموح به لإعادة التمدرس حسب كل مستوى، كما يلي: 17 سنة للأولى إعدادي، 18 سنة للثانية إعدادي، 19 سنة للثالثة إعدادي، 20 سنة للجدع المشترك، 21 سنة للأولى باكالوريا، وأخيرًا 22 سنة للثانية باكالوريا.
وفي هذا الصدد، أكد قاشا كبير، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، في تصريح لجريدة “العمق” قائلاً: “لا يمكننا كجامعة وطنية للتعليم التوجه الديمقراطي إلا أن نثمّن كل مبادرة لتمكين الأطفال من الالتحاق بالمدارس”.
واستدرك قائلاً: “غير أن هذا ينبغي أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشروط والظروف التي هيّأتها وزارة التربية الوطنية لاستقبال هؤلاء الذين حُرموا، لسبب أو لآخر، من حقهم في متابعة دراستهم”.
وسجّل النقابي في هذا السياق أن قرار وزارة التربية الوطنية والمذكرات الإقليمية المرتبطة بإرجاع المفصولين والمنقطعين وتحديد سقف أعمارهم، يعكس حجم التخبط والعشوائية التي باتت تهيمن على تدبير القطاع، وتواضع تصورات وأفكار الساهرين عليه، وافتقارهم لرؤية كفيلة بتصويب الأوضاع الكارثية للقطاع وحلحلتها، وكذا عمق الأزمة الدائرية التي تعمل على تعميق تخريب التعليم العمومي.
وأوضح قاشا أن هذا القرار “يحمل بين طياته جملة من الانتهاكات الإضافية التي ستعصف بالمدرسة وبالزمن المدرسي للأطفال الذين يتابعون دراستهم حاليًا، كما سيتم تخريب ما تبقى منها ودفع المدرسة لأقصى حد من الانسداد، وهو ما يترجم بالنسب العالية للأساتذة الذين يقدمون على التقاعد النسبي، وقد تعزّزت قناعاتهم بعدم وجود أي حل لدى صائغي السياسات التعليمية”، بحسب تعبيره.
وشدد النقابي على أن المعايير التي حددتها هذه المذكرة بشأن إرجاع المفصولين والمطرودين تهدف إلى دفع باقي التلاميذ نحو الشوارع أو المدارس الخصوصية.
وأوضح أن “هؤلاء الذين ينفرون من مقاعد الدراسة سنويًا بمعدلات تفوق 340 ألف تلميذ وتلميذة، إنما يفعلون ذلك بسبب الفقر، وتدهور المنظومة، وانسداد الآفاق التعليمية، وتخلف البرامج والمناهج الدراسية، وتغوّل القطاع الخاص، واستشراء الفساد الذي يهدم كل أسس المثابرة والجد والاجتهاد”.
وتابع متسائلًا: “ماذا هيّأت الدولة لهؤلاء كشروط دنيا لجذبهم مرة أخرى ولوقف التسرب المدرسي؟ هل وفّرت على الأقل بنية استقبال لهؤلاء الذين نعدّهم ضحايا السياسات التعليمية الهادفة إلى تسليع وتبضيع التعليم؟ هل تتوفر على دراسات علمية بشأن هؤلاء الهاربين من جحيم تعليمنا تستطيع بمقتضاها مساعدة أطر الإدارة التربوية وعموم رجال ونساء التعليم على بلورة آليات كفيلة بإنجاح هذه العملية؟”
واسترسل مجيبًا عن أسئلته: “أكيد أنها لم توفر سوى المذكرات، والكثير من الحطب لإغراق الأقسام في سعير الاكتظاظ والعنف والعبث، وإفقاد المدرسة قيمتها الرمزية”.
من جانبه، يرى أحمد دكار، المختص في علم النفس وعلوم التربية، أن هذا المستجد في المنظومة التعليمية ناتج بالأساس عن الفشل الذي يستشعره المسؤولون في منظومة التربية والتكوين، من خلال تقييم نتائج ما حققوه من خارطة الطريق 2022-2026، وهي نتائج لا تدعو إلى الاطمئنان.
وتابع مفسّرًا أن المؤشرات “الخطيرة لعدم جودة هذه المنظومة هي جيوش التلاميذ التي تغادر مقاعد الدراسة سنويًا”، مشيرًا إلى أن خارطة الطريق، منذ وضعها، حدّدت ما يتجاوز 300 ألف تلميذ منقطع عن الدراسة، فرفعت تحديًا يتمثل في أن تجعل ثلث هذا الرقم متمدرسًا، وهو ما وجده دكار “جريمة لا تحديًا”، وفق تعبيره.
وأضاف، في تصريح لـ”العمق”، أن هذا الإجراء “جاء لوضع مساحيق التجميل على نتائج منظومة التربية والتكوين، للتخفيف من نسبة الهدر المدرسي الذي انخفض إلى 280 ألف تلميذ خلال حوالي أربع سنوات، ما يدل، حسب دكار، على أن شبح الهدر المدرسي ما يزال جاثمًا على المنظومة”.
وأكد أنه “لا يستند إلى منطق الدراسة العلمية، ولا إلى منطق الحالة النفسية لهؤلاء التلاميذ”، موضحًا أن تلميذًا يبلغ من العمر 22 سنة في الباكالوريا سيدرس مع آخر يبلغ 18 سنة.
وتوقع أن يكون لهذا الإجراء آثار على الموسم الدراسي القادم، بحيث ستزداد حالات السلوكيات غير المنضبطة، سواء في علاقة التلاميذ فيما بينهم أو في علاقتهم مع الأطر التربوية والإدارية، مما قد يؤدي إلى حالات إجرام، وتابع قائلًا: “إن المنظومة قد فشلت في جعلهم مندمجين في وسطهم الدراسي”.
وشدد كذلك على ضرورة التنسيق بين قطاع التربية وقطاع التكوين المهني، قائلًا: “لو كان ذلك قائمًا وإلزاميًا، لأمكن لأي تلميذ منقطع أو مفصول عن الدراسة أن يلج آليًا إلى مؤسسة للتكوين المهني، بالإضافة إلى توفير مشاريع مهنية داعمة ومحفزة”، معتبرًا أن “الأموال التي تُهدر سُدى، وجب أن تُوظف في هذه القطاعات التي هي في أمس الحاجة إليها”.
تعليقات الزوار
انا انقطعت عن الدراسه من 2024