الأسرة، مجتمع

“العادات الغذائية” 23: هكذا تساهم تربية المواشي والدواجن في التغذية القروية

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”. 

 الحلقة 24 (معطيات ميدانية)

مساهمة تربية المواشي والدواجن في التغذية بالمنطقة 

سجلنا من خلال البحث الميداني، أنه بالنسبة لمنطقتي البحث، يتوجه قرابة كل منتوج البيض واللحوم من نشاط تربية الدواجن  إلى الاستهلاك الذاتي. أما بالنسبة لتربية الماشية، فهي تعتبر بنكا عينيا بالنسبة للفلاح، يتغذى منها كما يبيعها عند الحاجة. غير أن ما أسفر عنه البحث الميداني من نتائج تؤكد تطور نشاط تربية الماشية، خصوصا  بالمنطقة المسقية مقارنة مع تلك التي لم تستفد من مشروع السقي،  وهو ما سوف يعطينا انطباعا خاطئا في البداية عن مساهمة تربية المواشي في تغذية الساكنة، هذه المساهمة التي قد نظنها مرتفعة في المنطقة المسقية.

غير أنه على العكس من ذلك، نجد أن الأسئلة التي وجهناها للساكنة عن وجهة المواشي و منتجاتها كشفت عن معطيات أخرى، تفيد بأن 67,40%  من الأسر المستجوبة والمزاولة لتربية المواشي بالعوامرة تقوم ببيع منتوجها من الحليب، في مقابل 11% فقط من الأسر بجماعة الساحل تقوم بذلك.

كما أن 36,50% من المبحوثين بجماعة الساحل يقومون ببيع قطيعهم عند الحاجة، غير أن هذه النسبة تصل إلى 53%  في صفوف المستجوبين بجماعة العوامرة. وقد أفادت تصريحات المبحوثين أن الأسر تضطر لبيع  جزء من القطيع من أجل تغطية تكاليف الفلاحة الباهظة بالمنطقة المسقية.

لقد بينت النتائج المحصل عليها بواسطة الاستمارة  تراجع نسبة الأسر التي تقوم بتحويل مادة الحليب إلى مواد حليبية أخرى (سمن ، زبد، لبن)، إذ لم تتعد هذه النسبة 15% في منطقة الساحل والعوامرة وتكاد تقتصر على اللبن والزبد. ويعزى ذلك إلى اعتماد  الساكنة بالمنطقة المسقية على مادة الحليب أكثر من أجل تسويقها، في حين أن  تراجع تربية المواشي بمنطقة الساحل بفعل تراجع المراعي لا يسمح بتوفير منتوج كاف لتحويله إلى منتوجات حليبية أخرى. 

ورغم قلة الأسر التي تقوم بتحويل مادة الحليب إلى زبد أو لبن،  فقد لاحظنا كيف لا يخلو بيت من الأواني التي يتم بواسطتها تحويل الحليب عند توفره. يتعلق الأمر بتلك الجرة(المخاض) التي يتم فيها مخض الحليب لاستخراج الزبد وتحويله إلى لبن، هذه الآنية التي عرفت تحولا كبيرا في شكلها، ابتداء من كيس مصنوع من جلد الماعز(الشكوة) ، إلى جرة من الطين، بل إن بعض الأسر قامت بصنع مخاض من القصدير .  

غير أننا نضيف في هذا الباب أن تقنيات تحويل الحليب وإن كانت  تكاد تتشابه في معظم القرى بالمغرب، فإننا نسجل بعض الفروق بالنسبة لدول إفريقية أخرى، إذ يتم في بعض المناطق بتشاد وضع الحليب في جرة من الطين تسمى(البوكسا)، وهي عبارة عن جرة مربوطة في الغالب  بحبل يتم ربطه في غصن شجرة من أجل القيام بعملية رج الجرة في اتجاهات مختلفة، كما تعرف هذه المناطق  بتحضيرها للزبد المذاب الذي يتلاءم مع المناخ الصحراوي للمنطقة.

أما بالنسبة لمنطقة البحث فلا يمكن أن نحكم على العادات الغذائية المرتبطة ببعض المواد الحليبية من خلال ضعف الاستهلاك، ذلك أن تطوير الوسائل المستعملة لاستخراجها قد يدل على تجذر هذه المواد في العادات الغذائية  رغم تراجع وتيرة الاستهلاك.

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *